كتبت صحيفة “العرب” اللندنية: بات الفرقاء السياسيون في لبنان مدركين لحقيقة وجود رزمة عقوبات جديدة ضد حزب الله تأتي متواكبة مع العقوبات القاسية التي ستفرضها الإدارة الأميركية على إيران في نوفمبر المقبل.
تفسر هذه الأجواء موقف حزب الله الإيجابي في الجلسة التشريعية التي عقدها البرلمان اللبناني مؤخرا لإقرار القوانين المتعلقة بتنفيذ شروط مؤتمر سيدر لدعم الاقتصاد اللبناني الذي استضافته باريس في أبريل الماضي.
وصوّت مجلس النواب الأميركي قبل أيام على مشروع قانون يفرض عقوبات جديدة بهدف الحد من قدرة الحزب على جمع الأموال وتجنيد عناصر له، إضافة إلى زيادة الضغط على المصارف التي تتعامل معه وعلى البلدان التي تدعمه وعلى رأسها إيران. وتمنع العقوبات أي شخص يدعم الحزب ماديا وبطرق أخرى من دخول الولايات المتحدة.
وقالت واشنطن إن الإدارة الأميركية تعمل على إطلاق عقوبات أخرى أشدّ ضراوة على نحو يتزامن توقيتها مع رزمة العقوبات الأميركية الجديدة ضد إيران والتي تدخل حيز التنفيذ في 15 نوفمبر المقبل.
وأصدر رئيس لجنة الشؤون الخارجية النائب الجمهوري، إد رويس، بيانا قال فيه “في الأسبوع الماضي فقط، تباهى زعيم حزب الله بأنّ لديه صواريخ ذات قدرات دقيقة”، مشيرا إلى أنّ مشروع القرار “سيبنى على العقوبات السابقة المفروضة على حزب الله من خلال استهداف تمويله وتجنيده الدوليين وكذلك أولئك الذين يمدّونه بالأسلحة”.
ستفاقم العقوبات المقبلة من الضائقة المالية التي يعاني منها حزب الله والتي باتت ظاهرة من خلال اقتطاعات مكثفة في ميزانيات مؤسساته الاجتماعية والتنموية والإعلامية. ووصف خبراء هذه الضائقة بأنها غير مسبوقة منذ نشأة الحزب في بداية الثمانينات.
وبات حزب الله على علم بما يعده له الكونغرس الأميركي من عقوبات، لذلك يسعى لتقديم نفسه بصورة مرنة في تعامله مع بعض أطراف المجتمع الدولي، ولا سيما الأوروبية منها، والتي دعمت مؤتمر سيدر.
وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أعلن في ختام المؤتمر، عن جمع نحو 11 مليار دولار من المنح والقروض لتعزيز الاقتصاد والاستقرار في لبنان؛ غير أن تنفيذ شروط المؤتمر يتطلب إقرار قوانين معينة لوحظ أن نواب الحزب سارعوا إلى التصويت عليها والضغط على حلفائهم لتمريرها.
بحث عن الشرعية
يسعى حزب الله إلى التعجيل بتشكيل الحكومة اللبنانية لإدراج وجوده داخلها تحت مظلة الشرعية اللبنانية. وقال محللون إن ما تسرّب مؤخرا عن حلحلة بعض العقد التي حالت دون تشكيل الحكومة، قد يكون سببه ضغوط يمارسها الحزب على حلفائه لتسهيل مهمة رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري.
وكانت بعض التسريبات المكثفة قد شنت حملة مركزة ضد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وأشاعت حوله مجموعة من الإشاعات تركز أبرزها حول اقتراح قيل إن سلامة تقدم به لرفع أسعار المحروقات، وحول تقدمه باستقالته إلى الرئيس ميشال عون.
ورغم أن الرئاسات اللبنانية نفت نبأ الاستقالة كما نفى الأمر سلامة نفسه، إلا أن المراقبين وضعوا الأمر في خانة الضغوط التي يمارسها حزب الله على الرجل الأول للنظام المصرفي اللبناني، بسبب استياء الحزب مما يعتبره التزاما مفرطا للمصارف اللبنانية بالعقوبات المالية الأميركية ضد الحزب وشبكته المالية في لبنان.
وكان سلامة عمّم في نوفمبر 2015، قرارا على المصارف المؤسسات الخاضعة لرقابة مصرف لبنان يتعلّق بأصول التعامل مع القانون الأميركي وأنظمته، ويتناول منع ولوج حزب الله إلى المؤسسات المالية الأجنبية.
وتأتي حملة التهويل ضد سلامة متواكبة مع حملة تهويل أخرى تطال مجمل الاقتصاد اللبناني محذرة من انهيار سيصيب الليرة اللبنانية وبموجة إفلاس جماعية ستجتاح العديد من المؤسسات الاقتصادية في البلد.
ولا تبدو هذه الحملة بريئة، وفق عدد من اللبنانيين، خاصة وأنها تواكبت في توقيتها مع أعمال المرحلة النهائية للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان والمكلفة بمحاكمة قتلة رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، وأتت لتستبق الإعلان عن القوانين الأميركية الجديدة ضد أنشطة حزب الله.
وقال رياض سلامة إن القطاع المصرفي في بلاده “لن يتأثر” بالعقوبات الأميركية على حزب الله، “في ظل الإجراءات التي نتخذها”. وأضاف سلامة، ردا على سؤال بشأن اتهامه بالتماهي مع الضغوط الأميركية، واستعداده لتطبيق العقوبات “نحن أصدرنا تعاميم مرت عليها فترة من الزمن، ولا تعاميم جديدة”.
