IMLebanon

الأسد يعدّ جيشه المنهك ليحل محل إيران في سوريا

يبدو الرئيس السوري بشار الأسد على وشك إنهاء الحرب الأهلية الدامية لصالحه، لكنه بات في حاجة إلى المزيد من المقاتلين أكثر من أي وقت مضى، بعدما أصبحت مساحات شاسعة من الأراضي السورية تحت سيطرة الجيش، الذي لا يستطيع القيام بعملية مسك الأرض في كل تلك المناطق عن بعد.

بالتوازي، يأمل الأسد في الاستعداد لاستعادة محافظة إدلب، التي لا تزال تقع تحت سيطرة هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا) وفصائل متشددة وأخرى معارضة تحظى بدعم تركي. ورغم مساهمة اتفاق، توصلت إليه تركيا مع روسيا في سبتمبر الماضي لمنع اجتياح المحافظة، في إنقاذ المعارضة المتحصّنة بمعقلها الأخير هناك، يبدو أن الاتفاق أنقذ قوات الأسد أيضا.

وتراجع عدد الجيش السوري إلى أدنى مستوى منذ حرب أكتوبر 1973. وأدّت انشقاقات واسعة النطاق في صفوف الجيش، بالإضافة إلى ارتفاع عدد القتلى، الذي يقدر بعشرات الآلاف، إلى تراجع قدرة الجيش في كفاحه للمحافظة على مكانته كأكبر قوة تتمتع بالنفوذ العسكري على الأرض.

لكن نجاح الجيش في السيطرة على أغلب المناطق التي كانت تقع تحت سيطرة المعارضة أو تنظيم داعش منح الأسد فرصة للضغط على إيران من أجل تخفيف حضور ميليشياتها ونفوذها في المدن السورية.

لكن هذا الواقع الجديد جعله يدرك أن المسؤولية باتت تقع على عاتق الجيش بشكل أساسي في ملء الفراغ الذي تتركه خلفها قوات حزب الله الشيعي اللبناني وميليشيات عراقية وأفغانية وباكستانية مدعومة من إيران.

واضطر ذلك الحكومة السورية إلى إعادة النظر في العقوبات المنصوص عليها في قانون خدمة العلم رقم 30 لسنة 2007 (قانون آداء الخدمة العسكرية) من أجل تشجيع المزيد من المنشقين على العودة إلى صفوف الجيش دون عقاب.

وأعلنت الحكومة السورية الثلاثاء عفوا عن الفارين من الخدمة العسكرية أو الهاربين من التجنيد ومنحتهم شهورا لتسليم أنفسهم وإلا سيواجهون عقوبة.

والخوف من التجنيد أو احتمال التعرض للعقوبة بسبب التهرب منه أو الفرار من الخدمة العسكرية من الأسباب المتكررة التي توردها جماعات الإغاثة كأسباب رئيسية لعدم رغبة اللاجئين في العودة إلى ديارهم.

وقال الأسد، في مرسوم أصدره على مواقعه الرسمية للتواصل الاجتماعي، إن العفو يشمل جميع العقوبات المتعلقة بالفرار من الخدمة العسكرية سواء داخل سوريا أو خارجها.

وجاء في المرسوم “الرئيس (بشار) الأسد يصدر مرسوما تشريعيا بمنح عفو عام عن كامل العقوبة لمرتكبي جرائم الفرار الداخلي والخارجي المنصوص عليها في قانون العقوبات العسكرية“.

وتابع “المرسوم لا يشمل المتوارين عن الأنظار والفارين عن وجه العدالة إلا إذا سلموا أنفسهم خلال 4 أشهر بالنسبة إلى الفرار الداخلي و6 أشهر بالنسبة إلى الفرار الخارجي. كما يقضي المرسوم أيضا بمنح عفو عام عن كامل العقوبة في الجرائم المنصوص عليها في قانون خدمة العلم رقم 30 لعام 2007 وتعديلاته“.

تواجه إيران ضغوطا دولية كبرى من أجل إجبارها على تقليص نفوذها في سوريا. وشملت هذه الضغوط حلفاء لها، كتركيا وروسيا، اللتين استثنتا إيران من اتفاق إدلب، وهو ما يعني تراجعا كبيرا لنفوذها في شمال سوريا.

ويترك ذلك الجيش السوري وحيدا للقيام بمهمة صعبة في منطقة تضم أكثر من 3 ملايين مدني، بالإضافة إلى فصائل وتنظيمات امتلكت خبرة كبيرة في القتال على مدى 7 سنوات من الحرب، وتحذيرات دولية من استخدام الأسلحة الكيميائية، ومن التبعات الإنسانية للمعركة إذا وقعت.

وعلى عكس العشرات من اتفاقات وقف إطلاق النار وفقا لآلية أستانة في درعا والغوطة ودمشق وحمص وغيرها التي انتهكتها قواته في الماضي، يبدو أن الأسد بحاجة إلى هذا الاتفاق، على الأقل حتى يتمكن من تعزيز جيشه المتهالك.

ويشعر النظام السوري بيأس شديد تجاه المجندين الجدد، مع اقتراب معركة إدلب، لا سيما بعد أن غيرت الدولة قواعد اجتياز امتحانات الجامعة دون أن تعلم الطلاب لأول مرة، في محاولة لفرض التجنيد على الطلاب الذكور قبل التخرج.

وقالت طالبة في دمشق، رفضت الكشف عن هويتها، إن 70 بالمئة من دفعتها، المكونة من 300 طالب، رسبوا في امتحاناتهم هذا الصيف عن قصد سعيا لتأخير التحاقهم بالخدمة العسكرية. غير أن فترة العفو المعتادة لإعادة امتحانات الملاحق قد ألغيت دون سابق إنذار، ومع ذلك فإن أصدقاءها الذكور الآن معرضون للتجنيد.

