كتبت ليا القزّي في صحيفة “الأخبار”:
تتزايد الاعتراضات داخل الإدارة في وزارة الخارجية والمغتربين، وفي البعثات الدبلوماسية، على «أسلوب» الأمين العام للوزارة هاني شميطلي في التعامل مع المديرين والسفراء. ويشكو هؤلاء أنّ شميطلي يتصرف بكيدية.
قبل أن يُحسَم القرار بتعيين قنصل لبنان العام في إسطنبول (في حينه) هاني شميطلي، أميناً عاماً لوزارة الخارجية والمغتربين، بدأ يتردّد نقلاً عن الرجل أنّه صاحب «برنامج إصلاحي» للوزارة، وأنّه سيُباشر فور تسلمه منصبه بعملية «إرساء النظام» داخل قصر بسترس. بدا الأمر أشبه بمن سلّط سوطاً فوق رقاب الموظفين، حتى قبل أن تطأ قدماه مركز عمله الجديد، ما أدّى طبيعياً إلى إثارة «هواجس» قسم من الموظفين، ولا سيّما أنّ تعيينه كان أصلاً محطّ جدلٍ، لوجود موظفين في الخارجية يتقدّمون عليه رتبة وسنّاً. «وبالفعل، شهدت الوزارة تنظيماً وانضباطاً»، يقول أحد العاملين في «بسترس»، قبل أن يزيد بالقول إنّ «مشكلة شميطلي أنّه يذهب بعيداً في ممارسة الانضباط، إلى حدّ الكيدية».
بعد سنة وشهرين على تسلّم شميطلي لمهماته أميناً عاماً، تبدو الصورة لدى عدد من زملائه في الإدارة سوداوية. يبدأ المعترضون على أدائه حديثهم بالقول إنّه «يتصرّف كما لو أنّه يملك أجندة أكبر من الخارجية، ويطمح إلى تسلّم منصب الأمين العام لمجلس الوزراء. يريد أن يُثبت قدرته على السيطرة على الإدارات والملفات، حتى ولو كان أصغر سناً وأقلّ خبرة من الموجودين. علماً أنّنا احترمنا موقعه أميناً عاماً، ولم نُشعره مرّة بالفارق في الأقدمية، بل بادرنا باعتبارنا مديري أقسام إلى طمأنته، وإظهار كامل التعاون معه».
نقاطٌ عدّة يذكرها المديرون المعترضون على شميطلي، ومنها «الكيدية في التعامل مع الدبلوماسيين». يظهر ذلك من خلال «رفض تحديد مواعيد للقاء عددٍ منهم، وعدم الردّ على المراسلات أو التأخر في بتّها، وتهميش المديرين العامين». أخبر المُلحقين الذين عُيِّنوا حديثاً أنّ «ثقته بهم وليس بالدبلوماسيين الأقدم منهم». طريقة ضبط شميطلي للإدارة «تُشبه طريقة عمل ناظر المدرسة، همّه الوحيد من يلتزم بالدوام ومن يتأخر، ولا يتوانى عن توجيه تنبيه أو تأنيب إلى من يُخالف مشيئته».
الاعتراضات لم تعد محصورة داخل أروقة الوزارة. رؤساء بعثات ودبلوماسيون في السفارات مُتضررون من إجراءات شميطلي، رفعوا أصواتهم اعتراضاً. قنصل لبنان العام في ريو دي جانيرو الدكتور أليخاندرو بيطار، والقنصل في برلين أحمد سويدان، قدّما شكوى أمام مجلس شورى الدولة، «فكان ردّ شميطلي بمنع الإجازات عنهما، حتّى الطبية». أما سفير لبنان لدى اليمن هادي جابر، فنقل اعتراضه مُباشرةً إلى رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، «شاكياً الأمين العام الذي يمنعه من الالتحاق بمركز عمله، بحجة أنّ السلطات السعودية ترفض استقبال السفراء المُعينين في اليمن». وعلى ذمة المصادر، فإنّ جابر «يملك رسالة من وزير الخارجية السعودي عادل الجُبير تؤكد العكس».
هناك أمر آخر يذكره المعترضون، وهو «طلبه من بعثتنا في فيينا، عوض بعثة بروكسل، تمثيل لبنان في برنامج الشراكة المتوسطية، بسبب خلافات شخصية مع السفير في بروكسيل فادي الحاج علي»، إضافة إلى «قرار شميطلي من تلقاء نفسه، تأجيل الاجتماع مع الاتحاد الأوروبي لمناقشة تبني استراتيجية «الاتحاد» في مكافحة الإرهاب». أدّى ذلك إلى «استدعاء السفير في بروكسل لاستيضاح السبب منه، وجرى التواصل مع الرئاسات اللبنانية، قبل أن يُصحَّح الموضوع». لكنّ مُقربين من شميطلي يوضحون أنّه في 3 تشرين الأول، سيعقد اجتماع في «الخارجية» بين الاتحاد الأوروبي ولجنة لبنانية «تضم المعنيين، من سياسيين وأمنيين. وطرح مسؤولون أمنيون لبنانيون إمكانية تأجيل الاجتماع إلى أن تتبلور عناصر جديدة في ما خصّ مكافحة الإرهاب، تُقدم إلى الاتحاد». بناءً عليه، «طلب شميطلي إمكانية تأجيل الاجتماع لثلاثة أشهر. رفض الاتحاد الأوروبي، بسبب المواعيد المُحددة مسبقاً، لذلك سيبقى الاجتماع في تاريخه».
