كتبت البروفيسور غريتا صعب في صحيفة “الجمهورية”:
دخل قسم من العقوبات الأميركية حيز التنفيذ في شهر اب الماضي، لكن العقوبات التي يحتمل ان يكون لها الاثر الاكبر على ايران هي التي سوف تدخل حيز التنفيذ في شهر تشرين الثاني عندما تستهدف هذه العقوبات صادرات النفط الايرانية.
بدأت بلدان كثيرة بضغط واسع من الولايات المتحدة الحد من استيراد النفط الايراني. ومن المتوقع ان تؤثر العقوبات الجديدة على نحو 1.5 مليون برميل يوميا من صادرات ايران. لذلك نلاحظ ان الاسواق بدأت تستوعب ولو ببطء آثار الخسارة في اسعار النفط الخام.
وقد ارتفع سعر البرميل الى ما فوق الـ80 دولارا، وهو أعلى مستوى له منذ اربع سنوات. وهناك اعتقاد بأن منظمة البلدان المصدرة للنفط لديها القدرة لتعويض خسارة النفط الايراني.
وتشكّل المرحلة الثانية، والتي سوف تدخل حيز التنفيذ الشهر المقبل، المرحلة الأكثر أهمية كونها تشمل القطاع الاكبر في الاقتصاد الايراني، والذي يشكّل قلب الاقتصاد، ويساوي حجمه حوالي 36 مليار دولار اميركي. وقد جاءت كلمات Pompeo ومفادها ان الولايات المتحدة مستعدة لاستخدام العقوبات على صادرات النفط الايراني لتصل الى الصفر.
يعتبر تطبيق العقوبات على إيران واغلاق صادراتها من شأنه ان يفتح الباب امام المنتجين الاميركيين على زيادة الصادرات وعلى وجه التحديد الى الاسواق الأسيوية التي تسيطر عليها الان الامدادات الإيرانية بما في ذلك كوريا الجنوبية وتايلاند وسنغافورة.
وهنا يبدو هذا التحليل غير مؤكد ويرجع ذلك الى ان الولايات المتحدة لا يمكنها تغطية ما تصدّره ايران الى الخارج ولاسيما الصين والهند.
وقد تكون العراق المستفيد الاكبر من هذه العقوبات. وتحاول ايران ما في وسعها للحفاظ على العملاء، واتخاذ التدابير المشجعة لهم في ظل تراجع الاستيراد من قبل الدول سيما الصين والهند، حيث انخفضت الواردات الصينية بمقدار 200 الف برميل يوميا الى نحو 615 الف برميل.
وقلصت كوريا استيرادها الى الصفر في الشهر الماضي كذلك فعلت الهند التي انخفضت وارداتها من 706 الف برميل يوميا الى 204 الف برميل يوميا.
لذلك هدّدت ايران بإغلاق مضيق هرمز الذي يعبره يوميا ما يزيد عن المليون برميل من النفط في العالم كمحاولة أخيرة لمنع حدوث 4 تشرين الثاني. ويعتبر هذا الخيار بمثابة اعلان الحرب على الولايات المتحدة وحلفائها.
والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم ما هي الحلول التي تراها ايران مناسبة في ظل هذا الجو المتوتر والذي يعني فيما يعنيه اعادة ايران طوعا الى حلبة المحادثات التي يتذرّع بها ترامب من اجل اعادة صياغة الاتفاق النووي الايراني والامور لغايته سيئة كفاية، اذ انه وفور اعلان ترامب عن ان الولايات المتحدة ستنسحب من اتفاق تاريخي حدث في العام 2015 للحد من برنامج ايران النووي وانه سوف يعيد فرض عقوبات مالية على الجمهورية الاسلامية، ورغم تصريحات الهند المستورد الرئيسي للنفط الايراني بأنها لا تتبع سوى عقوبات الامم المتحدة وليس فرض جزاءات من جانب واحد، ورغم تصريحات من القادة الاوروبيين والاسيويين في دعم ايران، يبدو ان اقتصاد اميركا هو الطاغي. وقد صرّحت العديد من الشركات الكبيرة في شأن مخارج او خطط للخروج من ايران.