وغادر إيلي (23 عاما) دمشق متجها إلى بيروت عبر الحدود اللبنانية بعد فشله في عامه الثاني في الجامعة وبعد أن تم استدعاؤه للخدمة العسكرية الشهر الماضي. وعلى الرغم من ذلك، لا يزال بإمكان إيلي تجنب الالتحاق بالخدمة مقابل دفع مبلغ 8 آلاف دولار. لكن مثل معظم السوريين في هذه المرحلة، لا تملك عائلته المال.

يقول إيلي “الحال هنا ليس جيدا، لكنه أفضل بكثير من إضاعة سنوات من حياتي وأنا غارق في الدم والقتل. ابن عمي التحق بالخدمة العسكرية على مدى السنوات الخمس الماضية، ولا نرى حتى الآن نهاية لهذه المدة. أُصيب بجروح بالغة ثلاث مرات وخسر أكثر من 50 من أصدقائه. لا أستطيع تحمل ما يستطيع هو فعله، لذا لا يمكنني العودة“.

ويعتقد الكثير من الطلاب السوريين أن بلدهم لن ينعم بالأمن والاستقرار حتى لو تمكّن الجيش من السيطرة على إدلب.

رغم إعلان الأسد في وقت سابق من العام الجاري تسريح أول دفعة من المجندين الذين التحقوا بالجيش مع بدء الأيام الأولى للحرب في عام 2011، لا تزال عملية مسك الأرض، إلى جانب معركة إدلب تشكلان هاجسا أمنيا واستراتيجيا كبيرا للأسد. وحتى مع تدفق أعداد الطلاب الذين يمكن تجميعهم من حرم الجامعات، فإن فرص أن يصبح جيش الأسد قادراً على استعادة إدلب دون مساعدة طهران وموسكو، لا تزال بعيدة.

لم يتم حشد القدرات العسكرية للطلاب السابقين والمقاتلين المتمردين السابقين الذين تم تجنيدهم، كما أن أغلب الجنود الأكثر خبرة استنفدت طاقتهم، حيث تم تجنيد البعض منهم وظلوا يقاتلون دون توقف منذ ذلك الحين.

ومع استعادة النظام السيطرة على سوريا، انتشرت قواته الآن في كل من مناطق المعارضة السابقة والأراضي التي كانت تقع تحت سيطرة داعش. ويقدر أن القوة التي ستقتحم إدلب تتكون من 20 إلى 25 ألف جندي، في حين يوجد في إدلب ما لا يقل عن 70 ألفا من فصائل المعارضة والتنظيمات المتشددة الأخرى.

وقال دبلوماسي أوروبي “ستكون إدلب معركة قوية بالنسبة إلى النظام. ومن المحتمل أن يتكبد الجيش خسائر فادحة لأنه لن يدفع بقوات النخبة في هذا الخط الأمامي. كما أن إيران أيضا غير ملتزمة الآن بالقتال في هذه المنطقة“.

وترى روسيا وإيران وحزب الله أن أدوارها العسكرية في سوريا انتهت بعدما أصبح الأسد في مأمن. وتواجه هذه القوى جميعها ضغوطا محلية كبيرة للانسحاب من العمليات المكلفة والدموية في سوريا.

وأكثر من يريد منها الرحيل اليوم هو الأسد، الذي باتت إيران وقواها الرئيسية في سوريا تمثل بالنسبة إليه ضغطا سياسيا وعملياتيا كبيرا. ويريد الأسد زيادة عدد المقاتلين في صفوف الجيش حتى يصبح بإمكانه استلام المناطق التي لا تزال بحوزة إيران وحزب الله. كما أن ضعف النظام أعطى فصائل المعارضة في إدلب جرعة ثقة جديدة.

وقال محمود عبّي، الناطق باسم شرطة إدلب الحرة، “إدلب هي آخر مكان تعيش فيه الثورة. ليس لدينا مكان آخر للذهاب إليه. نحن مستعدون للقتال إذا تم انتهاك اتفاق وقف إطلاق النار“.

وإذا رفضت الجماعات الإسلامية المتشددة في إدلب نزع سلاحها وفشل وقف إطلاق النار، فمن غير المحتمل أن يستطيع النظام محاكاة تكتيكات الهجوم على حلب والغوطة. ومع ذلك، فإن تصاعد حملة الاستنزاف يتطلب من الأسد أن يعزز معنويات جيشه وقيادته بشكل كبير.

ولسنوات، قامت وسائل الإعلام الحكومية والمؤسسة السياسية والدينية في سوريا بتشويه سمعة مئات الآلاف من الرجال السوريين الذين غادروا البلاد لتجنب التجنيد واعتبروهم خونة أكثر من المعارضين. لكن الإعلان المفاجئ هذا الأسبوع، عن استعداد الحكومة للعفو عن المنشقين خلال الأشهر الستة المقبلة غير المعادلة في الداخل تماما.

وصُمم هذا القرار لإغراء العائلات الغنية بدفع غرامات والعودة إلى ديارهم، حتى إنْ ظل التجنيد أمرا ممكنا. ومع اقتراب الحرب من نهايتها، قد يكون العديد من السوريين الذين يشعرون بالحنين إلى وطنهم على استعداد لاستغلال هذه الفرصة.

ويقول هادي (25 عاما)، طالب الهندسة الذي ذهب إلى بيروت من اللاذقية في خريف هذا العام، إنه لا يعتقد أن الأمر يستحق ذلك. وأضاف “لو كنت الآن في سوريا، لالتحقت بالخدمة العسكرية الإلزامية دون أدنى شك. كل شيء فوضوي هناك، حيث لا توجد شهادات علمية ولا وظائف، فقط تجنيد ثم موت“.