كتبت ميرا جزيني عساف في صحيفة “اللواء”:
استحوذت مسألة النزوح السوري على كلمة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، حيث اختصر المشهد، الذي يثقل كاهل لبنان، بخريطة رفعها أمام المجتمعين تبيّن المساحات التي يشغلها النازحون البالغ عددهم مليونا ونصف المليون.
يرى مراقبون أنّ كلمة رئيس الجمهورية التي أضاءت على مشكلة لبنان الأكبر من على أعلى منبر أممي، كانت حاجة ملحّة لردّ الموجة الدولية التي تكرّر معزوفة أنّ العودة الآمنة والطوعية للنازحين لا يمكن ان تتحقّق الآن لربطها بالحلّ السياسي في سوريا، مانعين بمواقفهم هذه، عودة النازحين بأعداد كبيرة الى ديارهم، علما أنّ المبادرة الروسية التي أعقبت قمّة هلسنكي بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأميركي دونالد ترامب كانت قد أعطت الزخم الدولي المطلوب لهذه العودة بانتظار بلورة تفاصيلها والتي يبدو أنّه جرى إبطاؤها عنوة. ويضيف المراقبون أنفسهم أنّ المسعى الدولي لإبقاء النازحين في الدول المضيفة، لم يتبلور فقط بمواقف الدول الغربية الرافضة للعودة الآمنة، إنّما تجلّى بأوضح صورة في كلمة الرئيس ترامب أمام الجمعية العامة للامم المتحدة حيث أغفل ذكر لبنان في معرض شكره الدول التي تشظّت من الأزمات المحيطة واستضافت العدد الأكبر من النازحين الهاربين من نيران الحروب.
ويُعطف على هذه المعطيات، ما كانت قد أقدمت عليه واشنطن منذ فترة قصيرة بإعلانها وقف تمويل منظّمة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في الأقاليم الخمسة التي تعمل فيها ولبنان من بينها، في خطوة وضعها البعض في إطار الخطّة العملية التي أعقبت ما اصطُلح على تسميته صفقة القرن ونقلت بموجبها واشنطن سفارتها الى القدس مكرّسة إياها عاصمة لاسرائيل، وما تضمره من نيّة لتوطين اللاجئين الفلسطينيين في دول اللجوء وإقفال الباب على أي مسعى للعودة.
وإذا كان هذا حال اللاجئين الفلسطينيين منذ ما يزيد عن نصف قرن، يتساءل كثر عن مصير النازحين السوريين الذين تأخذهم الدول الكبرى رهينة الحلول السياسية رغم انحسار الحرب في سوريا، في ظلّ تقارير تتحدّث عن تنامي المسعى الدولي الى التوطين، وهو ما دفع وزير الخارجية جبران باسيل في خلال اجتماع خاص بسوريا، عُقد على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، الى القول أنّ «ربط عودة النازحين وإعادة الاعمار بالحلّ السياسي سيفشل وسيسقط لأنّ الإعمار سيبدأ في سوريا ولو من دون موافقكتم والنازحون سيعودون ولو من دون تشجيعكم.. العودة الممرحلة تستدام بإعادة الإعمار وهي المفتاح للحلّ السياسي الآتي حتما ولو متأخّرا».
وكشفت مصادر رفيعة في وزارة الخارجية لـ«اللواء» أن باسيل بحث في لقاءاته في نيويورك مع أكثر من وزير خارجية، وخصوصا مع مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون السكان والنازحين والهجرة إريك شوارتز الذي غاص الحوار معه في العمق، مسألة عودة النازحين السوريين، متحدثة عن «إختراق لبناني ملموس في الموقف الأميركي يمكن أن يُبنى عليه لتخطي أي عقبات قد تعترض أو تعرقل أو تخفف راهنا من انطلاقة سلسة للمسار الروسي». وقالت إن باسيل سعى الى جملة أمور، أبرزها:
أ – الإصرار على الموقف اللبناني الرافض لأي مقاربة لملف النازحين السوريين لا تأخذ بالموقف اللبناني المصرّ على عودتهم الآمنة.
ب – الإصرار كذلك على أن يكون لبنان منصّة لعمليات إعادة إعمار سوريا.
جـ – تثبيت الرفض اللبناني لتوطين الفلسطينيين وتبيان خطأ الموقف الأميركي بوقف تمويل الأونروا.
بهذه الخلفية، يضع متابعون للمجريات السياسية الحملة على العهد وعلى رئيس الجمهورية تحديدا، رابطين ما يجري بإصرار الرئيس عون على عودة النازحين اليوم قبل الغد، كمدخل لاستنهاض الاقتصاد اللبناني الذي يشكّل الملفّ الأساس في المرحلة المقبلة والدافع الأساس نحو حكومة منتجة وفاعلة يتنامى الحديث في الأروقة السياسية عن مساع يُعمل عليها، بعيدا من الإعلام، للإسراع في تشكيلها في ضوء معطيات مستجدّة تبلورت في أكثر من موقف مرن أُعلن عن لسان أفرقاء سياسيين كانوا في الماضي القريب متشبثّين بمطالبهم، حدّ العناد.