Site icon IMLebanon

من “السوخوي” إلى “إيليوشين 20″ إلى الـ”أس 300”!

كتب نبيل هيثم في صحيفة “الجمهورية”:

الى أين تتّجه المنطقة؟ سؤالٌ مطروحٌ بقوة في هذه الفترة؛ ويتسابق مع التطورات المتلاحقة على الساحة السورية ومن خلالها على أكثر من ساحة محيطة بها. الصورةُ محاطة حتى الآن بالغموض، ما يجعل من الصعوبة رصد اتّجاهات البوصلة السياسية والعسكرية، التي لم تثبت بعد على اتّجاهٍ معيّن.

يقرأ خبيرٌ في السياسة الروسية، مشهدَ المنطقة وما يحيطها من تداعيات، من خلال محطتين أساسيتين:

– المحطة الاولى، حادثة إسقاط طائرة «السوخوي» الروسية من قبل الدفاعات التركية في منطقة الحدود مع سوريا؛ في تلك الفترة بلغ الخلاف الروسي التركي ذروته حيال الأزمة السورية، وكانت لرجب طيب أردوغان أهداف وطموحات كبيرة جداً في سوريا، حيث سعى من خلال إسقاط طائرة «السوخوي» الى محاولة فرض قواعد اشتباك جديدة في الميدان السوري، وتذكير الروس بمأساة أفغانستان عبر التلويح بإمكانية تجديدها في سوريا.

الرد الروسي لم يتّخذ حينها شكلَ المواجهة العسكرية، إلّا أنه أتى على مستويين، الاول، عسكري تمثل في قطع الاتّصال بين الجيشين الروسي والتركي، وحشد مزيد من القطع الحربية الجوية والبحرية، التي أخذت تكثف وتيرة قصفها للجماعات الإرهابية المدعومة من قبل تركيا. والثاني، اقتصادي، تمثل في سلسلة قرارات من قبيل وقف استيراد السلع التركية، وقطع الرحلات السياحية للروس الى تركيا، فضلاً عن تعليق العمل في العديد من المشاريع الاستراتيجية بما في ذلك مشروعا المحطة النووية وخط الأنابيب المعروف بـ»تورك ستريم».

يقول الخبير إنّ الرد الاقتصادي أكثرُ إيلاماً للأتراك، ما دفع بـ»سلطانهم» بعد وقت قصير إلى النزول عن شجرة الغرور، وإرسال رسالة اعتذار لفلاديمير بوتين، مشفوعة بخطواتٍ لبناء الثقة، وهو ما قابله الروس بإيجابية، ولكن في الخلاصة شكلت حادثةُ «السوخوي»، نقطة تحوّل في الوضعية التركية في الصراع السوري، لجهة تحجيم الدور التركي.

– المحطة الثانية، حادثة إسقاط طائرة «إيليوشين-20» الروسية، التي تتهم موسكو تل ابيب بالتسبّب بإسقاطها من قبل الدفاعات الجوية السورية.

يلفت الخبير الى أنّ الواضح من خلال ردّ الفعل الروسي هو أنّ موسكو توقفت ملياً عند توقيت ما تعتبره الاستفزازَ الاسرائيلي لها، وتعتبر أنّ الأمر ليس مجردَ حادث عرضي. بل إنّ كل شيء مخطّطٌ له، وضمن سلسلة مترابطة من الاستفزازات، بدءاً من توسيع إسرائيل دائرة غاراتها لتشمل محافظة اللاذقية، وهي منطقة عمليات أساسية للجيش الروسي، مروراً بالمناورة الجوية، التي جعلت من الطائرة الروسية درعاً للمقاتلات الإسرائيلية، وعاملَ خداع للمضادات الجوية السورية، التي قرّرت التصدي للغارة، فكان أن أصابت الحليف الروسي.

