كتب وسام سعادة في صحيفة “المستقبل”:
تأتي استقالة سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي، التي ستدخل حيز التنفيذ نهاية هذا العام، في لحظة عالمية أقلّ ما يقال بصددها أنّها شائكة، سواء بالنسبة لمجمل الأوضاع في الشرق الأوسط، أو بالنسبة لمآل التشدّد الأميركي بإزاء إيران، على خلفية انسحاب واشنطن من اتفاق المجموعة الدولية السداسية مع الجمهورية الإسلامية، في أيار الماضي. هايلي، كانت متناغمة تماماً في الوتيرة، مع الرئيس دونالد ترامب في ما خصّ ايران، صقرية ولاذعة حادّة بالنسبة إلى روسيا وفلاديمير بوتين، بخلاف ترامب الذي له في هذا طلعات ونزلات، والذي يهمّه أن يحافظ على مساحة من الإزدواجية والإلتباس في العلاقة مع موسكو. وبالنسبة إلى إسرائيل، فاق التماهي بين مواقف هايلي وبين مواقف بنيامين نتنياهو أي اعتبار آخر.
مع هذا، فقد نُظر إلى هايلي منذ توليها هذا المنصب قبل عامين وإلى اليوم، على أنّها تجمع بين الحنكة السياسية والدقّة في التصويب وبين صقريتها اليمينية، هذا بخلاف مستشار الأمن القومي جون بولتن، المعروف عنه أكثر تهوّره في اللفظ، وعشوائيته في التصويب. يبقى أنّه في المجمل، كلما كان الموضوع هو روسيا لوحظ الاختلاف بين هايلي وترامب، وكلما كانت المسائل شرق أوسطية لوحظ التطابق بينهما.
لا علاقة جوهرية لحسابات التناغم والتمايز هذه بين ترامب وهايلي بقرار الأخيرة الإستقالة من منصبها الحالي، مثلما أنّ انسحابها في هذه اللحظة بالتحديد من الإدارة يختلف شكلاً ومضموناً عن الإستقالات والإقالات الكثيرة على رأس الإدارة في السنوات الأخيرة، وترامب يقول أنّ هايلي أطلعته على اعتزامها الإستقالة قبل نصف عام، وهي تقول بأنّها من الإساس ما كانت تنوي البقاء في الأمم المتحدة أكثر من عامين. تأتي استقالتها في مرحلة ما زالت الفضائح في الداخل تلاحق ترامب، لكن صار مستبعداً أكثر من ذي قبل أي تحرّك عازل للرئيس، كما أنّه بدأ العد التنازلي لإنتخابات 2020 الرئاسية في أميركا، أقلّه في حسابات الساسة، وهايلي في هذا المضمار تنفي نيتها الترشح ضد ترامب عندها، إنما ينظر لها في مناخ اليمين الجمهوري – المحافظ على أنّها “نجم” صاعد، وشعبيتها اليوم ضمن هذا المناخ تتفوق على شعبية ترامب، التي لم تتراجع رغم كل الفضائح التي طاولته وملف تواطؤ مساعديه مع الروس عشية الإنتخابات الرئاسية الماضية، ورغم النزيف المتواصل في إدارته.
نيكي هايلي، الحاكمة السابقة لولاية كارولينا الجنوبية هي نجمة اليمين الصاعدة في أميركا. في حساباتها، اختارت الإنسحاب من الإدارة في لحظة تحفظ لها نجوميتها هذه، لكن هل أن ابتعادها عن الضوء لفترة يمكنه أن يعود فيعزز حظوظ هذه النجومية لاحقاً، وفي استحقاقات أخرى؟ التبريرات التي قدمتها لقرارها بالاستقالة وصفت عموماً بغير المقنعة، قالت مثلاً أنها تريد الإهتمام بأطفالها، وهم طلاب جامعيون، وربما يكون الأكثر إقناعاً وضعها المادي، المثقل بالديون على ما نشرته الصحف الأميركية، يبقى أنّ إدراك هايلي بأنّ اليمين المحافظ يحتاج دائماً إلى صناعة “نجوم” له، وأنّها مرشّحة للعب دور مستقبلي أعلى بكثير من حدود تمثيل بلادها في مجلس الأمن، لا يمكن أن يغيب عن دوافعها.
هايلي من أصل هندي، سيخي، بنجابي، وكان قد عبّر المرشح للرئاسة ميت رومني عام 2012، المنتمي الى طائفة المورمون، عن رغبته في اقتراحها نائبة للرئيس، ورفضت في حينه، مثلما أنّها في الإنتخابات السابقة، لم تكن في صفّ دونالد ترامب في التمهيديات داخل الحزب الجمهوري، ومع ذلك اختارها الأخير للأمم المتحدة. قدرتها على الجمع بين أصل غير أوروبي أبيض، مع أنّها تعتبر نفسها تدين بالبروتستانتية الميثودية، مثلما تحيي شعائر السيخية، وبين الإنتماء إلى معسكر اليمين المحافظ، وتمايزها عن الشخصيات الشعبوية (سارة بيلين، دونالد ترامب) في نفس الوقت، رغم راديكاليتها اليمينية، كل هذا صنع حولها هالة.
بانتظار معرفة الإسم البديل عن نيكي هايلي كمندوب للولايات المتحدة في الأمم المتحدة وأمام مجلس الأمن، الأرجح أنّ الإدارة الأميركية الحالية فقدت شخصية كاريزمية “باب أول”، كانت في الوقت نفسه تتناغم مع الرئيس وتتمايز، وتوحي في الوقت عينه أيضاً إما بمستقبل أعلى ضمن ادارته (وزارة الخارجية) أو بطموح أبعد. مع انسحاب هايلي، إدارة ترامب ستشبهه أكثر من ذي قبل، فهايلي كانت تأخذ بعين الإعتبار كلاً من مواقف الرئيس من ناحية ونبض المؤسسة الحاكمة الجوفية في أميركا من ناحية ثانية. وفي تاريخ العلاقات بين موسكو وواشنطن، ندر أن رأينا مسؤولاً أميركياً يحمل بهذا الشكل اللاذع والحاد على روسيا، وبشكل متواصل ومثابر. وفي الوقت عينه الذي كان لهايلي مواقف ضد بشار الأسد أو الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو أو ضد ايران، ناهيك عن توعّدها بالحرب الشاملة ضد كوريا الشمالية قبل عام ونيف، فإنّها لخّصت المرحلة الأولى من رئاسة ترامب بشكل مكثّف حين قالت بأنه، رغم كل هذا التشدّد، “لا نرمي الى تغيير أي نظام في العالم”. هل تتبدّل هذه المعادلة “بالتزامن” مع انسحاب نيكي هايلي؟