كتب وحيد صمدي في صحيفة “الأخبار”:
مع اقتراب موعد الحظر الأميركي على النفط الإيراني، تظهر علامات التأهب لدى طهران، لكن منسوب القلق لا يعادل حجم طموحات الإدارة في واشنطن. ثقة إيرانية مردها أوراق بديلة لا تزال وافرة، يدعمها إقرار أوروبا أمس نظام الالتفاف على العقوبات.
يوم الأربعاء الماضي، قال المبعوث الأميركي الخاص بشأن إيران براين هوك، الذي كان يتحدث في مركز «هادسون» الأميركي للأبحاث السياسية، إن «إدارة الرئيس (الأميركي دونالد) ترامب تعتقد بقوة أنه يجب علينا معالجة الملفين الإيرانيين النووي والصاروخي في آن واحد، لأن القوة الصاروخية هي الخيار الأكثر احتمالاً لأن تلجأ إيران إليه للقيام بضربة نووية، لكن الاتفاق النووي تجاهل هذه المعادلة وتمركز على بعد آخر». ثم أوضح هوك أن واشنطن التي تسعى إلى إيصال إيرادات طهران من النفط إلى الصفر، تتطلع إلى معاهدة تمكّن الولايات المتحدة من احتواء القوة الصاروخية الإيرانية، من جهة، ونفوذ طهران في المنطقة من جهة أخرى.
هذه الاستراتيجية الأميركية التي لخصها هوك في حديثه، بدأ تعبيد الطريق لتحقيق أهدافها، بأداة العقوبات وضغوطها، عقب خروج ترامب من الاتفاق النووي. فشهدت طهران في السابع من آب/ أغسطس الماضي عودة الحزمة الأولى من العقوبات، التي شملت حظر استخدام الدولار الأميركي مع القطاع الحكومي والتعاملات التجارية المتعلقة بالمعادن النفيسة ومعادن أخرى، أبرزها الألومنيوم والحديد والصلب، وفرض قيود على قطاعي صناعة السيارات والسجاد، ومنع التوريد واستيراد التكنولوجيا المرتبطة بالبرامج التقنية الصناعية. ومن المنتظر أن تدخل الحزمة الثانية من العقوبات، التي تشمل قطاع الطاقة والشحن وتعاملات البنك المركزي المالية، حيّز العمل في الخامس من تشرين الثاني/ نوفمبر. لكن، ماذا بشأن آثار هذه العقوبات، خصوصاً في وجبتها الثانية المرتقبة؟ وماذا بجعبة طهران لمواجهة تداعيات الحظر وفرص تفادي تأثيره في الاقتصاد الإيراني؟ لا شك في أن المخاوف حاضرة في الجمهورية الإسلامية من تداعيات التصعيد الأميركي، ولا سيما في قطاع النفط، وهي تداعيات بدأت مبكراً بالظهور وتلمّسها الشارع مع انهيار العملة المحلية. سياسياً، تلوّح طهران بأوراق قوة لمجابهة مشروع «تصفير» تصديرها النفطي، وهو ما كرره الرئيس حسن روحاني، في نيويورك، بالقول إن منع بلاده من تصدير النفط سيكون «أمراً بالغ الخطورة». لكن، عملياً، لا يبدو أن جعبة حكومة روحاني قد فرغت من الأوراق الاقتصادية والتجارية البديلة للجوء إلى خيارات سياسية وأمنية كخيار إغلاق مضيق هرمز، وهو ما يجعل الحديث في طهران عن الاحتمالات والمآلات أقل تشاؤماً.
“لا یمكن تصفير النفط الإيراني على المدى القصير»، هكذا يعلق مستشار وزير النفط الإيراني مؤيد حسيني صدر، في تصريح لوكالة «تسنيم» الإيرانية، الأسبوع الماضي، إذ أوضح أنه «نظراً لحاجة السوق الدولية ونقص الإنتاج النفطي لا يمكن تصفير صادرات نفط إيران. فالمزاعم الأميركية التي تطلق أحياناً عن تصفير صادرات النفط الإيراني غير ممكنة فعلاً على المدى القصير». وأكد أن «لإيران حدوداً برية طويلة، ويمكنها القيام بالتجارة النفطية بسهولة… إذا كان الأميركيون يملكون خبرة كبيرة في فرض العقوبات، فلدينا خبرات كبيرة في الالتفاف على العقوبات!”
