Site icon IMLebanon

الانتصارات الحقيقية (بقلم رولا حداد)

يعتبر قسم من اللبنانيين أنهم حققوا إنجازات لا تُحصى في مواجهة العدو الإسرائيلي، بدءًا من معارك 1993 و1996، مروراً بالانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان في العام 2000 وليس انتهاءً بحرب تموز 2006. كما يعتبر “حزب الله” ومناصروه أنهم يحققون إنجازات إضافية في الحروب الإقليمية التي يخوضونها، من اليمن مروراً بالعراق وأهمها في سوريا، ويتوعدون دائماً وأبداً إسرائيل بالويل والثبور وعظائم الأمور، كمثل التهديدات برميها في البحر وصولاً إلى تهديد نائب قائد الحرس الثوري الإيراني بتسوية الولايات المتحدة بالأرض!

كل ما سبق قد يكون قابلاً للنقاش، ولكن ما يجب النقاش فيه بشكل جوهري هو مفهوم الانتصارات الحقيقية وكيف تتحقق. وهنا لا بدّ من التذكير أن ألمانيا خرجت في العام 1945 من الحرب العالمية الثانية خاسرة، مدمّرة، مذلولة ومقسّمة، وكانت خسرت أيضاً الحرب العالمية الأولى قبل ذلك بـ27 عاماً فقط، أي أنها تمكنت من خوض حرب عالمية ثانية بعد 27 عاماً من خسارتها الحرب الأولى، وتمكن هتلر في الحرب الثانية من احتلال أوروبا كلها تقريباً باستثناء بريطانيا. والأهم أن ألمانيا تمكنت من أن تنهض من جديد وتصبح القوة الاقتصادية الأوروبية الأولى بعد 40 سنة فقط من الحرب العالمية الثانية، وهي اليوم تشكل إحدى أكبر الاقتصادات العالمية.

العبرة من المثال الألماني هو أن الانتصارات الحقيقية للدول ولشعوبها لا تتحقق في الحروب بل في الاقتصاد. وبهذا المعنى لا بدّ من ان نسأل عن أي انتصارات حقيقية حققها لبنان؟ وأي انتصارات حققها “حزب الله” في لبنان ولشعب لبنان؟ من يقرأ الأرقام ولغة الاقتصاد والواقع الاجتماعي يدرك أن الشعب اللبناني يعيش “ذليلاً” في وطنه من دون كهرباء وماء ومواصلات، ويعاني أسوأ وأغلى اتصالات في العالم، كما يتم إذلال المرضى ليحصلوا على أدويتهم وأقصى أحلام كل شاب لبناني هو أن يهاجر… فبربكم عن أي انتصارات تحدثوننا؟

عن أي انتصارات ولبنان يتربع على قائمة البلدان الفاسدة في العالم؟ مطاره الوحيد تحول إلى ما يشبه “الزريبة” بالفوضى وغياب القانون والنظافة والتخلّف، وبات وطن الأرز الدولة الوحيدة في العالم التي لا تملك قطارات وسكك حديد ولا وسائل للنقل المشترك وبات التنقل على مساحة الـ10452 كيلومتراً مربعاً أشبه بـ”سفر برلك” بفعل العجز عن تنظيم زحمة السير! أما في مؤسسة الكهرباء فيربّون الدجاج والطيور ولا يفقهون غير لغة البواخر، أما نفطه في البحر والبرّ فعالق وسط التجاذبات والتهديدات، في حين أن الدولة التي يُفترض أننا انتصرنا عليها تصدّر نفطها وغازها منذ سنوات وتنعم باقتصاد متطور ومزدهر في التكنولوجيا العسكرية والصناعية والزراعة والسياحة!

بربّكم عن أي انتصارات تتحدثون؟ وهل امتلاك “حزب الله” ل”صواريخ دقيقة” يُعدّ انتصاراً في حين أن اللبنانيين ومن بينهم جمهور “حزب الله” يستجدي الكهرباء ويصرخ طلباً للإنماء في بعلبلك- الهرمل؟ وهل قتال عناصر “حزب الله” في سوريا والتدريبات في العراق واليمن دليل انتصار في حين أن الشباب في لبنان يستجدون فرصة العمل؟

بربّكم عن أي انتصارات تتحدثون ونحن وصلنا إلى مرحلة كل اقتصادنا ووضعنا المالي مهددان بالانهيار الشامل، وبتنا نتوسّل القروض من الدول الخارجية على طريقة “لله يا محسنين”؟!

إن الانتصارات الحقيقية تكمن في انتصارات الشعوب في العيش بكرامة وازدهار وبحبوحة، وفي حقهم بالحصول على الخدمات المطلوبة وفي احترام الانسان كقيمة، وبعيداً عن هذه المفاهيم لا يكون سوى كل أنواع الهزائم!