كتبت ليا القزي في صحيفة “الأخبار”:
في غمرة الحراك الكنسي والسياسي داخل الكنيسة الأرثوذكسية والبطريركية الأنطاكيّة، تتحضر جامعة البلمند لاختيار رئيس جديد لها. بورصة الأسماء تضم شخصيات عدّة، لا تغيب الأحزاب والتيارات السياسية عن دعم بعضها ووضع «الفيتو» على بعضها الآخر. إلا أنّ القرار النهائي سيكون للبطريرك يوحنا العاشر اليازجي
يسعى بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس يوحنا العاشر يازجي، إلى «تقطيع» الأجنحة التي تُعتبر مُقرّبة من السياسة الأميركية في المنطقة، داخل الكنيسة. هذا ما يوحي به نهجه أخيراً، وقد افتتحه برفع سقف خطابه بوجه محاولات الفصل بين الأبرشيات اللبنانية والسورية في البطريركية. أتى ذلك بعد قرابة الخمس سنوات من تولي يازجي مهامه رسمياً، وبعد تعيينات عدة قام بها داخل الأبرشيات، استُغِلَّت لتغذية خطاب «القومية اللبنانية» في وجه «القومية السورية». انتخاب رئيسٍ جديد لجامعة البلمند (شمال لبنان)، يأتي في هذا السياق. فمن المفترض أن تجتمع اليوم (في حال عدم تأجيل الاجتماع) اللجنة التنفيذية في الجامعة، لانتخاب خلف للرئيس «المُستقيل» إيلي سالم. تقول مصادر مُطلعة على الملّف، إنّه «قبل فترة، كان سالم يريد الاستقالة والتقاعد، ولكن البطريرك رفض ذلك. أخيراً، بادر يازجي وطلب من سالم تقديم استقالته، ليُعيّن بديلاً». شغور المركز، وبدء مرحلة البحث عن سلف، لم تكن مُجرّد «شأن كنسي». انتخابات جامعة البلمند، ساحة خصبة لشتّى أنواع التدخل السياسي، ومحاولة «فرض» أسماء مُحدّدة على البطريرك، ووضع «فيتو» على أسماء أخرى. على رغم أنّ يازجي يُعتبر «الآمر الناهي» في ما خصّ اختيار الرئيس الجديد، كون «البلمند» تقع تحت سلطته مُباشرةً وضمن دائرة نفوذه، فالجامعة أيضاً مقرّ بطريركي.
«انتخابات رئاسة الجامعة، تُمثل هذه المرة ساحة صراع سياسي، أكثر من السنين السابقة»، يقول أحد النواب في دائرة الشمال الثالثة (بشرّي – زغرتا – الكورة – البترون). السبب أنّ معظم القوى السياسية «تتعامل معها بوصفها الفرصة السانحة لوضع اليد على منجم تعليمي وتوظيفي كبير. يبدأ الأمر من تسجيل الطلاب والاستحصال لهم على منح دراسية، وصولاً إلى التوظيفات». ويُضيف النائب أنّ «المستشفى في البلمند، سيصبح قريباً جاهزاً لاستقبال المرضى، وبالتالي يدخل أيضاً في حسابات القوى السياسية، كباب للخدمات». القبض على المرافق الحياتية، وترك مصالح الناس أسيرة القوى السياسية، والبحث عن مراكز نفوذ إضافية «دفع بعضها إلى الاشتراط على البطريرك اختيار اسم مُحدّد، وبعضها الآخر إلى التمنّي على يازجي عدم اختيار شخصية مُستفزة لها».
أسماء عدّة مطروحة للنقاش، من أبرزها نائب رئيس «البلمند» ميشال نجار. ابن بلدة بشمزين في الكورة، مدعوم من الحزب السوري القومي الاجتماعي وتيار المردة، كما أنّ علاقة قربى تربطه بالنائب السابق فريد مكاري. «مُشكلته»، أنّ البطريرك «لا يُحبذ انتخاب نجّار، لاعتباره مُقرباً من العهد البطريركي السابق (البطريرك أغناطيوس الرابع هزيم)»، استناداً إلى مصادر متابعة.
