كتب علي نون في صحيفة “المستقبل”:
“معاقبة” الروس للإسرائيليين على خلفية تحميلهم مسؤولية إسقاط طائرة الـ”إيليوشين” في السابع عشر من الشهر الجاري بمضادات بقايا القوات الأسدية، تبدو وكأنها “قرصة أُذن” بين أهل بيت واحد، أو بين أصحاب يمونون على بعضهم البعض ويتهاوشون علناً بطريقة يخال الرائي والسامع “غير العالم” بأنهم يتقاتلون فيما هم في بواطنهم وظواهرهم رفاق درب على طول الطريق!
المنظومة الدفاعية الجوية الـ”أس – 300″ التي قرّرت موسكو أنها أداة “معاقبة” الإسرائيليين لا تزيد على المنظومة الأكثر تطوراً الـ”أس – 400″ الموضوعة في قاعدة حميميم الجوية وقاعدة طرطوس البحرية، ولا تضيف شيئاً، إلاّ إذا حصلت “أشياء” لم يُعلن عنها ولم يعرف بها أحد! بمعنى أن موسكو وضعت تلك الصواريخ لكنها لم تستخدمها ولا مرّة! لا ضدّ الطلعات الأميركية ولا تلك الإسرائيلية ولا ضدّ الأتراك بطبيعة الحال مع أنها أُحضرت إلى الشمال السوري غداة إسقاط “السوخوي” في تشرين الثاني 2015 من قبل هؤلاء الأتراك وقصداً وليس عفواً!
وموسكو تعرف والله أعلم، أن الاستعراض بالقوّة لا يعني استخدامها في غير مواضعها! بل هي في الخلاصة تتم ولا تستبدل التفاهمات والاتفاقات المسبقة التي لا تزال تحكم وتتحكم بمسار حوادث النكبة السورية وتبقيها تحت سقف الفتك بالمعارضين السوريين أو بالبعد الداخلي المحض لتلك النكبة. واتخاذ أقصى درجات الوقاية لمنع انفلاتها إلى شيء إقليمي أو دولي لا يريده أحد في كل حال وبالتأكيد العنيد!
أعطيت مبدئياً بانتظار التنفيذ عملياً، تلك المنظومة الدفاعية إلى بقايا السلطة الأسدية لكن ليس للاستخدام ضد من يستهدفها! إنما لتعزيز الدفاع عن القوات الروسية في الشمال السوري! وفقاً لما أُعلن على لسان كبار القادة العسكريين الروس حرفياً! وهذا يعني في تتمة الحكاية، أنّ إسرائيل لم تفقد “امتيازاتها” في سماء سوريا! ويمكنها استناداً إلى تلك السوالف الروسية، “إستئناف العمل” كالمعتاد تبعاً لـِ “بنك الأهداف” الذي وضعته لضمان عدم تحويل البلد المنكوب إلى قاعدة إيرانية غير مأمونة! ولا مضمونة! برغم كل شيء معاكس!
أي أن “قواعد الاشتباك” الموضوعة سلفاً لم تتعدّل. وبالأحرى يفترض أن توصف هذه بـ”قواعد التفاهم” التي تعكس “شريعة المتعاقدين” والتي جاءت روسيا منذ أواخر العام 2015 إلى سوريا تحت سقفها وليس فوقه. وبتسليم مسبق بالمبدأ الاستراتيجي الذي تضعه إسرائيل في موضع النخاع الشوكي في منظومة دفاعاتها والذي هو “التفوق الجوي” في عموم المنطقة الذي يجعلها قادرة على المواجهة في جبهات عدّة دفعة واحدة. ويعوّضها عن النقص العددي المحتمل (والافتراضي!) حيال دول الطوق!
ثم فوق ذلك ومن حيث المبدأ والتفاصيل والوظائف والإمكانات والقدرات: تعرف موسكو بالتأكيد أن إعطاء منظومة الـ”أس – 300″ لبقايا القوات الأسدية لا يعني بالضرورة استخدامها ضد الطيران الإسرائيلي، إلا ضمن استعراضات موضعية دفاعية مثلما حصل قبالة شواطئ اللاذقية ليل السابع عشر من الشهر الجاري!.. وتعرف أكثر بالتأكيد أنه في اللحظة التي سيصير معها رئيس سوريا السابق بشار الأسد خطراً جدّياً عليها ستكون هي لحظة سقوطه الحتمي! هذه تركيبة سلطوية بقيت في مكانها برغم الأهوال والفظاعات، لأنها “أكّدت” و”صمدت” عند “وظيفتها” الأولى بعدم تهديد أو حتى إزعاج الأمن الاستراتيجي أو التكتي الإسرائيلي، لا انطلاقاً من الجولان المحتل فقط، إنما من العمق السوري برمّته دولة وجيشاً وكياناً واحتمالات..
أي كأنها عاصفة في فنجان! الهدف الأول لها تنفيس الغضب الروسي! وحفظ الكرامة العسكرية للقوة النووية الثانية في العالم! ومن ضمن “شريعة المتعاقدين” التي تجعل سوريا ما هي عليه اليوم: دولة متشظّية ومتلاشية يتقاسمها الأميركيون والروس والأتراك والإسرائيليون! وهؤلاء جميعاً يريدون، كل من زاويته، رؤية خروج اللاعب الإيراني الخامس من الميدان.. والباقي خربشات على هامش اللوحة!