غير أن القلق يبقى مسيطرا على المؤسسات السياسية والمالية اللبنانية خاصة وأن واشنطن هددت بفرض عقوبات على لبنان وليس على حزب الله فقط، بسبب ما تراه الإدارة الأميركية تواطؤا لبعض المؤسسات اللبنانية لتغطية أنشطة الحزب وسلوكياته.
وفاقمت من هذا القلق التصريحات التي أدلى بها الرئيس اللبناني ميشال عون لصحيفة الفيغارو الفرنسية والتي اعتبرها المراقبون مطالعة دفاع عن حزب الله يتبرع بها صاحب الموقع السياسي الأول في لبنان عشية مشاركته في أعمال المؤتمر السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.
ولم يستبعد عضو تكتل الجمهورية القوية (القوات اللبنانية) النائب جورج عقيص “أن يكون تجاهُل الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال كلمته في الأمم المتحدة لذكر لبنان مقصودا، لكون الولايات المتّحدة غير راضية عن عمل الدولة اللبنانية تجاه حزب الله”.
وأشار عقيص إلى أنه “إذا كانت خطوة الرئيس الأميركي رسالة، فهي ظالمة جدا للبنان شعبا ودولة. فإذا كانت لدى الولايات المتّحدة مواقف من جهة لبنانية معيّنة، فهذا لا يعني أن تنسحب هذه المواقف على لبنان كدولة ومؤسسات وشعب، خاصة أننا أكثر دولة تتحمّل عبء النزوح نظرا إلى ظروفنا الاقتصادية ووضعنا الديموغرافي وصِغَر مساحة البلد. من هذا المُنطلق، فإن تجاهل ترامب للبنان ليس في مكانه ولا نرتاح له”.
كان أمر الحذر الأميركي من الحكومة اللبنانية مدار بحث مع مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي (أف.بي.آي) كريستوفر راي أثناء زيارته للبنان مؤخرا، ولقائه مع كبار المسؤولين اللبنانيين، وفي مقدمتهم ميشال عون ونبيه بري وسعد الحريري، إذ فهم من محادثاته تحذير أميركي واضح من محاولة التفاف لبنان على العقوبات التي ستفرض على حزب الله.
ويعطي المشروع الرئيس الأميركي صلاحية رفع حظر إعطاء تأشيرات الدخول شرط أن يبلغ الكونغرس عن قراره في فترة لا تتجاوز الستة أشهر، وعلى أن يقدم أدلة للكونغرس تشير إلى أن قراره يَصب في مصلحة الأمن القومي للولايات المتحدة.
ويفرض المشروع أيضا عقوبات على داعمي “بيت المال؛ جهاد البناء، مجموعة دعم المقاومة، قسم العلاقات الخارجية للحزب، قسم الأمن الخارجي للحزب، تلفزيون المنار، راديو النور، والمجموعة الإعلامية اللبنانية”.
ويربط دبلوماسيون غربيون في بيروت بين ما أعلن في واشنطن عن عقوبات جديدة ضد حزب الله والموقف المتصاعد للرئيس الأميركي ضد إيران. ورأى هؤلاء أن التشدد الذي أظهره ترامب من على منبر الأمم المتحدة كما التصريحات الموازية التي صدرت عن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو ومستشار الأمن القومي جون بولتون والمندوبة الأميركية في الأمم المتحدة نيكي هايلي ضد نظام طهران تعبّر عن خارطة طريق متصاعدة ضد إيران وأذرعها في الخارج.
يتقدم هذه الأذرع حزب الله في لبنان، لكن أيضا تشمل القائمة الميليشيات التابعة لإيران في العراق، وإن كانت الحسابات الأميركية في العراق مازالت تعطل صدور العقوبات بشكل واضح وصريح. كما بدأت مصادر في الإدارة الأميركية تتحدث عن إمكانية وضع ميليشيات الحوثي في اليمن المدعومة من طهران على لائحة المنظمات الإرهابية، بما يعتبر تحولا كبيرا في مقاربة واشنطن للمسألة اليمنية عامة وميليشيات الحوثي التي ما زال المبعوث الدولي إلى اليمن مارتن غريفيث يتعامل معها.
موقف أوروبي متغير
بالتزامن مع مصادقة الكونغرس على العقوبات الجديدة على حزب الله، أعلنت بريطانيا عن دراسة مشروع قانون لتصنيف حزب الله تنظيما إرهابيا، الأمر الذي يرفع من مؤشر القلق في أوساط الحزب المتخوف من أن تؤدي الأحكام المحتملة ضد أربعة من أعضائه الذين تتهمهم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، إلى انقلاب الموقف الأوروبي ضد الحزب.
وتصنف بريطانيا، والاتحاد الأوروبي عموما، الجناح العسكري فقط على قوائم الإرهاب. وفيما يتوقع أن يصدر القرار البريطاني لصالح دعوات عدم التمييز بين الجناح السياسي لحزب الله وجناحه العسكري، تتمسك بروكسل بهذه المقاربة الحذرة على الرغم من تأكيد نائب الأمين العام للحزب نعيم قاسم في تصريحات سابقة عدم وجود فرق بين الجناحين العسكري والسياسي. لكن، تؤكد أوساط قريبة من الحزب أن ما ستصدره المحكمة التي أنشئت بقرار صادر عن مجلس الأمن ستحرج الأوروبيين وستدفعهم إلى الاقتراب من الرؤية الأميركية.