حاول «القومي»، إقناع البطريرك باختيار نجّار رئيساً للجامعة، «ليُحافظ على الاستقرار فيها»، على أن يكون نائب رئيس الجامعة «من حصة البطريركية». رفض يازجي «العرض»، مُحاولاً «تزكية» خيار المُرشح على لائحة تيار المستقبل إلى الانتخابات النيابية في البقاع الغربي، الطبيب غسان سكاف. أثار هذا الخيار استغراب الكثيرين، «كون سكاف محسوب على الجبهة الأميركية، في وقت يُشهر يازجي سيفه بوجهها». كان ذلك، قبل العشاء الذي أقامه نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي لليازجي، في 13 أيلول، وتطور مستوى التنسيق والتعاون بين الرجلين. تراجعت أسهم سكاف، بعد أن أشهر الفرزلي «الفيتو» بوجه «مُنافسه»، وقد دعمه في قراره النائب سليم سعادة. إلا أنّ ذلك، لا يعني ارتفاع حظوظ ميشال نجار. على العكس من ذلك، لا يزال يازجي مُصراً على عدم اختياره رئيساً للجامعة، ما دفع بسليم سعادة إلى الاجتماع بيازحي، وإبلاغه أنّ «كلّ هذه التغييرات والتعيينات، تُهدّد استقرار الجامعة. نحن وما نُمثل في الكورة، سنكون ضدّ أي شخص غير ميشال نجار»، استناداً إلى المعلومات.
الاختلاف في وجهات النظر بين «القومي» و«المردة» من جهة، والبطريركية من جهة أخرى، لا يُزعج التيار الوطني الحرّ «لاعتباره أنّ نجار ليس من حصته، وهو على علاقة جيدة مع آل فرنجية». يُحاول «التيار» الدخول في وساطة لاختيار شخصية غير مُستفزة، ولا يُعتبر انتخابها انتصاراً لفريق على حساب الآخر. أما عضو اللجنة التنفيذية في «البلمند»، الوزير نقولا تويني، فيقول إنّه «سأكون مع خيار البطريرك أياً يكن».
دخلت القوات اللبنانية أيضاً على خطّ الترشيحات، فاختارت رئيس جامعة البلمند – فرع سوق الغرب، الطبيب كميل نصّار، شقيق النائب القواتي أنيس نصار، ومُنافس الفرزلي سابقاً إلى موقع نائب رئيس مجلس النواب. وهناك اسم رابع، يتم التداول به هو ابن طرابلس جورج نحاس، وهو من أفراد أسرة البلمند، «ومُقرب من الجو السياسي الموالي للولايات المتحدة الأميركية».
في خضّم النقاش حول هذه الأسماء الأربعة، برز خياران قد يلجأ إليهما يازجي، للتفلّت من ضغوط القوى السياسية. الخيار الأول، هو الدكتور غسان سابا. يكاد السؤال عن اسم الرجل، يُعادل البحث عن إبرة في كومة قشّ. يُعرّف عنه الوزير نقولا تويني بأنّه «دكتور مهم، يُعلّم حالياً في إحدى الجامعات في أميركا، ولكنّه لم يكن مُتحمساً لتعيينه رئيساً للجامعة».
أما الخيار الثاني، فهو بحسب أحد النواب في «الشمال الثالثة»، تعيين أحد المطارنة من التابعية السورية رئيساً لـ«البلمند». إلا أنّ هذا الخيار، في حال جديته، مُرشح للتحول إلى عنوان لخلاف على مستوى كلّ البطريركية الأنطاكية. وسيُضاف إلى «الهواجس اللبنانية» من ارتفاع عدد رعاة الأبرشيات المُعينين في لبنان وسوريا، من الجنسية السورية. كما أنّه يُعزّز «الخطاب الانفصالي»، الساعي إلى «استقلالية» الأبرشيات اللبنانية، بحجة «اللامركزية» التي تُوفرها الكنيسة الأرثوذكسية لأبرشياتها.