كتبت صحيف “العرب” اللندنية:
أدلى الرئيس اللبناني ميشال عون بتصريحات إلى صحيفة الفيغارو الفرنسية أعادت تأكيد خياراته التي لم تتغير منذ إبرامه اتفاقا مع حزب الله عام 2006 حمل اسم “ورقة التفاهم”، مؤكّدا اتهامات خصومه لقصر بعبدا بأنه واجهة من واجهات حزب الله في لبنان.
وفيما تتهم الأطراف القريبة من أجواء تحالف 14 آذار الحزب بالعمل على الهيمنة على لبنان ومصادرة استقلاله وسيادته ويملك قرار الحرب والسلم في لبنان، يواصل عون اعتبار الحزب “مقاومة تدافع عن لبنان”، ويمعن في الدفاع عن أداء الحزب والدفاع عن “فائض السلاح” الذي يمتلكه، كما يستمر في نفي استخدام هذا السلاح في الداخل اللبناني.
وردا على سؤاله عن امتلاك حزب الله حق الفيتو على كل القرارات الاستراتيجية، رفض عون، قائلا “لا. ففي لبنان النظام توافقي، وإبداء الرأي لا يعني استخدام حق الفيتو”. وقال مراقبون إن عون وصهره وزير الخارجية جبران باسيل يستقويان بالتحالف مع الحزب من أجل فرض شروط ومعايير تقف حائلا حتى الآن دون تشكيل الحكومة الجديدة في لبنان.
وعمّا إذا كان لبنان رهينة حزب الله، أشار عون للفيغارو إلى أن “الضغوط الدولية ضد حزب الله ليست جديدة، وهي ترتفع. وبعض الأطراف يفتش عن تصفية حساباته السياسية معه بعدما فشل في تصفية حساباته العسكرية مع الحزب لأنه هزم إسرائيل في العام 1993، ومن ثم في العام 1996، وبصورة خاصة في العام 2006”، مضيفا أن “القاعدة الشعبية لحزب الله تشكّل أكثر من ثلث الشعب اللبناني. وللأسف فإن بعض الرأي العام الأجنبي مصّمم على جعله عدوا”.
ردود مدروسة
رأت أوساط سياسية معارضة أن المقاربة التي يقدمها عون دفاعا عن الحزب لم تكن عفوية مفاجئة، بل إن ما أورده من وقائع وتواريخ، يكشف أن الردود جاءت معدّة ومدروسة، وربما بموافقة الحزب وبالتشاور الكامل معه، لتقديم صورة أخرى عن الحزب من على منبر إعلامي أوروبي.
وقالت مصادر سياسية قريبة من أجواء تيار المستقبل الذي يتزعمه رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، إن توقيت المطالعة الدفاعية التي قدمها رئيس الجمهورية يأتي متزامنا مع مطالعات المحكمة الدولية الخاصة بلبنان بشأن جريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، والتي وجه من خلالها الإدعاء العام التهمة مباشرة إلى حزب الله والنظام السوري بالتآمر لقتل الراحل في 14 فبراير 2015.
ويحاول الرئيس اللبناني دفع تهمة الإرهاب عن حزب الله واعتباره تيارا سياسيا عاديا يخضع لأجندة الحكومة اللبنانية وخياراتها. ويهمل عون، حسب معارضيه، كافة القرارات والسلوكيات التي انتهجها الحزب سواء ضد إسرائيل أو في الحرب السورية، والتي أنزلت بالبلد الكوارث، وعمّقت من الشرخ داخل المجتمع اللبناني. ويضيف هؤلاء أن رئيس الجمهورية المؤتمن على الدستور، مازال يؤكد امتثال حزب الله للقرارات والتوجهات التي تتخذها الحكومة في بيروت، لا سيما تلك المتعلقة باستخدام السلاح على الرغم من أن الوقائع البديهية تكذّب ذلك.
الرئيس ميشال عون ووزير الخارجية جبران باسيل يستقويان بالتحالف مع الحزب من أجل فرض شروط ومعايير تقف حائلا حتى الآن دون تشكيل الحكومة الجديدة في لبنان
وأكد عون للفيغارو أن حزب الله لا يلعب أي دور عسكري في الداخل اللبناني ولا يقوم بأي عمل على الحدود مع إسرائيل، مضيفا أن وضع الحزب بات “مرتبطا بمسألة الشرق الأوسط وبحلّ النزاع في سوريا”.
