كتبت كلير شكر في “الجمهورية”:
العاشرة صباح الإثنين المقبل، سيكون وفد شركة «سيمنز» الألمانية ضيفَ الوزير سيزار أبي خليل في وزارة الطاقة. الموعد حُسم بعد مراسلات بين الطرفيْن، أو بالأحرى بعد السجال العابر للجبهات الافتراضية الذي أعاد «نبش» عرض الشركة لقطاع الكهرباء اللبناني… في انتظار التفاهم على جدول أعمال اللقاء.
هكذا، يُنتظر أن تشتعل مجدداً النار الهامدة تحت الرماد فور عبور الوفد الألماني عتبة مكتب «معاليه»، بحثاً عن الحقيقة الكامنة وراء «الطبق» المقدَّم من الجهة الأوروبية على المائدة اللبنانية «المهترِئة».
يصرّ معارضو الوزير العوني على عدم أخذ التوضيحات التي عرضها عن لقائه الوفد الألماني، محمل الجدّ، أو الصدقية. في الأساس كيف يمكن لمحادثات على مستوى وزاري أن تصير موضعَ تغريدات وتلطيشات… وتندّر الرأي العام؟
يقول هؤلاء إنّ التعامل مع العرض الألماني بهذا «الاستلشاق» فيه استخاف بعقول الناس لأنّ الشركة العملاقة لم تأتِ من تلقاء نفسها إلى بيروت بواسطة مدير مبيعات أو تسويق، وإنما برفقة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل.
وهذا يعني أنّ ما تحاول برلين القيام به ليس صفقة تجارية تُقصد بها خدمة الشركة أو توسيع هامش أرباحها، وإنّما مدّ يدّ العون للبنان بغية الحدّ من تدهوره الاقتصادي والذي يتسبّب في جزء كبير منه عجز قطاع الكهرباء، والعمل بشتى الطرق لحماية الاستقرارين الاقتصادي والسياسي. ليس حبّاً بلبنان وإنما لأنّ أوروبا تخشى من حصول الإنهيار اللبناني ما قد يسبّب هجرة آلاف النازحين السوريين إلى أوروبا. وهنا المصيبة بالنسبة للأوروبيين.
إذاً هي المصلحة السياسية التي تدفع ألمانيا إلى المساهمة في تقديم معالجة جذرية لقطاع الكهرباء الذي يستنزف الخزينة العامة. وبالتالي، إنّ ما يُدلي به وزير الطاقة لا يُقنع متابعي هذا الملف الذين يؤكدون أنّ جردةً بسيطة لكلفة الكهرباء في لبنان وفي المنطقة تُظهر في وضوح «الخلل المشبوه» في توضيحات وزير الطاقة.
ويشيرهؤلاء إلى أنّه «لو فرضنا أنّ الشركة الألمانية تعاملت مع الملف المصري بأسعار مخفّضة كون الفاتورة عالية جداً، غير أنّها تعاملت مع ليبيا بالأسعار نفسها تقريباً ولم تحتج ليبيا لأكثر من 1400 ميغاوات ولم يتخطَّ سعر الميغاوات الـ600 ألف من الدولارات، بينما كل ميغاوات في معمل دير عمار كلّفت أكثر من مليون دولار».
ويؤكدون أنّ مكامن الخلل في سياسة وزارة الطاقة لا تتوقف هنا، وإنما تعود إلى الجذور، تحديداً من القانون الرقم 181 تاريخ 5-10-2011 والمتعلق ببرنامج معجّل لأشغال كهربائية لإنتاج 700 ميغاوات ونقل وتوزيع الطاقة الكهربائية بقيمة 1772 مليار ليرة، والذي صرف منه جزءٌ كبير بلا نتيجة فعليّة، مع العلم أنّ صرف الاعتماد كان مشروطاً بتعيين مجلس إدارة جديد لمؤسسة كهرباء لبنان (لم يحصل)، وتعيين الهيئة الناظمة للقطاع عملاً بالقانون 462/2002 (لم يحصل) وإجراء المناقصات في إدارة المناقصات (حصل بعد الاشتباك السياسي)، على أن تكون قروض التمويل طويلة الأمد ومخفّضة من صناديق دولية وعربية.