عضو البرلمان الإيراني السابق والخبير الاقتصادي جعفر قادري، يلفت، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أن «الظروف الدولية تغيرت. في الماضي كانت إيران تعيش تحت عقوبات الأمم المتحدة، لكن اليوم تواجه العقوبات الأميركية الأحادية الجانب، وتوجد دول كالهند والصين وروسيا التي لا ترى نفسها ملزمة بالعقوبات الأميركية، ولذلك يمكن التعامل معها لبيع النفط». ويستدرك قادري بالتنبيه إلى أن الحظر الأميركي «قد يقلل من حجم الصادرات الإيرانية النفطية»، ولكنه «لن يتمكن من تصفيره»، مؤكداً أن «الظروف الداخلية مواتية لتجاوز المرحلة الراهنة». وبشأن الأوراق الإيرانية لمواجهة مرحلة العقوبات وتصعيدها، يرى قادري أن «إدارة إيرادات البلاد غير النفطية بشكل صحيح واحتواء طلب العملة الصعبة في السوق الأهلية يمكّنان السلطات من إدارة البلاد بنحو طبيعي». ووفق الاقتصادي والبرلماني السابق، كذلك فإن «تكرير النفط في الداخل وزيادة إنتاج المنتجات النفطية وبيعها في السوق الإقليمية يزيدان من دخل البلاد من العملة الصعبة ويقلّلان مشاكل الحكومة». ويشير قادري إلى ضرورة «توسيع العلاقات مع الجيران ودول إقليمية وشرقية، في مقدمتها تركيا وروسيا والعراق وأفغانستان وتركمانستان والصين والهند وقطر، وتوقيع الاتفاقات التجارية الطويلة المدى»، فهما يعدان من طرق «تقليل المخاطر» التي تتهدد اقتصاد الجمهورية الإسلامية في مرحلة عودة العقوبات النفطية والمالية.
وعن طرق تجاوز العقوبات المالية والنفطية الأميركية، قدّمت صحيفة «دنیاي اقتصاد» (عالم الاقتصاد) الإيرانية في مقال لها قبل أيام، ثلاثة مقترحات نقلاً عن خبراء اقتصاديين محليين، تتلخص في: تحويل الأموال من البنك المركزي الأوروبي، وتوسيع العلاقات مع روسيا والصين، الذي يوفر فرصاً اقتصادية كثيرة لإيران، وتوقيع معاهدات مالية للالتفاف على حظر تبادل الدولار. وأمس، أعلنت الدول الأوروبية، على لسان وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيدريكا موغريريني، عقب اجتماع الدول الموقّعة على الاتفاق النووي في نيويورك، إنشاء نظام مقايضة لمواصلة التجارة مع طهران والإفلات من عقوبات واشنطن. وأوضحت موغيريني أن دول الاتحاد ستنشئ كياناً قانونياً لتسهيل المعاملات مع إيران «من الممكن أن ينضم إليه شركاء آخرون». أما في ما يخص ملف الإنتاج عالمياً، فمساعي ترامب لتعويض النفط الإيراني من منتجين آخرين، لا تبدو أنها تحظى بتجاوب دول «أوبك» ومعها روسيا، على الأقل هذا ما أظهرته نتائج اجتماع الجزائر الأخير، حيث رفضت الدول المنتجة زيادة إنتاج الخام. المؤشر «الإيجابي» الثالث، رصده وزير النفط الإيراني بيجن زنغنة، الذي كشف عن أن كوريا الجنوبية البلد الوحيد الذي توقف عن شراء النفط الإيراني، مطمئناً إلى أن باقي الدول لن تستغني عن النفط الإيراني «على المدى المتوسط»، وأن «الحلم الأميركي لن يتحقّق».