كتب عماد مرمل في صحيفة “الجمهورية”:
تبدو «القوات اللبنانية» متحمّسةً لإنجاز المصالحة رسمياً بينها وبين تيار «المردة» بعد عقود من النزاع، وهي تتولّى التبشيرَ بها والتمهيد لها عبر الإعلام، فيما يميل «المردة» الى أن يكون أكثرَ حذراً وأقلَّ اندفاعاً، من دون أن ينفي حدوث تقدّم في الحوار بين الجانبين على الطريق نحو اللقاء المتوقع في نهاية المطاف بين سليمان فرنجية وسمير جعجع.
وبعد أيام قليلة من اطلاق النائب جورج عدوان اشارات ايجابية حول اتّجاهات العلاقة مع «المردة»، أوضح رئيس «القوات» سمير جعجع أمس أنّ الاتصالات بين الجانبين قطعت اشواطاً بعيدة جداً، متوقعاً إنعقادَ لقاء على المستوى القيادي في وقت غير بعيد، ومشدّداً على أنّ صفحة الماضي ستُطوى وأُخرى جديدة ستُفتح.
ولكن كيف تبدو حقيقة الصورة مِن بنشعي؟
ليس خافياً، أنّ سليمان فرنجية كان شُجاعاً فوق العادة عندما اتّخذ قراراً سياسياً كبيراً بتجاوز جروح الماضي ومآسيه، وصولاً الى إعادة مدّ الجسور مع الطرف المتهم بأنه المسؤول عن مجزرة إهدن التي كانت عائلة فرنجية من أكبر ضحاياها. لقد مضى الناجي من المجزرة وآخر غصن في العائلة حتى البعيد في خيار «الصفح والمصافحة» على رغم أنه لم يكن خياراً شعبياً في بيئة «المردة». تفوّق فرنجية على نفسه ومحيطه ولاقى يد جعجع في منتصف المسافة، كأنه أراد بذلك أن يحمي الاجيال المسيحية المقبلة من سطوة الإنتقام والثأر.
والاكيد، أنّ الظروف السياسية ساعدت في «تخمير» لحظة التحوّل في اتّجاه كسر «المستحيل الشمالي»، والعامل الأبرز الذي سُجّل في هذا السياق تمثل في إنفصال «التيار الوطني الحر» و»المردة» بعد زواج فاشل، الأمر الذي سمح بتقاطع مصالح وعواطف بين بشري وبنشعي، كان كفيلاً بإنهاء المقاطعة المزمنة، ومن ثم بدء البحث عن مساحة مشتركة وسط غابة التناقضات التي تفصل الجانبين.
ولئن كان البعض يعتقد أنّ الحسابات الرئاسية تشكّل «بطانة» تقارب فرنجية وجعجع، على قاعدة أنّ كلّاً منهما يسعى ضمناً الى استقطاب الآخر، أو على الأقل تحييده، في انتخابات الرئاسة مستقبلاً، إلّا أنّ القريبين من فرنجية يلفتون الى أنّ الرجل هو أكثر مَن يعرف أنّ اسم رئيس الجمهورية في لبنان ليس سوى ابن الظرف المحلّي والخارجي في حينه، وبالتالي فإنّ من السابق لأوانه الدخول في معمعة الاحتمالات والفرضيات منذ الآن.
وفي سياق متصل، ينفي هؤلاء أن يكون فرنجية قد قال خلال لقاء اعلامي أخيراً بأنه سيكون «الرئيس المقبل للجمهورية»، موضحين أنّ ما نُسب اليه على هذا الصعيد لم يكن صحيحاً.
وتلفت مصادر مسيحية مواكِبة لمفاوضات «القوات»- «المردة» الى أنّ التواصل بينهما قائمٌ منذ فترة طويلة، موضحةً أنّ الهدف منه كان يتركّز في البداية على ضبط القواعد والمناصرين ومنع الاحكتاكات على الأرض في المناطق المشترَكة، خصوصاً في الشمال، لكنّ هذا التواصل تطوّر مع الوقت وراح يتّخذ شيئاً فشيئاً شكل الحوار السياسي المتدرّج.
وتؤكد المصادر المطلعة على هذا المسار التفاوضي بين بشري وبنشعي أنّ الحوار نضج على نار هادئة، من دون حرق المراحل، لكنها تنبّه في الوقت نفسه الى ضرورة عدم الإفراط في التوقعات ورفع سقفها الى ما فوق الواقع الموضوعي، مشددة على أنّ الإنجاز الأهم الذي يتمّ التحضير له هو الخروج من أسر الماضي الدموي كلياً، مع ما سيتركه ذلك من انعكاس إيجابي على الساحتين المسيحية والوطنية.
وتشدّد المصادر المسيحية على «أنّ هناك خلافاً استراتيجياً عميقاً بين فرنجية وجعجع حول قضايا حيوية، وبالتالي ليس منتظراً حصول تفاهم بينهما على الخيارات السياسية الكبرى، بل إنّ كلاهما سيبقى في موقعه، إنما مع الانتظام ضمن اللعبة السياسية التقليدية التي تحتمل التقاطع أو التباين، تبعاً للملف المطروح».
وبهذا المعنى، تشير المصادر الى «أنّ أهم ما ستحققه مصالحة جعجع- فرنجية، هو التوقف عن شيطنة صورة الآخر، وقبوله كما هو، واعتماد الوسائل السلمية في الاختلاف، واحتواء مفاعيل التاريخ الموجع، مؤكدة أنّ الاتّفاق المتوقع لن يكون بتاتاً شبيهاً بـ»تفاهم معراب» بين «التيار» و»القوات»، ولن ينطوي على أيِّ محاصصة أو نزعة سلطوية». وتؤكد المصادر المطلعة «أنّ الشكل أو الإخراج النهائي للمصالحة لم يُحسم بعد»، مستبعدةً أن يكون لقاء فرنجية – جعجع قريباً جداً، «ولكنّ الأمور تتحرّك في الاتّجاه الصحيح».