سرت بعد مؤتمر “سيدر” شائعة أن المؤتمرين سألوا كيف يطلب اللبنانيون مساعدات ويأتي مسؤولهم إلى باريس بطائرات خاصة؟
هذا الكلام وقد كنت شخصيا هناك لم أسمعه، ولكنني سمعت بوضوح من ممثلي دول شاركت في هذا المؤتمر، انهم يفتشون عن أصوات غير الأصوات الرسمية التي تحاول أن تظهر للمجتمع الدولي أن الأمور ستكون على ما يرام، وان الخطط والبرامج التنموية والاستثمارية والإصلاحية ستنفذ.
لقد كان الأميركيون أشد المطالبين بالأصوات المعترضة كي يسمعوا الوجه الآخر للبنان، وجه الفساد والصفقات، وجه المحاصصة والعمولات غير الشرعية، فهم يدركون مع غيرهم جيدا كيف يتصرف المسؤولون اللبنانيون وكيف تمرس بعض هؤلاء في خداع المجتمع الدولي الذي اكتشف خداعهم، ولذلك وضع شروطا ومعايير للإلتزام بمقرارات “سيدر” ووصل به الأمر إلى مجموعة مراقبة تشرف على صرف القروض وتنفيذ المشاريع.
لقد تعرض مؤتمر “سيدر” للخداع منذ اليوم الأول عندما حمل لبنان إلى المؤتمرين موازنة يحلو للبعض وصفها بالإنجاز وهي في الحقيقة إعجاز في العجز والخداع.
لقد أقر لبنان موازنة 2018 تحت ضغط “سيدر” لأنها كانت مطلبا دوليا لا بد منه، وكان هذا الطلب يركز على نفحات إصلاحية لم تر النور في تلك الموازنة. فالحكومة اللبنانية ومن أجل الذهاب بعجز مخفف إلى باريس حذفت مبلغا من الإعتمادات التي كانت كهرباء لبنان قد طلبتها لشراء المحروقات للمعامل، فالرقم المطلوب كان قد تجاوز ال 2700 مليار ليرة. هكذا عمد مجلس الوزراء إلى تخفيضه 600 مليار وقيل لوزير الطاقة إن هذا الإجراء هو لزوم مؤتمر “سيدر” وفي النهاية سنعطي ما حذفناه ولكننا لا يمكن أن نذهب إلى المجتمع الدولي بعجز كبير.
الخداع الآخر في العجز كان في سلسلة الرتب والرواتب وقد قدرت أرقامها بـ1200 مليار، ولكن الحقيقة تقول بأن أرقامها ارتفعت إلى توقعات غير مسبوقة وان المشكلة الان تكمن في كيفية معالجة تداعيات هذا الرقم.
خداع في الداخل وخداع في الخارج، ولا يمكن لهذه السياسة أن تنقذ لبنان مما هو مقبل عليه لأن بعض المسؤولين امتهنوا أمرين: دفن رؤوسهم في الرمال والهروب إلى الأمام، ولا يتورعون عن وصف هروبهم بالإنجاز أو الانتصار.