كتبت ليندا عازار في صحيفة “الراي” الكويتية:
… تكاد ان تتحوّل عملية تشكيل الحكومة في لبنان أحجيةً يوميةً تَسْكُنُها شياطينُ المعادلاتِ الرقمية وتفاصيلها المحلية المشحونة بكل مَظاهر الصراع على كعكة السلطة، ويحِكُمها خط التوتر العالي في المنطقة التي يشكل لبنان واحدة من ساحاتِ حربها المكتومة الصوت والمرشّحة أن تتقدّم من المَقاعد الخلفية الى… عين العاصفة.
فعلى مدى أقلّ من 5 أشهر بقليل، راوح ملف تأليف الحكومة صعوداً وهبوطاً على وقع تكهناتٍ متناقضة أوحتْ تارةً بأن الحكومة قد تُشكّل غداً وتارةً بأنها لن تتشكّل أبداً، تخلّلها قتالٌ سياسي بالسلاح الأبيض والأسود، وسيناريوات لم تخلُ من نزْعاتٍ انقلابية وتدخلات بـ«الريموت كونترول» الاقليمي وتحذيرات بـ«مكبرات الصوت» من.. الأسوأ.
قبل ستة أيام بدا الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة سعد الحريري حازماً بان حكومته سترى النور في غضون عشرة أيام، وكأنه أراد إحداثَ صدمةٍ ايجابيةٍ حرّكتْ المياه الراكدة وصولاً الى مناخٍ يشي بأن سباق التأليف بات في أمتاره الأخيرة وسط تكثيف السيناريوات المحتملة للخروج من عقدة التمثيل الدرزي بتسهيل من «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط. كيف يقارب رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع الملف الحكومي ومآله؟ وماذا عن عقدة التمثيل المسيحي؟ ووأي اعتباراتٍ تحكم موقفه حيال مسار التأليف؟ وماذا عن «المحلي والإقليمي» في التحديات التي يواجهها لبنان؟
عناوين أطلّ عليها جعجع أمس في جلْسةِ «تفكير على صوت عالٍ» مع مجموعة منتقاة من الإعلاميين في مقره في معراب حضرتْها «الراي» وبدأها رئيس «القوات» بـ«الأخطر والأهمّ» المتمثل في الوضع الاقتصادي – المالي الذي لم يعد يحتمل اذ «لم نعد على حافة الهاوية فحسب بل اقتربنا من القفز في الهاوية»، منتقداً مسؤولين «غير واعين وغير مكترثين» لهذا الواقع الذي قررت «القوات» مقاربته بخطة إنقاذية اقتصادية من 5 بنود وضعتْها وتعتزم طرْحها سواء تَشكّلت الحكومة قريباً أم لم تتشكّل «اذ يجب ألا ننتظر ان نصل الى سيناريو اليونان كي نتحرّك، وسنقاتل من أجل الخطة بكل الخطوات الدستورية الممكنة فالسكوت بات جريمة».
ويرفض جعجع اعتبار قرْع «جرس الإنذار» حيال الواقع الاقتصادي تمهيداً لخطوة تراجُعية من «القوات» في الملف الحكومي «فهذا الواقع تحديداً يجعلنا نتمسك أكثر بضرورة قيام حكومة متوازنة وغير معتورة»، كاشفاً أن الأطراف المشاركين في مؤتمر «سيدر» كانوا واضحين في تأكيد وجوب قيام حكومة متوازنة وتوحي بالثقة، وان معيار هذا التوازن مشاركة «القوات» فيها بشكل وازن، ومعلناً «حكومة من دون «القوات» تعني حكومة غزة».
وشدد على أن لا أبعاد خارجية وراء استمرار تأخّر ولادة الحكومة، رافضاً بشدّة تصويب البعض على السعودية في هذا الإطار ومتسائلاً «ما مصلحة لبنان في محاولة البعض تخريب علاقته بالمملكة ومهاجمتها؟ ولماذا التحامل عليها وهي التي لم تقدّم للبنان سوى كل الدعم وتحتضن عدداً كبيراً من أبنائه؟ أين المصلحة العليا للبنان في مثل هذا السلوك»؟.
واذ اعتبر جعجع ان عرقلة تشكيل الحكومة مردّه في شكل رئيسي الى رغبة البعض في تحجيم «القوات»، استحضر، رداً على سؤال حول أيّ مصلحة للعهد في ان يعرقل نفسه ومسيرته، كلاماً سمعه من ديبلوماسي غربي ومفاده ان النظام السوري يرى أنه ما دام الرئيس الحريري على موقفه من هذا النظام فيجب ألا تتشكل حكومته، وأنه من هذا المنطلق أوعز لبعض من في الداخل اللبناني هذه المهمة، مستطرداً «كأن هذا النظام مصدّق حاله».
وفي حين أوضح أن عرْض نيابة رئاسة الحكومة بلا حقيبة مع وزارات التربية والشؤون الاجتماعية والثقافة لم يُعرض علينا مباشرة بل مواربةً بالإعلام «وأبلغنا الرئيس الحريري رفضنا الكامل له»، قال رداً على سؤال حول اعتبار البعض أن التفاوض بات محصوراً تحت سقف الحصة الرباعية وعلى نوعية الحقائب الثلاث بعد الموافقة على منْح «القوات» منصب نائب رئيس الحكومة: «أولاً القوات لا تريد منّة من أحد ولا أن يتنازل لها أحدٌ، فهي نالت في الانتخابات النيابية ثلث الأصوات المسيحية وأكثر وتالياً من حقها ان تتمثل بخمسة وزراء، وفي الحكومة الحالية كان منصب نائب رئيس الحكومة من حصتها بحقيبة فهل نرجع بعد نتائج الانتخابات الى الوراء. فليبقَ هذا المنصب مع رئيس الجمهورية». وأعلن «بالسلْبطة والتعطيل لا تسير الأمور وليتحمّلوا مسؤوليّتهم، ولهذا لستُ متفائلاً كثيراً»، موضحاً «حتى الساعة التفاؤل الذي يجري الحديث عنه يبقى في الإعلام ولم نلمسه بعد على مستوى الاتصالات والاقتراحات اذ بما نعرفه من الاتصالات لا تَقدُّم كبيراً، وربما يحاولون التقدم على المسارات الأخرى، و(تاركينا) للآخر».