كتب وسام أبو حرفوش في صحيفة “الراي” الكويتية:
لم تَحْجِبْ «قرْقعةُ السلاح» بين إسرائيل و«حزب الله» المساعي المستجدّة في بيروت لكسْر المأزق السياسي – الدستوري عبر تشكيل الحكومة الجديدة التي احتجزتْها مجرياتُ الصراع الاقليمي – الدولي في المنطقة، ولا سيما في سورية، لأكثر من أربعة أشهرٍ عاد معها لبنان الى عيْن أزماتٍ صاخبةٍ كمحاولاتِ ليّ ذراع اتفاق الطائف وتجويفِ التسوية السياسية التي أنهتْ الفراغَ الرئاسي والإطاحة بـ «خيْمة» النأي بالنفس التي غالباً ما شكّلتْ بوليصةَ تأمينٍ للاستقرار في البلاد.
ورصدتْ أوساطٌ واسعة الإطلاع في بيروت «كلمةَ سرٍّ» تشي بإمكان فكّ الترابُط بين «صندوقة باندورا» الاقليمية وبين أزمة تشكيل الحكومة في لبنان، وهو ما وَجَدَ صداه سريعاً في حركةِ الأفكار الجديدة التي أطلقها الرئيس المكلف سعد الحريري لإحداثِ كوةٍ في جدار الأزمةِ على نحوٍ يتيح إمرارَ صيغةٍ حكوميةٍ توافقيةٍ على قاعدة لا غالب ولا مغلوب، أي أنها تُرْضي رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وفريقه من دون أن تُغْضِب الآخرين.
وفي معلومات لـ «الراي» ومن مصادر عدّة معنية أن ثمة قراراً بالإفراج عن الحكومة الجديدة بملاقاة الواقع الاقليمي – الدولي بعد صرْف النظر عن معركة إدلب وما كان يمكن أن ينجم عنها وقبل سريان الفصل الأكثر صرامة من العقوبات الأميركية والطويلة الأمد على إيران، وهو ما يعني ان احتجاز تشكيل الحكومة في وقت سابق وترْك الأمور رهينةَ مجرياتِ الردّ في سورية الذي توعّد به الغرب، لا سيما الولايات المتحدة، فَقَدَ مبرّراته.
وكشفتْ مصادر سياسية معنية لـ «الراي» عن ان تقويماً جرى على خط بيروت – طهران للوقائع الإقليمية المستجدّة وما يَنتظر المنطقة قضى بفتْح الطريق أمام تشكيلِ حكومةٍ جديدةٍ في لبنان. فالتحوّط من ضربة أميركية للنظام في سورية رداً على معركةٍ كانت مقرَّرة ضد إدلب لم يعد مجْدياً، وتالياً فإن طهران ومعها «حزب الله» صارتْ أكثر ميْلاً لإطفاء الأزماتِ خلف خطوط دفاعها، كما الحال في بغداد وبيروت، استعداداً لمواجهة العقوبات الأميركية في تشرين الثاني المقبل.
وبهذا المعنى، فان الأنديةَ السياسية في بيروت تتعامل مع ملف تشكيل الحكومة على قاعدة ان المشكلات التي تعترض الولادة الحكومية هي ذات طبيعة داخلية، وعلى طريقة «أهْلية بمحلية» بعدما جرى نزْعُ العاملِ الإقليمي الذي شكّلتْه رغبةُ «حزب الله» ومن خلْفه إيران بالاحتفاظ بهذه الورقة الى ما بعد معركة إدلب وتداعياتها، ليَجري في ضوئها تحديدُ اتجاهات الريح في بيروت، الأمر الذي يفسّر الآن الإشارات الإيجابية التي يُكْثِر منها «حزب الله» تجاه الحريري.
وفي تقدير أوساط بارزة في قوى «8 آذار» التي يقودها «حزب الله» أن لا عقبات مستعصية بوجه تشكيل الحكومة، فالزعيم الدرزي وليد جنبلاط أَطْلَقَ ما يكفي من إشاراتٍ تعكس مرونةً واستعداداً لتدوير الزوايا، ومشكلةُ التمثيل المسيحي يمكن أن تجد طريقها الى الحلّ عبر «روْتشاتٍ» للصيغة المُتداوَلة التي تقضي بإسناد نيابة رئاسة الحكومة لـ «القوات اللبنانية» في حصة أربعة وزراء أحدهم وزير دولة، على ان يتم التفاهم بين رئيس الجمهورية و«القوات» على حقيبتين تُسندان الى الأخيرة.
واذ تحاذر هذه الأوساط الإفراط بالتفاؤل حيال المرور الآمن والسريع للحكومة التي دخلتْ مساعي تشكيلها الشهر الخامس، فإنها تبدي ميْلاً حاسماً للقول ان ما يعترض ولادة الحكومة من الآن وصاعداً هي مشكلات ذات طبيعة محلية ترتبط بحسابات اللاعبين ورغباتهم في تحميل التركيبة الحكومية «الأولى والأخيرة» لعهد العماد عون مشاريع خاصة كالحصص في كعكة السلطة وما شابه.
ورغم أن العدسات مسلطة في ملف تشكيل الحكومة على الحصص والأحجام، فإن المسألة الأكثر أهمية في نظر مَن هم على دراية بموقف الحريري ترتبط إلى جانب حفْظِ التوازناتِ بـ «المانيفست» السياسي للحكومة العتيدة. فالرئيس المكلف شديد التمسكِ بمسألة النأي بالنفس، لاقتناعه الراسخ بأن هذه «الجُملة المفيدة» التي تنطوي على الحاجة الى تحييد لبنان في لحظةِ تَفَجُّرِ البركان الاقليمي تشكل ضمانةً للاستقرار الذي من دونه سيجد لبنان نفسَه في عراءٍ سياسي واقتصادي واجتماعي.
وفي رأي هؤلاء، أن الحريري لن يساوم على مسألة النأي بالنفس وهو يعي بأنه بات «حارساً» للاستقرار السياسي والمالي، الأمر الذي يفسّر الصلابة التي يُبْديها حيال عدم التفريط بعملية تحييد لبنان والنأي به عن الحرائق الآخذة في الاتساع وذلك بمعزل عن حسابات الآخرين وأجنداتهم الخاصة، ولا سيما في غمرة اشتداد «العين الحمراء» الأميركية على «حزب الله» الذي يستعدّ لتلقي دفعة عقوبات مشدَّدة جديدة وما تطرحه من تحدياتٍ على البلاد، إضافة الى «خريطة الطريق» التي كان رسمها أصدقاء لبنان لدعْمه اقتصادياً ومالياً والتي ترتكز على ثلاثية النأي بالنفس، تحييد لبنان، والتزام قرارات الشرعية الدولية.