ولكن حتى الآن، لا يزال قطاعُ الكهرباء مزراباً للهدر، مع العلم أنّ متابعي الملف يؤكدون أنّ مسؤولي البنك الدولي أبلغوا الى بعض المسؤولين اللبنانيين المعنيّين أنّهم مستعدون لمساعدة لبنان مالياً من خلال مدّه بقروض ميسّرة مقابل شرط واحد وهو معالجة الهدر الحاصل في قطاع الكهرباء.
الأسوأ من ذلك، يقول هؤلاء نقلاً عن مسؤولين دوليّين متابعين إنهّ لو حصلت معجزة وتمكّن لبنان من بناء معامل إنتاج كهرباء فإنّ هدر الإنتاج سيتخطّى الـ45%، بسبب الشبكة المهترئة على مستويَي التوزيع والنقل، والنقص في الجباية.
«القوات»: تخيّلات وفبركات
في المقابل، استغربت مصادر في «القوات» أن تكون مواقفها من ملف الكهرباء محورَ تركيز وزير الطاقة «وكأنها الوحيدة التي رفعت الصوت في هذا الملف الذي كان خلال السنوات العشر الماضية موضع الفساد والهدر الأول في لبنان بعدما كلّف وحده الخزينة اللبنانية عجزاً بين 15 و20 مليار دولار»، وسألت: «لماذا يحاول أن يفبرك خطّة معيّنة لـ»القوات» في ملف الكهرباء، فيما هي غير موجودة أساساً إلّا في مخيّلته؟».
وأكدت أنّ «خطّة «القوات» هي الذهاب في أسرع وقت ممكن الى الحلول الدائمة وهي منفتحة على الحلول الموقتة كافة بشرط أن تتوافر شروط المنافسة فيها للحصول على أدنى الاسعار وأفضل الحلول التقنية. ولماذا الاتّهام الدائم لـ «القوات» بأنها عرقلت العهد عندما اعترضت على مقاربة البواخر فيما كافة القوى السياسية بلا استثناء كانت لها اعتراضاتٌ مماثلة؟».
وسألت: «أليس «حزب الله» الحليف الأوّل لفريق الوزير أبي خليل؟ ولماذا كان يصوِّت في كل مرة إلى جانب «القوات» عندما يُطرح موضوعُ البواخر؟ ولماذا غالبية القوى السياسية وقفت ضد البواخر؟».
ورأت المصادر أنّ «الحلّ الذي تقدمت به شركة «سيمنز» جاء ضمن حلول متكاملة وهي ليست الشركة الوحيدة التي قدّمت اقتراحاً لحلّ أزمة الكهرباء، بل هناك شركات عدة. ولكنّ السؤال الأساس هو: هل لدى أبي خليل النّية الحقيقية للعمل على تنفيذه؟ ولماذا لم يسأل الشركة الألمانية عن تصوّرها المتكامل للحلول الدائمة من باب الاستفسار والاهتمام؟ وألا يعدّ تقصيراً من جانبه وإهمالاً لمسؤولياته؟».
وأضافت: «لماذا يستخفّ أبي خليل بعقول اللبنانيين ويدّعي كلاماً بينه وبين رئيس الحزب سمير جعجع عن محاصصة في الكهرباء، فيما هذا الكلام هو تضليل كامل لأنّ «القوات» لم تفكر يوماً بهذا الطرح ولم تطرح أيَّ شيء من هذا القبيل».
كل هذا لا يعني إلّا أمراً واحداً: يحمل قطاع الكهرباء في بطانته ما يكفي من متفجّرات قادرة على إحداث عاصفة من السجالات كلما طرأ بند جديد على جدول أعمال المعالجات المنتظرة… لإقفال هذه «المغارة».