كتبت ميسم رزق في صحيفة “الأخبار”:
لم يرس النقاش حول الصندوق السيادي لعائدات النفط والغاز، على برّ. الخلاف على مبدأ إدارته وكيفية استثمار أمواله بين حركة أمل من جهة والتيار الوطني الحر من جهة أخرى، ينعكس سلباً على مداولات اللجنة النيابية الفرعية (المنبثقة من اللجان المشتركة والتي يرأسها النائب إبراهيم كنعان) التي تتولى مناقشة اقتراح القانون المقدّم من النائب ياسين جابر، والرامي إلى إنشاء صندوق سيادي وإقرار هيكلية له ووضع تنظيمات له.
في جلسة اللجنة الثلثاء، انقسم النواب بين مُطالب بالاكتفاء بفتح حساب خاص في المصرف المركزي، وآخر يؤكد أحقية إشراف مجلس الوزراء مجتمعاً على الصندوق، وثالث يرى أن إدارته يجب أن تكون مستقلة تحتَ وصاية وزير المال كصلة ربط مع مجلس الوزراء، ما أعاد الأمور إلى المربع الأول. خلفيات النقاش لا تُظهر حتى اللحظة أي فريق سياسي ينطلق من الحرص على المال العام، أو وفق أسس منطقية متصلة بالحفاظ على ثروة لم يثبت وجودها بعد، رغم أن البحث ينبغي أن يأخذ مداه ليصل قطاع النفط إلى لحظة التنقيب مع رؤية واضحة لكيفية الاستفادة من أموال طائلة، في حال العثور على الوقود الأحفوري بكميات تجارية. في طيات غالبية الآراء المختلفة تظهر الحسابات الطائفية والمذهبية لمختلف القوى كدافع رئيس يحرّك طروحات القوى السياسية.
مع بداية الحديث عن إمكانية دخول لبنان إلى نادي الدول النفطية، وقبل بدء استكشاف الثروة في قعر البحر، انطلقت بوادر الخلاف حول الصندوق على اعتبار أن الكلام عنه «لا يزال مبكراً». وحينَ لحظ قانون الاستكشاف في البحر (المادة الثالثة منه) إنشاء صندوق سيادي بقانون خاص، باغتت كتلة «التنمية والتحرير» العونيين باقتراح قانون تقدم به النائب جابر بعنوان «قانون الصندوق السيادي». حاول وزير الطاقة سيزار أبي خليل استدراك الأمر بإعلان مشروع قانون للصندوق سيُعرَض في مجلس الوزراء، لكن ذلك لم يحصل. فأصبح اقتراح قانون جابر الذي يطرح بأن يكون الصندوق مؤسسة مستقلة تحت وصاية وزير المالية، بحكم الأمر الواقع وتم تحويله إلى اللجان المشتركة لدراسته.
الجلسة التي استمرت لنحو ثلاث ساعات بدأت باعتراضات على التعريفات (بدءاً من الفريق الإداري للصندوق، وصولاً إلى مديرية الأصول وواردات الصندوق وعائدات الاستثمار) وانتهت بصعوبة التوصل إلى اتفاق على المادة الرابعة المتعلقة بإنشاء الصندوق. ما إن بدأت المداولات في المادة الأولى (التعريفات) اقترح كنعان تأجيل الحديث فيها، على أن يصار إلى إجراء تعديلات عليها في وقت لاحق، ولا سيما أن «الملاحظات حول التعريفات كانت ستأخذ مساحة واسعة من النقاش، فيما الأهم دراسة المواد الأخرى». وعليه، تمحورت الجلسة حول الفصل الثاني من اقتراح القانون (تحديداً المادتين الثالثة والرابعة المتعلّقتين بملكية الموارد البترولية وإنشاء الصندوق السيادي).