آخر الفصول، هو المراسلة الصادرة عن سفيرة لبنان لدى إيطاليا ميرا الضاهر، المكتوبة بسخرية بعيدة عن «لغة الدبلوماسيين». تصف الضاهر، في كتابها الموجه إلى الوزير جبران باسيل، الأمين العام بـ«السلطان شميطلي»، طالبةً «بناءً على صفتنا وفئتنا، التزام الأصول والأدبيات عند مخاطبة من يماثله (شميطلي) بالفئة»، وتتهمه «بتجاهل وجود وزير الخارجية وإصداره قرارات تخرج عن صلاحياته». اعترضت الضاهر على حسم شميطلي من راتبها بدل أيام الإجازات التي تأخذها من دون الحصول على إذن مُسبق من الإدارة، وتتهمه في رسالتها بأنّه «لا يستطيع أن يُسائل العديد من الزملاء بالرغم من وجود أخطاء موثقة لديه، وجوابه أنهم مدعومون». وهي تزعم تلقّي مراسلات «تتضمن لغة التهديد والوعيد الخارجة عن أصول التخاطب، ولن نقبل إرسالها موقعة منه إلى وزارة المالية وإلى مجلس الخدمة المدنية وضمها إلى ملفنا الشخصي». وقد أنهت رسالتها بملاحظة: «مع الأسف، لقد قرّرنا وقف العمل لدى شركة آل شميطلي ش. م. ل. وتخلينا عن قبض رواتبنا بانتظار الحصول على التعويض».
الوجه الآخر للقصة، يُعبّر عنه مُقربون من الأمين العام. البداية من مراسلة السفيرة ميرا الضاهر، واتهاماتها «غير الصحيحة، لأنّها هي تحديداً مُرتكبة لمخالفات عميقة. تُغادر مركز عملها في روما أسبوعياً من دون إبلاغ الوزارة. حين علمت بالعقوبات المالية المُتخذة بحقها، حاولت التدخل مع مرجعيات عليا، والشكوى لدى مجلس الشورى، الذي أبلغها صحة الإجراء المُتخذ بحقها». وينقل المقربون أنّ الضاهر أمام هذا الواقع «حاولت تحشيد السفراء الذين لديهم ملفات عالقة لدى الأمانة العامة بهدف خلق حالة اعتراضية»، نافين وجود «أي محسوبيات في ما خصّ الإجازات». وبحسب المعلومات، «كان باسيل ينوي إحالة الضاهر على التفتيش».
داخل وزارة الخارجية والمغتربين، «وجود الدبلوماسيين داخل المديريات متوازن، ما حصل أنّه بعد التشكيلات الأخيرة، أجرى الأمين العام مناقلات داخل الوزارة بشكل يبقى العمل فيه مستمراً». حتّى إنّ المقربين ينفون أي تأخير في بتّ المعاملات أو الردّ على المراسلات، «إلا إذا كانت هناك معاملات تشوبها بعض المغالطات، يُطلب تعديلها». وعوض تحديد مواعيد لاستقبال المديرين، «أصبح شميطلي هو من يتجول بين المديريات، بشكل مفاجئ، لمراقبة العمل».
في ما خصّ قصة السفير لدى اليمن هادي جابر، «كل البعثات تركت صنعاء وأصبحت في الرياض، وبالتالي حتى يكون الدبلوماسي مُعتمداً غير مقيم، هو بحاجة إلى تقديم أوراق اعتماده للسعودية. إلا أنّ الأخيرة سمحت بأن يلتقي مسؤولو البعثات بالقيادة اليمنية في الرياض، من دون تأسيس سفارات جديدة، وبالتالي لا يُمكن جابر أن يسكن في الخارج». يقول المقربون من شميطلي ذلك، مُعتبرين أنّ جابر أثار هذا الأمر «لأسباب محض مادية، لكون راتب السفير ينخفض إذا لم يكن في مهمة خارجية». وفي النهاية، يرى المقربون من شميطلي أنّ الحملة عليه «من أشخاص مُحددين»، بسبب «الحزم وتطبيق القوانين، الذي لم تكن الخارجية معتادة إياه».
شرارات الصراع داخل «الخارجية» تنعكس سلباً على سير العمل الدبلوماسي، ما يستدعي السؤال عن موقف الوزير جبران باسيل مما يجري داخل وزارته. تقول مصادر الأخير إنّ «الوزير يُفضل أن تُحل الأمور الإدارية بهدوء، فبالنتيجة أعضاء الفريقين هم من الرتبة نفسها»، إلا في حال تطور الخلافات، «فعندها سيعقد باسيل اجتماعاً لتحديد الخطوات المقبلة».