كتبت ساسيليا ضومط في صحيفة “الجمهورية”:
عندما صارح شارل أهله برغبته في الزواج من ليندا جُنّ جنون والدته التي ردّدت «بكرا بيعدوك إكتئاب ويتصير متل عيلتا»، رافضة الفكرة من أساسها. في حين حاول الوالد إقناعها بأنّ الإكتئاب غيرُ معدٍ، رغم أنّه مرض نفسي مرتبط بأعراضٍ ومسبّباتٍ بيولوجية، إلّا أنه لا يشبه الفيروس المعدي.
شهد شارل يومها جدالاً مرفقاً بالبراهين والدلائل بين والديه، هو الذي لا يهمه في الموضوع إلّا حبه لليندا ورغبته بإمضاء العمر معها.
«جدة الفتاة التي يريد ابنك أن يتزوّجها قد انتحرت عن عمر الـ30، والجميع يعلم أنّها تناولت السم بعد أن أنجبت إبنها الأصغر. كما أنّ ابنتها، والدة ليندا، قد دخلت مرات عدة إلى المستشفى بسبب الإكتئاب، كما خضعت للعلاج النفسي لأكثر من سنة، وجميع أهل القرية يؤكدون أنّ الجميع في هذا البيت يعانون من الحزن والإحباط، وهم لا ينجحون في علاقاتهم الزوجية بسبب ذلك، فما أدرانا ماذا سيحل بشارل لو انضمّ لهم»، قالت الأم بعصبية وقلق.
أما زوجها، فقد كانت له وجهة نظر مختلفة، «أتذكّر أنّ والدك رحمه الله كان قد توفي بعد معاناة مع سرطان في المعدة، وكان الأمر مؤلماً جداً للجميع، وبعده بـ5 سنوات، اكتشفنا إصابتك بالمرض نفسه، وفي المعدة أيضاً، وتمكنّا من استئصاله منذ بداياته والحمد لله. ما أردتُ قوله هو أنّ العامل الوراثي موجود، لكنّه ليس حتميّاً، فأختك الكبرى لم تصب به. وأنا أرى تشابهاً بين الحالتين، فالجينات تلعب دوراً في الإصابة بالإكتئاب، إلّا أنّ الأبحاث لا زالت مستمرّة لاكتشاف المزيد حول ذلك. لماذا يصاب شخص بالإكتئاب على أثر فقدان أحد أفراد العائلة، ولا يصاب الآخر، على الرغم من كونهما أخوين وتعرّضا معاً للفقد من خلال الموت». الإكتئاب ليس علامة ضعف، كما أنّه ليس عيباً، فهو قد يصيب الجميع، من مختلف المناطق والأعمار والأوضاع الإجتماعية، فقد يكتئب الغني والفقير، والزعيم والشخص العادي. أما المهم بالموضوع فهو الثقافة حول أعراضه، وكيفية التعاطي مع المصاب به ومعرفة الوقت المناسب لطلب العلاج المتخصّص.
أما نقطة الإنطلاق فهي في تخطي اعتبار الإكتئاب وغيره من الأمراض والإضطرابات النفسية ضعفاً أو وصمة خجل وعار. أما العلاج فيبدأ من معرفة الأعراض وتمييزها، فعندما يفقد أحدُ المحيطين بك الرغبة بالعيش، والمتعة بأيِّ نشاط كان يُفرحه في السابق، بالإضافة إلى الشعور بالحزن الشديد والدائم لمدة تزيد عن الأسبوعين، كما يفقد الحماسة والطاقة والقدرة على متابعة متطلبات الحياة اليومية بشكل طبيعي.
وتترافق هذه الأعراض الأساسية بأخرى كاضطرابات النوم والشهية، الإحباط، التفكير السلبي والأفكار السوداء التي قد تصل إلى التفكير بالإنتحار وصولاً للإقدام على ذلك بهدف التخلّص من العذاب الدائم وغير المحتمل.
يتسبّب خللٌ في المواد الدماغية بالاكتئاب، كما يلعب العامل الوراثي دوراً في ذلك، وبالمقابل تؤدي الإصابة بالاكتئاب إلى آلام وأوجاع جسدية كآلام الرأس والقدمين وأمراض القلب وصولاً إلى الإصابة بسرطان المعدة وغيره من الأمراض.
إنّ الثقافة حول الإكتئاب تحمي المصاب به والمحيطين؛ فمَن يعايش شخصاً حزيناً لا بدّ أن يتأثر بمزاجه، كما تُصبغ يومياتُه بالسلبية والتشاؤم التي يعايشها معه معظم الوقت، بالإضافة إلى الشعور بالإحباط خوفاً على مَن يحب، والعجز جراء عدم القدرة على مساعدته وإنقاذه، والقلق الدائم من خسارته.
لو أصيب مَن تحبون بالإكتئاب إستمعوا له وأشعروه بدعمكم ووجودكم إلى جانبه، وتفهّموا ألمه ومعاناته، وحذارِ من محاولة تبسيط سبب عذابه. الطريقة الأفضل للمساعدة والتعبير عن الحب هي تشجيعه على طلب العلاج النفسي من المختصين.