كتبت بولا اسطيح في “الشرق الأوسط”:
لاحظت أوساط لبنانية تراجع نشاط واشنطن السياسي في لبنان، من دون أن يؤثر ذلك على التعاون الأمني والعسكري المستمر بالوتيرة نفسها منذ العام 2006، إذ يمكن بوضوح تسجيل تقلص حركة السفيرة الأميركية في بيروت، إليزابيت ريتشارد، كما نشاطات السفارة الواقعة في منطقة عوكر شمال غربي العاصمة، من دون أن يؤثر ذلك على الحركة المستمرة لمسؤولين أمنيين أميركيين يواصلون زيارة لبنان، آخرهم رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي «FBI» كريستوفر راي وقبله قائد الجيش الأميركي في القيادة الوسطى الجنرال مايكل غاريت.
وتتجنب السفارة في بيروت، منذ فترة، الإدلاء بأي تصريحات صحافية، وتقتصر إصداراتها على بيانات محددة مختصرة بمعظمها، ومرتبطة بالإعلان عن مساعدات عسكرية جديدة وصلت إلى لبنان، أو بزيارة مسؤول أميركي ما، دون الإفصاح عن خلفيات وأهداف الزيارة.
ويعتبر سفير لبنان السابق في واشنطن، رياض طبارة، أن ما نحن بصدده «تغييرات بالتكتيك وليس في استراتيجية عمل واهتمامات أميركا في لبنان»، مؤكداً أن «الاهتمام الأميركي لا يزال على ما هو عليه باعتباره ينطلق، وبشكل أساسي، من موقع لبنان بالقرب من إسرائيل، لذلك فإن ما يعني الولايات المتحدة دائماً هو عدم حصول فوضى في لبنان تتأثر بها تل أبيب سلباً». ويشدد طبارة في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، على أن واشنطن كانت وستبقى حريصة على الاقتصاد اللبناني والنظام المصرفي، وهو ما أكدته في أكثر من محطة، وليست الحركة الكبيرة واللافتة لمسؤولين لبنانيين زاروا الولايات المتحدة الأميركية تباعاً للتأكد من أن العقوبات المفروضة على «حزب الله» لن تمس الاقتصاد المحلي، إلا دليلاً واضحاً على حرص واشنطن الكبير على الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي اللبناني.
ويضيف طبارة: «يمكن الحديث عن تكثيف دور أميركا في لبنان مقارنة بعهد الرئيس السابق باراك أوباما، حيث كانت السياسة المتبعة تقضي بانسحاب واشنطن من الصراعات في المنطقة، لكن اليوم وفي عهد الرئيس دونالد ترمب، تكثف الاهتمام الأميركي، وإن كان رصد هذا الاهتمام غير متاح دائماً باعتبار أن واشنطن لا تتدخل إلا عندما تستشعر خطراً من فوضى، وهو ما حصل حين تدخلت في الاستحقاق الرئاسي اللبناني بعد سنتين ونصف السنة من شغور موقع الرئاسة، وليس قبل ذلك»، معتبراً أنه من غير المنطقي أن ننتظر دوراً أميركياً ما في عملية تشكيل الحكومة مثلاً، والدخول في لعبة المحاصصة اللبنانية والخلاف على الحقائب.
وبعكس واشنطن، تلعب باريس دوراً أكبر في الساحة السياسية اللبنانية، يمكن التماسه في الحراك الخجول الذي تقوم به حالياً للضغط باتجاه التسريع بتشكيل الحكومة. فبحسب رئيس مركز «الشرق الأوسط والخليج للتحليل العسكري – أنيجما»، رياض قهوجي، فإن أميركا لطالما وكلت فرنسا بقيادة الوضع في لبنان، وبالتحديد الشؤون السياسية، باعتبارها كانت الدولة المستعمرة، أضف أنها المسؤولة عن بناء النظام السياسي اللبناني، لافتاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه كان هناك دور أميركي نشط أكثر في لبنان، وهذا مرتبط بشكل خاص بشخصية السفير. ويضيف قهوجي: «أما اليوم، فالموقف التصعيدي الأميركي تجاه (حزب الله) وإيران، يجعل واشنطن تتجنب أن تلعب دوراً كبيراً على الأرض كي لا تحرج حلفاءها».
وإذا كان الاهتمام السياسي الأميركي في لبنان يرتفع وينخفض حسب الظروف، فإن قرار دعم المؤسسات الأمنية والعسكرية يبدو نهائياً لدى كل الإدارات الأميركية المتوالية. وفي هذا الإطار، يؤكد قهوجي أن «ثقة أميركا كبيرة جداً بالمؤسسة العسكرية، وهي تأمل أن تلعب دوراً أكبر في المستقبل، لذلك نرى أنه رغم تراجع النشاط الأميركي السياسي في لبنان، فإن التعاون الأمني والعسكري قائم ومستمر»، وقد بلغت قيمة المساعدات الأميركية المقدمة للبنان منذ العام 2006 مليار دولار أميركي.
وخلال زيارته الشهر الماضي إلى لبنان، أكد رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي «FBI» كريستوفر راي «تقديم المزيد من الدعم والتدريب للجيش اللبناني الذي أثبت قدرة وكفاءة عاليتين في حفظ الأمن في لبنان ومكافحة الإرهاب التي تبقى من أولويات الإدارة الأميركية»، فيما أشار رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، خلال استقباله راي، إلى أنّ «لبنان نجح في مواجهة التحديات الأمنية والإرهاب، بفضل كفاءة الجيش اللبناني، والدعم الذي قدمته له الدول الصديقة، وفي مقدمها الولايات المتحدة».