لا يختلف اثنان على أن المفاوضات الحكومية الطويلة أتت بنتائج قد يصح وصفها بـ”السلبية” على جميع القوى السياسية، خصوصا أنها غيرت بوضوح “بازل” التموضعات السياسية التي أرستها التسوية الرئاسية الشهيرة. وليس أدل إلى ذلك إلا الضربات القاضية التي لا ينفك تفاهم معراب يتلقاها من طرفيه، وإن كان “التيار” و”القوات اللبنانية” يبديان كل الحرص على تأكيد استمرار المصالحة المسيحية التي أرساها هذا التفاهم عام 2016.
وفي مقابل الطعنات القاتلة التي مني بها اتفاق معراب، لا يمكن أن تمر الحركة المكوكية التي بادرت إليها “القوات اللبنانية” على أكثر من محور مرور الكرام. ذلك أن معراب لا تزال مصرة على ما تسميه “حقها” في تمثيل وزاري يكرس النتائج التي حققتها في صناديق الاقتراع، خصوصا أن التمدد القواتي بلغ مناطق كانت تعد معاقل برتقالية تاريخية لا تمس، ليس أقلها قضاءا كسروان وجبيل.
وإذا كان هذا الموقف الحكومي المتقدم وضع الشريكين المسيحيين في موقع المواجهة المباشرة، في معركة التقت فيها معراب مع المختارة و”بيت الوسط”، فإن “القوات” تبدو ماضية في إعادة رسم إطار علاقاتها السياسية مع حلفاء الأمس، كما مع ألدّ الخصوم. وهنا يبقى حزب “الكتائب” وتيار “المردة” مضرب المثل. فبين الصيفي ومعراب قصة تاريخ نضالي مشترك أنتجت حلفا صلبا اهتز بقوة وعمق مع توقيع تفاهم معراب الذي أوصل العماد ميشال عون إلى بعبدا. موقف عارضه رئيس حزب “الكتائب” النائب سامي الجميل، ما وضعه في مواجهة “القوات” وسواها.
على أن مرحلة الانتخابات النيابية وما بعدها ضخت “نبض التغيير” في العلاقة بين الحليفين التقليديين اللذين التقيا في دوائر تمس ذاكرتهما الجماعية، قبل أن يجتمعا مجددا على الاعتراض على مرسوم التجنيس الشهير بوصفه مخالفة صريحة لمبدأ رفض التوطين المكرس في الدستور اللبناني. كل هذا قبل أن يحط النائب الجميل وعقيلته كارين في معراب تلبية لدعوة رئيس حزب “القوات” سمير جعجع وقرينته ستريدا، أتبعت بمشاركة الوزير الكتائبي السابق ألان حكيم في قداس شهداء المقاومة اللبنانية. صورة دفعت بعض المتفائلين إلى الكلام عن عودة المياه إلى مجاريها بين الحزبين، علما أن معلومات سرت عن زيارة النائب جورج عقيص إلى بيت الكتائب المركزي في الصيفي. غير أن مصادر القوات اكتفت عبر “المركزية” بوضع ما يجري على خط الصيفي – معراب في خانة الالتقاء الموضوعي على بعض الملفات، مشددة على أن أحدا لا يتحدث عن تكوين جبهة معارضة في مقابل السلطة السياسية.
وعلى خط مواز لـ”عودة العلاقة إلى طبيعتها مع الكتائب”، على حد تعبير المصادر، تجهد “القوات” في محاولة طي الصفحة التاريخية الممهورة بالدماء مع “المردة”. وفي هذا السياق، تدرج المصادر القواتية اللقاء المرتقب بين جعجع ورئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، وإن كانت تتحفظ عن ذكر الزمان والمكان للأسباب المعروفة. غير أن الأوساط تشدد على أن الاجتماع المنتظر بين الرجلين، الخصمين اللدودين على مدى عقود، يهدف أولا إلى فتح صفحة جديدة من العلاقات، من دون أن يعني ذلك تخلي أي منهما عن موقعه ضمن اللوحة السياسية والاستراتيجية العريضة، أو أن بين سطور هذا اللقاء رسالة سياسية مشفرة إلى “التيار الوطني الحر”، الذي يلتقي الطرفان على معارضة مقاربته للملف الحكومي. وإن كان السجال على خط بنشعي – ميرنا الشالوحي مطعّما بنكهة رئاسية، زادت من وقعها “المعارضة من الداخل” التي انتهجها ممثل “المردة” في الحكومة، وزير الأشغال العامة يوسف فنيانوس في مواجهة زملائه العونيين.