النواب المؤيدون لفكرة جابر أشاروا إلى أن المشكلة في جلسة أمس كانت «في عودة الأمور إلى النقطة الصفر». فعلى ذمتهم شهدت الجلسة السابقة اقتناعاً من قبل مختلف الجهات بأن «يكون هذا الصندوق مؤسسة مستقلة، تحت وصاية وزارة المالية كما هو الحال عالمياً». وتمّ الاتفاق على الانتقال في الجلسات المقبلة إلى «تحديد درجة الوصاية، على أن تكون السلطة العليا لمجلسي الوزراء والنواب». لكن كل شي «عاد وانقلب في هذه الجلسة». بحسب هؤلاء «توحّدت مواقف كل من وزير الطاقة والمدير العام للمالية الآن بيفاني، فعادا وطالبا بإنشاء حساب خاص في المصرف المركزي بحجة أن عائدات النفط ستتأخر». أبي خليل تسلّح بمداخلة رئيس هيئة قطاع النفط وليد نصر، الذي قدّم بداية عرضاً تقنياً لمسار العمل في هذا القطاع، قبل أن يشير إلى «أننا لا نعرف متى يبدأ لبنان بالاستفادة عملياً من هذه الثروة، ولا داعي للاستعجال». واستعان أبي خليل بالتجربة النروجية لتدعيم موقفه، فقال إن النرويج نفسها «تأخرت في إنشاء هذا الصندوق»، وإنه لا داعي لإنشاء صندوق وتوظيف العشرات فيه برواتب عالية، من دون أن يتأكد وجود نفط وغاز بكميات تجارية في لبنان. هذه الـ«حجة» يردّ عليها النواب المعترضون بأن «النروجيين سبق أن اعترفوا خلال ورش العمل التي أجريت هنا في مجلس النواب، بأن التأخر في إنشاء الصندوق كان خطأً، لأن هذا الأمر أدّى إلى صرف عشوائي نتج منه تضخم في الأسعار، وأثر سلباً بالقطاعات الأخرى».
وفيما يعود وزير الطاقة وفريقه إلى التجربة ذاتها للقول بأن «الصندوق هو تحت وصاية وزارة المالية، لكن إدارة أمواله يتولاها المصرف المركزي»، يأتيه الرد بأن «إدارة الأموال محصورة بفريق مستقل عن الإدارة النقدية»، وأن لجنة متخصصة في النرويج «اقترحت على مجلس النواب مبدأ الفصل عن السلطة النقدية، لأن ربطها يؤثر سلباً بالاستثمار».
في خضم هذا الجدل، تقدّم بيفاني بطرح آخر يقترح من خلاله وضع العائدات بصندوق الاستقرار. وهذا الصندوق يعني «ربط الإيرادات النفطية بالموازنة». لكن جابر رفض الطرح لأنه يعني «صرف أموال النفط على النفقات الجارية»، فيما الهدف «تسديد جزء من الدين العام، واستخدام الجزء الآخر في الاستثمار واستفادة الأجيال المقبلة».
طرح بيفاني تلاه عرض آخر من وزير الطاقة بتشكيل مجلس وزاري مصغر يكون الوصي على الصندوق. لكن النائبين نقولا نحاس وميشال معوض سجلا ملاحظات عليه، إذ «لا يمكن الحديث عن الصندوق بصفته مؤسسة مستقلة، ومن ثم وضعه تحت وصاية السياسيين».
ولم تكُن الجهة المخولة إدارة الصندوق البند الخلافي الوحيد في جلسة أمس. انسحب ذلك أيضاً على مبدأ التوظيف الذي اعتبر النائب نواف الموسوي أنه يجب أن «يمرّ عبر مجلس الخدمة المدنية»، فردّت النائبة رولا الطبش جارودي بأن «مجلس إدارة الصندوق يحتاج إلى متخصصين ولا يمكن الاعتماد على الآلية التي يتبعها مجلس الخدمة». وفيما تلاقى الموسوي ووزير الطاقة على ربط الصندوق بالمؤسسات الرقابية، قال أبي خليل: «لقد زرت ديوان المحاسبة ١٣٠٠ مرة، وأنا ملتزم هذه المؤسسات»، فأجابه النائب فيصل الصايغ: «١٣٠٠ مرة رحت ع ديوان المحاسبة وبعد ما عنا كهربا»!