كتبت آمال خليل في صحيفة “الأخبار”:
لم يعد ينفع إنكار الصناعيين أنهم ليسوا السبب الرئيسي لتلوث الليطاني. القضاء ادّعى على 31 مصنعاً ملوثاً بعد إنجاز المرحلة الأولى من الاستقصاء الميداني، طالت 153 مصنعاً في البقاع الغربي وزحلة، وكشفت جرائم في حق النهر، من تصريف آلاف الليترات من النفايات الصناعية غير المعالجة إلى شبكة الصرف الصحي الى تصريف الزيوت عبر أقنية تمر في الأراضي الزراعية وحقول الحشيشة
للمرة الأولى في تاريخ ملف تلوّث نهر الليطاني، أثمر الإخبار الذي قدمته المصلحة الوطنية لنهر الليطاني، في آب الماضي، بحق المصانع الملوِّثة الواقعة في حوضه. النائب العام الاستئنافي في البقاع القاضي منيف بركات ادعى على أصحاب 31 مصنعاً ومؤسسة (انظر الجدول المرفق) تقع في البقاع الغربي وزحلة بتهمة التورط في تلويث النهر، وأحالها إلى القاضي المنفرد الجزائي في البقاع محمد شرف الذي حدد موعداً لجلسة المحاكمة الأولى في السادس من تشرين الثاني المقبل. وينتظر أن يستكمل بركات الادعاءات على أصحاب أربعين مصنعاً آخر.
الادعاء استند إلى استقصاء ميداني شمل 153 مصنعاً، قامت به مفرزة زحلة القضائية خلال الأسابيع القليلة الماضية، بالتعاون مع لجنة مؤلفة من ممثلين عن المصلحة ووزارات الصناعة والبيئة والصحة. وصنّف المسح المصانع كالآتي: 71 مصنعاً ملوثاً، و٥٧ غير ملوِّثة و١٢ مصنعاً مقفلاً وعشرة صنفت بـ«غير معروف»، أي وضع محطات التكرير فيها تحت المراقبة البيئية، فضلاً عن ثلاثة لم تباشر العمل بتكرير مخلفاتها. أما المصانع والمؤسسات الـ39 الواقعة في نطاق محافظة بعلبك ــــ الهرمل، فلم تبدأ عملية مسحها حتى الآن.
باستعراض نتائج المسح، لن تعود مستغربة الحال التي وصل إليها الليطاني الذي تحول من نهر حياة إلى «مجرور» موت وسرطان. أما استعراض أسماء مالكي المصانع والمؤسسات الملوِّثة فيوضح أن عدم التوصل إلى خطوة فعلية في مسار حماية النهر وتنظيفه، نتيجة طبيعية للتغطية التي يحظى بها هؤلاء، وبينهم نواب ووزراء ونافذون، الأمر الذي يشكك في مصير الألف ومئة مليار ليرة التي أقرّت لحماية النهر وتنظيفه. فـ«الشركة اللبنانية للتخمير والتقطير» المعروفة بـ«شاتو وردة» (تخص وزير الثقافة الأسبق سليم وردة) تصبّ مياهها الصناعية مباشرة من دون تكرير في شبكة الصرف الصحي. أما نائب زحلة الجديد ميشال ضاهر (الذي يرفع شعار حماية النهر) وشقيقه عبد الله، فترد شركاتهما في القائمة السوداء مرتين: «ماستر» ترمي في الساعة يومياً خمسة أمتار مكعبة من المياه العادمة من دون معالجة، تتضمن زيوتاً، تذهب مباشرة إلى الشبكة العامة للصرف الصحي. كما تلقي «ضاهر انترناشيونال» مياهها العادمة من دون معالجة مباشرة الى عبارة ترابية نحو النهر. «شاتو كسارة» التي تخص الوزير السابق عدنان القصار، تنتج أربعة آلاف متر مكعب من المياه سنوياً، تحولها أيضاً مباشرة، ومن دون معالجة، إلى شبكة الصرف الصحي. أما «شاتو كفريا» التي يملكها النائب السابق وليد جنبلاط وشركاؤه، فتنتج يومياً 12 متراً مكعباً من المياه العادمة تصرّف مباشرة الى المجاري الطبيعية ثم إلى النهر.