يقول الخبير، إنه من الناحية النظرية، يمكن لإسرائيل أن تغسل يدها من قتل العسكريين الروس، خصوصاً أنّ إسقاط «إيليوشن-٢٠» لم يكن بواسطتها، لكنّ الروس انطلقوا من هذا الاستفزاز في اتّجاهٍ يوجع الإسرائيليين، وشدّ القيود على نطاق تحرّك إسرائيل في الأجواء السورية.

يلفت الخبير الى أنّ المنطق الروسي يرفع اليوم شعاراً كبيراً وخطراً في آن معاً وتترتب عليه تداعيات واحتمالات شديدة الدقة، وهو «أنّ ما قبل حادثة إسقاط «إيليوشين-20» ليس كما بعدها. ويشير في هذا السياق الى أنّ الخبراء العسكريين الروس أمضوا اسبوعاً في تحليل البيانات الرادارية التي اكدت الانطباع الأوّلي الذي اطلقوه، بأنّ إسقاط طائرة «إيليوشين-20» في السماء السورية كان نتيجة عمل متعمَّد من قبل الإسرائيليين.

بحسب الخبير إنّ الروس الذين تفهّموا على مضض التبرير السوري لإسقاط الطائرة، شعروا بإهانة متعمَّدة لهم من قبل الاسرائيليين، ولذلك كان القرار في تدفيع إسرائيل الثمن، حتى ولو لم يكن ثمناً عسكرياً، وشكّلت زيارةُ قائد سلاح الجوّ الإسرائيلي الى موسكومحاولةً فاشلة من قبل الاسرائيليين لامتصاص الغضب الروسي. خصوصاً وأنّ التقييم الروسي انتقل من الحديث عن «المسؤولية الجزئية» إلى «المسؤولية الكاملة» التي تتحمّلها إسرائيل إزاءَ إسقاط الطائرة الروسية ومقتل طاقمها المؤلف من 15 عسكرياً.

وجد الروس «الردّ المناسب» في موضعين:

– الاول، تسليم القوات المسلحة السورية منظومات الدفاع الصاروخية الحديثة (أس-300)، القادرة على اعتراض الأهداف الجوية على مسافة تتجاوز 250 كيلومتراً، وإصابة عدة أهداف جوية في وقت واحد.

– الثاني، التوجّه إلى «تغطية» السماء السورية بالمنظومات الدفاعية، بعدما تقرّر تزويد مراكز قيادة وحدات وتشكيلات قوات الدفاع الجوي السوري بأنظمة تحكّم أوتوماتيكية، تزوّد بها فقط القوات المسلحة الروسية، ما سيضمن التحكّم المركزي لجميع وحدات الدفاع الجوي السوري ومرافقه، ومراقبة الوضع الجوي وسرعة تحديد الهدف، والأهم من ذلك، ضمان تحديد جميع الطائرات الروسية من قبل وسائل الدفاع الجوي السوري. وينبغي هنا التمعن في ما قاله وزير الدفاع الروسي بأنه «في المناطق المجاورة لسوريا على البحر الأبيض المتوسط، سنطلق التشويش الإلكتروني لمنع الاتّصالات بالأقمار الصناعية، والرادار المحمول جواً وأنظمة الاتّصالات للطيران القتالي».

يقول الخبير إنّ هذه الخطوة الروسية أحدثت إرباكاً في تل أبيب، وقلقاً بالغاً، خصوصاً وأنّ حصول قوات الدفاع الجوي السورية على منظومة «أس-300» يشكّل تغييراً خطيراً في قواعد الاشتباك. وبمعنى أدق، يشكل كارثة استراتيجية بالنسبة إلى إسرائيل. كما أنها خطوة استفزت واشنطن التي سارعت الى دعوة موسكو لأن تعيد النظر في هذه الخطوة التي تشكّل «تصعيداً خطيراً» في الحرب السورية. ومعلوم هنا أنّ موضوع تسليم الروس منظومة «أس-300» للجيش السوري، هو موضع متابعة دائمة من قبل القيادتين العسكرية والسياسية في إسرائيل من العام 2010، حين ألقت تل أبيب بثقلها ونجحت في إقناع الروس بوقف تنفيذ اتّفاق تمّ إبرامُه في هذا الصدد بين روسيا وسوريا في العام 2010. وكذلك نجحت في الامر نفسه في العام 2013.

