كتبت صحيفة “الراي” الكويتية: تتوالى في بيروت عمليةُ تركيبِ «البازل الحكومي» وسط مناخٍ داخلي – خارجي ضاغطٍ في اتجاه بتّ هذا الملف بأسرع وقت، وعلى وقع «سباقِ مهلٍ» بات مَحْكوماً بـ «خطوط حمر» حَتَّمَها اقترابُ لعبةِ «عضّ الأصابع» من إسقاط البلاد في… الهاوية.
وتعوّل أوساطٌ سياسيةٌ في بيروت على اللقاء الذي يُعقد في الساعات المقبلة بين الرئيس اللبناني العماد ميشال عون ونظيره الفرنسي ايمانويل ماكرون في أرمينيا على هامش القمة الفرنكوفونية، باعتبار أن هذا الاجتماع سيضع على الطاولة و«بلا روتوش» الموقف الفرنسي الذي يعبّر أيضاً عن «مزاج» دولي بضرورة إنهاء المأزق الحكومي لاعتباريْن بالغيْ الأهمية: أوّلهما تحصين الواقع اللبناني بإزاء الوضع الاقليمي «اللاهب»، وثانيهما عدم تفويت الفرصة التي وفّرها مؤتمر «سيدر» الذي استضافتْه باريس في ابريل الماضي لانتشال الواقع الاقتصادي – المالي اللبناني من «الحفرة» عبر المساعدات والقروض الميسّرة التي أمّنها وتَفوق 11 مليار دولار.
وتشير الأوساط الى ان ماكرون يفترض ان يضع عون في أجواء «الإحراج» الذي يسببه تأخُّر تأليف الحكومة، مع ما يعنيه من «تعليق» انطلاق قطار «سيدر 1» وخريطة الإصلاحات التي تضمّنها، لباريس وتحديداً تجاه الدول التي شاركت في المؤتمر، وسط مخاوف من «تطيير» ما حصده لبنان من مساعدات وقروض يمكن ان تذهب لدول أخرى بحال لم تولد الحكومة سريعاً.
كما يفترض أن يرتكز موقف ماكرون في مقاربته الواقع اللبناني الذي واكبه الرئيس الفرنسي بمحطاتٍ مفصلية على مدى العام الماضي خصوصاً، على ثوابت موقف باريس، كامتداد لِما رافق مؤتمر سيدر 1 من رغبةٍ دولية في ان تكون حكومة ما بعد الانتخابات النيابية توحي بالثقة وخصوصاً لجهة التوازنات التي ستحكمها، بمعنى ألا تكون عنواناً لتكريس نفوذ «حزب الله» لبنانياً، وأن ترتكز على سياسة «النأي بالنفس».
والواقع ان «الخطَر» الاقتصادي يكاد ان يكون «عنوان التحفيز» المشترك خارجياً وداخلياً لإنهاء الأزمة الحكومية التي اتخذت منحى جديداً قبل أسبوع مع إعلان الرئيس المكلف سعد الحريري تفاؤله بإمكان إنجاز التشكيلة «القابلة للحياة» في غضون عشرة أيام، قبل ان يعاودَ رئيس «التيار الوطني الحر» وزير الخارجية جبران باسيل في مؤتمره الصحافي يوم الجمعة فرْملة أجواء التفاؤل.
وتوقفت الأوساط السياسية عند كلام الحريري أول من أمس والذي بدا مؤشراً في جوهره، الى انه انتقل من موقع الدفاع الى الهجوم، مُحْبطاً المسار الذي كان يوحي بمسعى لمحاصرته عبر التلويح بـ «رسالة رئاسية» الى البرلمان أو التلميح الى اعتذاره عن التكليف تمهيداً لمعاودة تسميته بشروط جديدة وفق ما كان عبّر باسيل.
فالحريري، الذي حذّر في ما خص مؤتمر سيدر وفي معرض تشديده على ضرورة الإسراع بالتأليف من أنه «اذا مفكرين العالم حينطرنا منكون مخطئين»، لم يتوان عن رمي مسألةَ اعتذاره بوجه الجميع بإعلانه انه إذا قدّم اعتذاره عن عدم التأليف فلن يقبل تكليفه مرة ثانية، الأمر الذي حوّل هذه الورقة «سلاحاً تحذيرياً» في يده لوّح به للمعرقلين من مغبة استمرار المماطلة.
وكان لافتاً انه بعد كلام الحريري نشطت اتصالاته على خط محاولة معالجة عقدتيْ التمثيل المسيحي والدرزي، علماً ان الحركة نفسها توسعت باتجاه رئيس البرلمان نبيه بري الذي عاد واستقبل أمس النائب أكرم شهيب (من فريق الزعيم الدرزي وليد جنبلاط) الذي أعلن «عندما يصبح الكل جاهزاً لتقديم تنازلات لولادة الحكومة، يحكوا معنا»، في إشارةٍ ضمنيةٍ الى المرونة التي عبّر عنها جنبلاط حيال التمثيل الدرزي وقبوله بـ «تشارُك» الوزير الدرزي الثالث، وسط «أخذ وردّ» حول هوية الأخير وآلية تشارُكه، بعدما سلّم النائب طلال أرسلان بعدم توزيره مقترحاً الاحتكام في ما خص «الدرزي الثالث» إلى تسمية رئيس الجمهورية بالتعاون مع رئيس مجلس النواب.
وفيما كانت بعض المناخات توحي بأن ولادة الحكومة قد تكون مسألة أيام قليلة، فإن أجواء أخرى كانت أكثر حذراً معتبرة ان مفاوضات الأمتار الأخيرة ما زالت تحتاج الى روْتشات قد تتطلب المزيد من الوقت، ولا سيما في ظل رفْض حزب «القوات اللبنانية» أي تعاطٍ معه لا يأخذ بالاعتبار حقيقة تمثيله النيابي وسعيه الى مشاركة وازنةٍ وبحقائب دسمة تحت سقف لا يقلّ عن 4 وزراء (ومع نيابة رئاسة الحكومة).
وكان بارزاً أمس، حذَر بري الذي قارب ملف الحكومة وفق مقولة «ما تقول فول تيصير بالمكيول».
وقال إن البعض يتحدث عن «أجواء واعدة» في محادثات تشكيل حكومة جديدة، وإن مكتبه يشارك بفاعلية في الاتصالات الجارية في شأن هذه القضية رغم أنها تتطلب مزيداً من الوقت.
وأضاف أن الوضع الاقتصادي «دقيق للغاية» وحض الجميع على «تحمل مسؤولياتهم».