كتب محمد وهبة في صحيفة “الأخبار”:
تتوالى الهزّات في ركائز النموذج الاقتصادي اللبناني. فلم يكد لبنان يتجاوز قطوع التدهور غير المسبوق في أسعار سندات اليوروبوندز في السوق الدولية، حتى بدأت أسهم سوليدير تنهار في بورصة بيروت لتصل إلى مستوى لم تبلغه سابقاً بعدما خسرت 30% من قيمتها في ستة أشهر
شهدت بورصة بيروت أمس حدثاً «فريداً». سعر أسهم «سوليدير» وصل إلى 5.65 دولارات للفئة (ب) و5.90 دولارات للفئة (أ). هو مستوى لم يبلغه في أحلك الظروف. خسر السهم أكثر من 30% من قيمته خلال ستة أشهر. لا شيء يمنع المزيد من الانهيار قريباً. المؤشرات السوقية تشي بأن السهم بات خارج السيطرة. صار عبئاً على المستثمرين يسعون إلى التخلّص منه سريعاً. يعبّر الأمر عن انعدام في الثقة يخيّم فوق لبنان. منذ أيام فقط سُجّل تدهور غير مسبوق في سوق سندات اليوروبوندز. التشابه كبير بين الحدثين: المستثمرون الأجانب يتخلّون عن «الورقة» اللبنانية. هذا هو انعدام الثقة بقدرة النموذج الاقتصادي على الاستمرار.
سعر سهم سوليدير كان يتراجع على مدى السنتين الماضيتين. في تشرين الأول 2016 كان سعر السهم من الفئة (أ) يبلغ 12.40 دولاراً، ثم تراجع إلى 10.76 دولارات في 21 كانون الأول 2016، وبعدها انخفض إلى 9.82 دولارات في 19 كانون الثاني 2017، وفي كانون الثاني 2018 انخفض إلى 7.90 دولارات قبل أن يرتفع إلى 8.40 دولارات في أيار ثم إلى 6.91 دولارات في 7 آب، وأمس سجّل 5.90 دولارات.
هذا التراجع الدراماتيكي ناجم عن أزمة بنيوية لدى «سوليدير». فهي من جهة تعكس اتجاهات الأوضاع المحلية والإقليمية، وتمثّل رأس حربة القطاع العقاري في لبنان بكامل أزمته. ويعدّ سهم «سوليدير» وعاءً لكل هذه التقلبات، فضلاً عن أنه يعبر عن هوية الشركة الحقيقية ونشأتها بقرار سياسي جماعي للسطو على أكثر من 1.7 مليون متر مربع من الأراضي في وسط بيروت. جرى تشليح أصحاب الحقوق ملكياتهم مقابل حفنة من الأسهم. 100 مليون سهم هي المساهمات العينية في رأس مال سوليدير مقابل 65 مليون سهم تمثّل المساهمات النقدية. كانت قيمة السهم يوم الإصدار 10 دولارات. اليوم انحدرت قيمته إلى النصف، ولم يكن السهم الواحد قد نال أكثر من 7 دولارات أرباحاً منذ إنشاء الشركة في 1994 إلى اليوم.
السطوة السياسية دفعت المساهمين إلى السكوت طويلاً والاستثمار في أمل زائف بـ«كرم» إدارة الشركة وتخليها عن جزء من الثروة التي سطت عليها بقوّة القرار السياسي. كانوا يحصلون على الفتات، ثم جاءت الأزمة الأخيرة لتكشف جشعاً منقطع النظير. فالشركة بدأت تمرّ بأزمة جمود في المبيعات وارتفاع في المديونية واستحقاقات ديون قصيرة الأمد مقابل محفظة سندات تحصيل أطول أمداً، فضلاً عن خسائر كبيرة يتم تجميلها إلى أقصى الحدود. ورغم أن ميزانية الشركة تضمنت في عام 2017 أكثر من 1.7 مليون متر مربع من الأصول الصافية القابلة للبناء، إلا أنه بات يترتب عليها أن تسدّد خلال 12 شهراً ما يزيد على 500 مليون دولار، كما ان لديها ديوناً مشكوكاً في تحصيلها بقيمة 262 مليون دولار، وخسرت نحو 116 مليون دولار ولم يكن بإمكانها توزيع أي قرش على المساهمين. قبلها بسنة، أي في عام 2016، كانت النتائج مخيبة للآمال أيضاً، فقد انكشف حصول عمليات تجميل محاسبية لإظهار وجود أرباح بقيمة 63.1 مليون دولار وطمس تنامي محفظة الديون المشكوك في تحصيلها وتخلّف الشارين عن السداد واضطرارها إلى إلغاء عقود وإجراء تسويات مكلفة، ولم يوزّع أي فلس على المساهمين أيضاً.
خلال السنوات الماضية لم يعد سهم سوليدير مغرياً. غالبية المساهمين اعتقدوا أن إدارة الشركة مكبّلة الخيارات ولا قدرة لها على القيام بأي خطوة لضخ الحياة في السهم. ثم سرت أنباء عن تغييرات في الشركة ستتم ترجمتها عملياً في الجمعية العمومية، ما حال دون انهيار سعر السهم. هناك مساهمون كثر كانوا يعتزمون عرض السهم للبيع في السوق، إلا أنهم قرروا الانتظار حتى جلاء الوعود.
وبالفعل انعقدت هذه الجمعية في 23 تموز الماضي وأقرّت تعيين ثمانية أعضاء جدد في مجلس الإدارة وإعداد خطّة لبيع العقارات تتضمن تسديد الثمن بالأسهم وتخمين قيمة السهم بأكثر من قيمته السوقية.
جاءت هذه القرارات من ضمن اتفاق بين المساهمين الثلاثة الكبار (سعد الحريري، علاء الخواجة، أنطون الصحناوي)، إلا أن المساهمين فوجئوا بأنه بعد أكثر من شهرين على هذه القرارات لم يعقد مجلس الإدارة اجتماعاً واحداً. كذلك لم يُناقش أي تغيير في الشركة، سواء في التخطيط أو الإدارة أو المبيعات… أما الوضع الإداري فقد ازداد سوءاً بعد قرار اتخذه رئيس مجلس الإدارة ناصر الشماع بالتوقف عن تجديد عقد المدير العام منير الدويدي، وتعيينه مستشاراً له بصلاحيات واسعة جداً، ثم تعيين راني كريمة، ابن شقيقة الدويدي، نائباً للمدير العام، أي إنه لا ينوي تعيين مدير عام.
تسرّبت هذه الأنباء إلى بعض كبار المساهمين المحليين والأجانب الذين ظهرت عليهم علامات التململ بسبب اعتبارات تتعلق بدرجة المخاطر المرتفعة في لبنان، ما يجعلهم يعتقدون بوجوب الانسحاب من أي استثمارات في لبنان. من بين هؤلاء رجل الأعمال السعودي يحيى بن لادن الذي عرض أسهمه للبيع، وعددها يزيد على 500 ألف سهم. حذا حذوه أربعة آخرون يحملون، مجتمعين، أكثر من مليون سهم. اللافت أن «بنك أوف نيويورك» تخلّص أمس من 100 ألف سهم، وقبلها بأيام باع أكثر من 400 ألف سهم.