يقول الخبير» إنّ مصدر القلق الإسرائيلي لا يخفى على أحد، فمنظومة «أس-300» ستجعل الجيش السوري قادراً على السيطرة على المجال الجوي بشكل كامل، وربما أبعد من ذلك، لا بل إنّ السوريين سيحصلون على تفويض مطلق لإسقاط الطائرات الإسرائيلية، كما سيكون بإمكانهم السيطرة على المجال الجوي حتى مطار بن غوريون الدولي، ومواجهة كافة المسارات التي يمكن أن تسلكها الطائراتُ الإسرائيلية، حتى حين يتعلق الأمر بتنفيذ غارات من الأجواء اللبنانية».

وينسب الى خبراء عسكريين روس تقديرهم أنّ تسليم سوريا ما بين ثلاث وخمس من منظومات «أس-300»، مع إمكانية زيادة العدد إلى سبع أو ثمانٍ إذا لزم الأمر، يوفّر مظلّةً كاملة في وجه التحركات الجوية الإسرائيلية، ما يعني أنّ قواعد اشتباك جديدة في الجو قد ارتسمت بالفعل لصالح الجيش السوري، توازياً مع قواعد الاشتباك الجديدة في البر، خصوصاً بعد اتّساع رقعة السيطرة على مختلف الجبهات، وحسم وضعية إدلب، بعد التفاهمات الروسية- التركية.
كل ما سبق، يجعل المناخ العام في إسرائيل متّسماً بالقلق، خصوصاً وأنه يعتبر أنّ الفترة القصيرة الفاصلة عن موعد تسليم الصواريخ الروسية أقرب الى المصيرية بالنسبة الى إسرائيل، التي ستسعى جهدها الى منع وصولها، والأولوية للطرق الديبلوماسية والسياسية، مع العلم أنّ جنرالاتٍ إسرائيليين بدأوا يتوعّدون بخطوات عسكرية وكما صرّح أحدهم «إذا لزم الأمر يمكن تدميرُ الصواريخ بسهولة».

لا يقلّل الخبير من جدّية الوعيد الاسرائيلي، تجاه الصواريخ، ويقول: إذا كان «تدمير» منظومة استراتيجية مثل «أس-300» ممكناً من الناحية النظرية، فالأمر مختلف من الناحية السياسية ذلك أنّ آخر ما يمكن أن تفكر فيه إسرائيل، وفي ظلّ المعطيات القائمة حالياً، هو أن تضع نفسها في مواجهة مباشرة مع روسيا.

في رأي الخبير، إنّ الهدف الاسرائيلي في هذه المرحلة هو كيفية احتواء الغضب الروسي وإعادة بناء الثقة المهتزّة بين موسكو وتل أبيب. ورهانهم الأساس يبقى على الوقت. ومن هنا ينبغي رصد التحرّكات التي قد تتكثف في المرحلة الراهنة على خط تل أبيب موسكو.

أما بالنسبة الى الروس، والكلام للخبير المذكور، فإنهم من خلال «ردهم الصاروخي»، أكدوا أنّ حادثة «إيليوشين 20» ممنوعٌ أن تتكرّر. ويريدون في الوقت نفسه الاستثمار على هذه الحادثة الى ابعد حدود، بما يخدم التسوية التي يريدونها للأزمة السورية، وبما يخدم فرض واقع جديد في الشرق، وقواعد لعبة جديدة، وصولاً الى تنازلات في السياسة سواءٌ من الإسرائيليين أو الأميركيين. بالتأكيد إنّ هذا التحوّل في المنطقة معقّدٌ جداً، وفرضه على الأميركيين ليس بالامر بالسهل. فهل يستطيعون ذلك؟ بالتأكيد الامر صعب جداً، ومعنى ذلك أنّ المواجهة مفتوحة.