من جهتها، قالت شركة النفط الفرنسية توتال انها ستنسحب من صفقة قيمتها مليار دولار تعهدت بها لإيران كذلك الشركة الصينية cncp وشركة ميرسك التي اعلنت انها اعطت الاولوية للعمل مع الولايات المتحدة وليس واضحا لغاية الان متى ستوقف مرسيك جميع العمليات مع ايران.
من جهتها، اشارت بيجو الى انها ستنسحب من إيران اذا لم يتم الحصول على الاعفاءات من العقوبات، وهنالك Honeywell و lukoil وغيرها من الشركات العالمية التي بدأت تعدّ لعملية خروج اذا لم تتراجع الولايات المتحدة عن هذه العقوبات.
ولم تعد الحلول التي يحاولون ايجادها مضمونة رغم ان الصين انضمت الى روسيا والاتحاد الاوروبي في اقامة نظام الدفع الخاص لانقاذ صفقة ايران النووية، ولكن باستخدام نظام مدفوعات غير الدولار لا يعمل لسبب وحيد فقط وهو انه يعرّض الدول المصدرة للبترول لمخاطر سعر الصرف الامر الذي لم تواجهه هذه الدول منذ عقود عدة.
ويرى Fanis matsoupolos الخبير في الشحن ومستشار غرفة التجارة والصناعة في اثينا ان هناك مشكلتين مع الـyuan وتضخيم مخاطر اسعار الصرف: احدها تضخم السوق العقاري في الصين والذي يمكن ان يخلق دومينو على النظام المصرفي ويزعزع استقرار هذا النظام. كذلك هناك ظلال النظام المصرفي المالي في الصين والذي يمكن ان ينفجر في أية لحظة مما يقوض كذلك قيمة اليوان.
بالاضافة الى ذلك، هناك مشاكل اليورو المطروح كبديل لنظام الدفع بالدولار الاميركي، ومنها عدم التجانس المالي بين دول الاتحاد الاوروبي ومشكلة اختلاف النمو بين دول الاتحاد الاوروبي مثل اليونان وايطاليا والبرتغال، والتي تواجه مشاكل عدة منها انخفاض معدل النمو الحقيقي ومشكلات في الحصول على الاموال لإعادة تمويل الديون السيادية أضافة الى عدم الاستقرار السياسي.
لذلك وببساطة لا يوجد نظام دفع يمكن أن يحلّ محل الدولار الاميركي في تجارة النفط في هذه المرحلة. لذلك شئنا أم أبينا كل دولة من الدول التي تشارك في التجارة بالدولار يجب ان تكون متوافقة مع خط اميركا السياسي، الامر الذي يعقد الامور أكثر ويدفعها باتجاه الاصطفاف مع الولايات المتحدة الأميركية في عمليه اعاده العقوبات رغم عدم اقتناع الجميع بها.
وما أمرت به محكمة العدل الدولية برفع العقوبات المفروضة على إيران سوى انتصار رمزي لطهران، علما ان العقوبات تنتهك معاهدة الصداقة والعلاقات الاقتصادية بين إيران والولايات المتحدة والتي وقّعت في العام 1955 عندما كان البلدان حليفان. ولا يمثّل حكم المحكمة سوى انتصار جزئي لطهران في حين ان قرار المحكمة ملزم، فانه ليس من الواضح ما اذا كانت الولايات المتحدة سوف تلتزم به.
ونتيجة لذلك فان طهران ما زالت تجد صعوبات في اقناع شركائها التجاريين الدوليين في التعاون معها. ولكن المهم هو ان إيران لديها الكثير من الامكانيات والقدرات حتى في غياب اي رد لغاية الان من قبل السلطات الاميركية، وفي ظل التجاذبات الدولية التي ليست من صالح ترامب وحملاته العدائية تجاه دول العالم دون تمييز.