وردا على سؤال من الصحيفة الفرنسية حول ما إذا كان حزب الله ملتزما بعدم مهاجمة إسرائيل وانتهاك القرارات الدولية المتخذة منذ حرب عام 2006، يؤكد الرئيس اللبناني ذلك، منوّها إلى أنه “إذا لم يتعرّض لبنان لأي اعتداء إسرائيلي، فما من طلقة واحدة ستُطلق من الأراضي اللبنانية. ولكن إذا ما حصل أي اعتداء ضد لبنان، فله الحق في الدفاع عن النفس”.
ورأى محللون أن الرئاسة الأولى في لبنان تبلغ المجتمع الدولي قبل ساعات من توجه عون إلى نيويورك، بأن الدولة اللبنانية مستقيلة من أي مهمات متعلقة بالدفاع عن البلد، وأن الرئيس اللبناني يؤكد بما يشبه المسلّمة المُجمع عليها داخليا أن الأمر مناط بحزب الله و”أن له الحق في الدفاع عن النفس”.
استغرب مراقبون اعتبار عون أن إدماج مقاتلي حزب الله في الجيش اللبناني “قد يشكّل مخرجا” تاركا للحزب تقرير التوقيت لذلك. واعتبر هؤلاء أن عدم دعوة عون لحوار جديد من أجل الاتفاق على استراتيجية دفاعية حتى الآن على الرغم من وعده بأنه سيقوم بذلك بعد إجراء الانتخابات النيابية، يعود إلى أن توقيت ذلك لا يتلاءم مع أجندة حزب الله وخططه في لبنان والمنطقة.
وفيما تنتقد شرائح لبنانية واسعة مشاركة الحزب في الحرب السورية إلى جانب نظام دمشق، أثنى الرئيس اللبناني على الأمر واعتبر أنه تدخل “ضد داعش والنصرة في سوريا، غير أن الوقائع هنا هي أن الإرهابيين كانوا يهاجمون أراضينا، وحزب الله كان يدافع عنها”.
وقالت مصادر سياسية لبنانية مطلعة إن مواقف عون أتت بعد أيام على استقبال بيروت لمدير مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي “إف.بي.آي” كريستوفر راي.
وعلى الرغم من أن الوفد الأميركي لم يأت على ذكر حزب الله أثناء محادثاته مع المسؤولين اللبنانيين، إلا أن بعض ما رشّح عن الاجتماعات لمّح إلى إمكانية لجوء واشنطن إلى فرض عقوبات ضد لبنان ومؤسساته إذا لم يتم وضع حد لتماهي بعض المؤسسات اللبنانية مع أنشطة الحزب المصنفة إرهابية.
واعتبرت هذه المصادر أن موقف الرئيس اللبناني المدافع عن مصالح الحزب أكثر من دفاعه عن مصالح لبنان، سيسرّع من وتيرة الضغوط التي تمارس داخل الكونغرس لوضع لبنان على اللائحة المقبلة للعقوبات الأميركية في المنطقة.
وانتقدت أوساط لبنانية مواقف عون واعتبرتها غير ممثلة للبنان وللشعب اللبناني، وأن الرئيس اللبناني يتجاوز وظيفته كراع لكل اللبنانيين ومؤتمن على الإجماع اللبناني، وأنه يتطوع بشكل منحاز للدفاع عن حزب الله الذي يشكل الموقف منه الانقسام الرئيسي في لبنان.
واستغربت أوساط لبنانية عدم ارتفاع أصوات رسمية داخل الحكومة اللبنانية تنتقد مواقف عون المدافعة عن حزب الله.
ورأى هؤلاء أن ترك المنبر الرئاسي يصدح بهذه المواقف يشوه المواقف الحقيقية للبنانيين في هذا الصدد، خصوصا أن عون يقود وفدا لبنانيا كبيرا لتمثيل لبنان الرسمي في أعمال الجمعية العمومية السنوية للأمم المتحدة من أجل “أن يسمع العالم موقف لبنان”، حسب قوله.
وتخوفت هذه الأوساط من أن يتخذ العالم مواقف سلبية حذرة تتماشى مع الموقف الأميركي إذا ما طوّرت الولايات المتحدة على نحو سلبي علاقاتها مع بيروت.