وبيّن الكشف مخالفات صارخة لناحية حجم المخلفات الصناعية الناتجة أو نوعها. «مسلخ وفروج السيد» ينتج يوميا بين 8 آلاف و10 آلاف ليتر مكعب من المياه العادمة غير المعالجة تصب في النهر. فيما تنتج شركة «تنمية» 200 الف ليتر من المياه العادمة يومياً. ورغم أن أصحابها استعانوا بثلاث محطات تكرير للصرف الصناعي، إلا أن فعاليتها غير مثبتة وبحاجة الى أخذ عينات للتأكد من خلوها من الزيوت، بحسب المسح. معمل «سيكومو» لإعادة تدوير الورق، يحقق أرقاماً قياسية، إذ ينتج 840 الف متر مكعب من المياه الصناعية المبتذلة تمر في مرحلة تكرير قبل ان تصل الى نهر قب الياس. لكن تحليل المياه المعالجة أظهر نسباً عالية من الملوّثات. أما «قساطلي شتورة»، فينتج 130 ألف ليتر يومياً من المياه العادمة غير المعالجة تصب في قناة ترابية خارج المصنع وتمر في الأراضي الزراعية ثم تصب في النهر. «شركة سكاف للبطاطا الطازجة» تلقي ألف ليتر من الزيوت العادمة غير المعالجة مباشرة في شبكة الصرف الصحي من دون معالجة، فيما مؤسسة جان سروجي للتعهدات والتجارة (تخص أحد أكبر المتعهدين الذي تكلفهم الدولة بمشاريع)، تحول مخلّفاتها الصناعية الى حفر ترسيب لتعالج ثم تطلق في عبارة المياه تحت الأرض لتسقي المزروعات. لكن المسح أظهر أن عملية معالجة المياه في حفر الترسيب بشكل دائم غير مؤكدة.
المدير العام للمصلحة الوطنية لنهر الليطاني، سامي علوية، أشاد بادّعاءات النيابة العامة في البقاع، لكنه رأى أن «العبرة بالنتائج». وسأل، في اتصال مع «الأخبار»، عن «جدوى الإجراءات إن لم يتوقف تدفق الصرف الصناعي، وإذا لم تواكب بالإجراءات الوقائية والرادعة بحق الملوثين». ودعا علوية وزارة الصناعة الى اتخاذ قرار بوقف عمل المصانع التي ثبت تلويثها للنهر مؤقتاً، كما طالب بتوسيع صلاحيات المصلحة.
إحصاءات مصلحة الليطاني تشير إلى أن ما لا يقل عن 35 مليون متر مكعب من المياه العادمة والسامة والصناعية تتدفق سنوياً في الحوض الأعلى للنهر وتنتقل بالمجرى والروافد إلى الحوض الأدنى. وبيّن مسح للبلديات الواقعة على ضفاف النهر أن 107 بلديات في الحوض الأعلى تصرف مياهها المبتذلة في النهر من دون معالجة، 14 منها في البقاع الغربي، و54 في زحلة، و39 في بعلبك. وقد طال التلوث مياه نبع عين الزرقا الذي يروي 23 بلدة في البقاع الغربي، قبل أن تكمل مياهه نحو الحوض الأدنى وصولاً إلى محطة الطيبة. وفضلاً عن التلوث الذي يسببه الصرف الصحي، يبرز خطر المكبات العشوائية. وفي هذا السياق، تقدّمت المصلحة بعدة إخبارات ضد بلديات أنشأت مكبات في حوض الليطاني، آخرها ضد بلديتي خربة قنافار و جب جنين اللتين أنشأتا مكباً ضخماً بجوار النهر.