كتبت كاتيا توا في “المستقبل”:
كانت زينب م. في سن الحادية عشرة من عمرها، عندما أقدم والدها المتهم أحمد م. على الاعتداء عليها وفض بكارتها من دون أن يستجيب لصراخها، وذلك اثر استحمامها بعد عودتها من عملها في معمل للمثلجات حيث طرحها على الفراش وأقدم على اغتصابها، مهدداً إياها بالذبح في حال قامت بإخبار أحد، ثم عمد لاحقاً إلى تزويجها من أحد انسبائه المتزوج أصلاً للتستر على الموضوع.
غير أن زواج القاصر لم يدم لأكثر من شهرين، فوقع الطلاق بعد أن حاولت الانتحار، لتعود إلى منزل أهلها حيث راح الوالد المتهم يقوم بضربها من دون سبب، فغادرت نتيجة ذلك المنزل وأقامت لنحو سبعة أشهر لدى سيدة عاجزة، وكانت تقوم بمساعدتها في غرفة داخل فندق مخصص للعمال.
تعرفت زينب أثناء ذلك على المتهم السوري معن س. ثم عادت إلى منزلها الوالدي لتغادره مجدداً بعد خمسة لأشهر للأسباب عينها، وقصدت منزل معن المذكور حيث أقامت لديه وراح يعاشرها معاشرة الأزواج.
تلك كانت إفادة زينب في التحقيق الأولي لدى «مخفر حبيش» ومن ثم مكتب حماية الآداب، حيث اتهمت والدها بفض بكارتها وإجبارها على العمل في مجال الدعارة، لتعود وتنكر ذلك في التحقيق الاستنطاقي وأمام المحكمة، رامية التهم على المدعو مصطفى الذي لا تعرف عنه شيئاً سوى اسمه الأول، زاعمة أن المتهم معن الذي كان ينوي الزواج منها طلب منها أن تورط والدها كي يجبره على تزويجها منه، لتعود وتتهم الأخير بفض بكارتها وهي كانت لا تزال في سن الخامسة عشرة، بعدما أوهمته أن عمرها 19.
وأكثر من ذلك، فإن زينب لم تتردد أمام المحكمة في اتهام «شخص ثالث» يدعى محمد بأنه أفقدها عذريتها عندما كانت في التاسعة من عمرها لتنكر رغم كل ذلك تهمة ممارسة الدعارة.
وتأتي إفادة الوالد المتهم في التحقيق الأولي وأمام المحكمة، لينفي فيهما مزاعم ابنته «الطائشة»، التي كانت تغادر المنزل خلافاً لإرادته، وأنه علم من زوجته أثناء وجوده في تركيا مع العائلة قبل سنوات بأن ابنته القاصر فقدت عذريتها على يد أحد الشبان هناك فقام بتزويجها من احد انسبائه للتستر عليها، وهو كان قد تقدم بادعاء ضد مجهول بخطف ابنته القاصر زينب ليُعثر عليها في منزل المتهم معن س. في تحويطة فرن الشباك، حيث اقرّ الأخير بممارسة الجنس مع القاصر بعدما اعتقد أنها في سن الـ19، وقال إن زينب أعلمته أن والدها فض بكارتها أثناء وجودها في تركيا وكان يضربها ويجلدها بـ«كابل» كهربائي لرفضها الانصياع لطلبه العمل في مجال الدعارة. وقد أبدى معن استعداده للزواج من القاصر.
وجاءت إفادة زوجة المتهم احمد ووالدة القاصر لتؤكد بأن الأخير كان يعامل عائلته معاملة حسنة ولا يمكن أن يعتدي على ابنته زينب، وأنها علمت بفقدان ابنتها عذريتها من عمة الأخيرة بعدما أقدم أحد الشبان على معاشرتها، وهو الأمر نفسه الذي أكدته شقيقة القاصر التي أعلمتها عمتها بأن زينب ليست عذراء وبأن أحد أصدقائها قد مارس الجنس معها وفض بكارتها قائلة:«ان شقيقتي زينب تهوى الكذب».
وتبرز إفادة المدعو حسن ق. الذي أورد فيها أنه أقل من محلة الدورة سيدة كانت تقف على جانب الطريق حيث اتفق معها على ممارسة الجنس، إلا أنها كانت مريضة فأعطته حينها رقم هاتفها للاتفاق على موعد ليتبين أن رقم الهاتف يعود إلى زينب التي قال عنها حسن إنها كانت ترتدي لباساً غير محتشم.
هذه القضية التي نظرت فيها محكمة الجنايات في بيروت، أصدرت في ختام محاكمتها القاصر بتهمة الدعارة ووالدها أحمد بالاعتداء عليها وكذلك معن بتهمة مجامعة قاصر، حكماً غيابياً بحقهم جميعاً، أعلنت فيه براءة الوالد من التهمة المنسوبة إليه واسترداد مذكرة القاء القبض الصادرة بحقه، ودانت معن بجرم مجامعة قاصر بالسجن مدة شهرين. كما اعلنت براءة القاصر من جرم الدعارة.
وفي حثيثيات حكم المحكمة، فان الدليل المتوافر بحق الوالد حول مجامعة ابنته القاصر وفض بكارتها بالقوة وتهديدها، تمثل بأقوال القاصر وأقوال معن س. في التحقيق الأولي، وعادت القاصر وتراجعت عن أقوالها، ولم تثبت للمحكمة صحة أقوالها الأولية بحق والدها بحجة تعرضها للضغط من حبيبها آنذاك معن س. الذي كان، بحسب أقوالها، يحاول الضغط على والدها من خلال حمله على القبول بزواجه منها.
وترى المحكمة أنه «في ضوء ما أثبتته التحقيقات لناحية السلوك السيء للقاصر، فإن الدليل الوحيد في هذا الملف على قيام المتهم والدها بالاعتداء عليها تمثل بمدلول أقوالها التي عادت وتراجعت عنها وبالتالي فهو دليل غير كاف للجزم بقيام المتهم بالأفعال المنسوبة إليه».
ومن ناحية ثانية، اعتبرت المحكمة «أن ما نسب إلى الوالد عن حض ابنته على ممارسة الدعارة إنما بني على أقوال المتهم معن س. نقلاً عن القاصر، ولم يتوفر أي دليل يعزز أقواله هذه».
أما بالنسبة إلى المتهم معن، «فإن القناعة قد تكونت لدى المحكمة بأنه ولدى ممارسته الجنس مع القاصر كان على علم بأنها قاصر من دون أن يقدّم الدليل على أنه يعرف أنها دون الـ15 من عمرها فيقتضي تطبيق الفقرة الأخيرة من المادة 505 عقوبات».
كما لم يتبين من التحقيقات أن المدعو حسن ق. قد مارس الجنس مع القاصر مقابل المال وفق اتفاقه معها عندما أقلها من محلة الدورة.