كتب علي نون في صحيفة “المستقبل”:
لا تهدأ الحملة الأميركية الشاملة على إيران ولا تتراخى. بل العكس، تستمر على وتيرة واحدة وكأنّ لا شيء آخر يهم إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في هذه الدنيا سواها.
بل إن الدأب المتّبع لا يترك مجالاً لأي استطراد أو سوء حساب: “كل” الإدارة الأميركية مستنفرة عند “أمّ القضايا” هذه. وما على طهران سوى أخذ ذلك في الحسبان طالما أنها لم تجد أحداً في واشنطن تستعين به سوى وزير الخارجية السابق جون كيري! وطالما أنّ الرك على موقف أوروبي متميّز أو مختلف في الشؤون الأساسية والجدّية، لم يثمر مردوداً واعداً، ولا يبدو أنه سيثمر أي تغيير يمكن أن يخفّف من حدّة الاختناق الإيراني.
وليس من باب التعيير ولا الكيد، (برغم احتمالاتهما!) إرجاع الأمر إلى البدايات والأساسيات القائلة بأن طهران وليس أعداؤها ولا أخصامها، هي المسؤولة الأولى عن حالة النبذ التي تعيشها. وعن الحصار الذي يخنقها. وعن الإقفال الذي تواجهه.. وعن وصول الجمهورية برمّتها إلى تبوّؤ مرتبة الريادة في الدول الفاشلة سياسياً وديبلوماسياً واقتصادياً ومالياً.
يمكن أن تسمع طهران كلاماً أوروبياً قريباً منها، وتحديداً في شأن “الاتفاق النووي”.. وأن تُقارب ذلك من باب منطقي تماماً. أي أن تقول هي مثل ما يقوله الأوروبيون أن “من مصلحة” الطرفين الإبقاء على ذلك الاتفاق باعتبار أنه يجنّب العالم احتمالات فوضى نووية لا يحتملها أحد. ولا قدرة لعاقل على تصوّر تداعياتها الإفنائية.. لكن لا يمكن أن تسمع (طهران) كلاماً متعاطفاً مع أدائها أو مؤيداً لأجندتها الخارجية. أو داعماً لسياساتها وارتكاباتها وميليشياتها وطموحاتها، حتى من قِبَل الدول التي تتعرّض لعقوبات أميركية، وتتأذّى من السياسة الحمائية التي يعتمدها الرئيس ترامب وفي أوّلها الصين وروسيا!
.. حتى ضمن المقاييس النمطية و”المبدئية” المُختصَرة بمقولة “المصيبة تجمع” لا تجد طهران هذه الأيام طرفاً دولياً مرموقاً يمكنها الادّعاء أنّه حليفها في كل الملفات! أو “صديقها” على طول الخط! قصّة النكايات غير واردة في هذا المقام. ولا يكفي أن يشمل ترامب إيران وروسيا والصين بمروحة عقوباته كي تجد هذه الدول نفسها مُوحَّدة ضمن تحالف مضاد لواشنطن. بل الحاصل الذي يراه كلّ مَن عليها، هو أن موسكو وبكين (وغيرهما) تكثران من الحكي الانتقادي لخطوات الإدارة الأميركية لكنهما تلتزمان مقتضيات مصالحهما أولاً وأساساً.
والواضح من الكلام النازل مدراراً من أقطاب الإدارة الأميركية المتزامن مع لحظة الدورة السنوية للجمعية العمومية للأمم المتحدة، أنّ واشنطن تريد إعدام أي فرصة ولو عَرَضية قد تجدها إيران سانحة أمامها كي تظهر بمظهر “الضحية”! أو كي تعرض “قضيتها” أمام العالم، أو أن تستغل “صدفة” توقيت “العملية الإرهابية” في الأحواز لادّعاء عضويتها في نادي الدول المتضررة من ذلك الإرهاب! وليست المتهمة بأنها أول الدول الراعية له!
الشراسة الأميركية الظاهرة لا تترك مجالاً للتأويل: الحرب شاملة وجدّية وغير مسبوقة، سوى أن في يد طهران إبقاءها في دائرة العقوبات والماليات والنفطيات والديبلوماسيات وعدم وصولها إلى المواجهة النارية عسكرياً أو أمنياً، ومباشرة وليس بالواسطة!