كتب ريمون شاكر في صحيفة “الجمهورية”:
تأتي الذكرى الثانية لانتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، فـي مرحلة هي من أصعب المراحل التي تمرّ بها البلاد والـمنطقة. فالعدوّ الإسرائيلي، وعلى رغم نشر صواريخ «إس 300» الروسية فـي سوريا، لا يزال يهدّد بحرب إستباقية ضدّ ما وصفه النفوذ الإيراني فـي لبنان وسوريا وغزة، وبتدمير ما إعتبره مصنع سلاح إيرانياً أو أكثر يُقام على الأراضي اللبنانية فـي منطقة يسيطر عليها «حزب الله». وقال وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان إنّ إسرائيل لم تعد تميّز بين «حزب الله» ولبنان.
هذه التهديدات لا تخيف اللبنانيين الذين تعوّدوا صلف العدوّ الإسرائيلي وخداعه، ولكنها تخيف المستثمرين والسيّاح وتؤثّر تأثيراً كبيراً على الحركة الإقتصادية.
إلى جانب هذا التحدّي الخارجي الذي يواجهه العهد، إضافةً إلى العقوبات الأميركية المتوقعة على «الحزب»، هناك تحدٍّ داخلي لا يقلّ أهمية، لأنه يتعلّق بتشكيل السلطة التنفيذية. وكل المؤشّرات لا تبشّر بانفراج قريب، لأنّ التشكيلة الحكومية تتداخل فيها طموحات رئاسية وسلطوية، وعناصر محلية وخارجية متشابكة.
فالبشرى التـي أطلقها رئيس الحكومة المكلّف من قصر بعبدا والذي حدّد مهلة عشرة أيام لولادة حكومة الوحدة الوطنية، نسفها وزير الخارجية جبران باسيل في اليوم التالي محدِّداً معايير جديدة في توزيع الحقائب لا تراعي المبدأ الذي إنطلق منه الحريري، وهو تشكيل حكومة متوازنة تحفظ خصوصية كل المكوّنات ولا تسبّب شرخاً عميقاً فـي مجتمعنا المشرذم.
خلال السنتين المنصرمتيـن نجح العهد في ملفات عدّة وفشل فـي ملفات أخرى. أمّا أهمّ الإنجازات التي تحقّقت:
– تحرير الجرود من «داعش» و»النصرة»، وتحصين الوضع الأمني بفضل الجيش والأجهزة الأمنية.
– إنجاز قانون جديد للإنتخابات إعتمد «النسبية» للمرة الأولى بعد تأجيلها 3 مرات.
– إقرار الموازنة، بعد غياب 12 عاماً، وإقرار سلسلة الرتب والرواتب.
– التعيينات في المراكز العسكرية والأمنية بعد التمديد، وشملت أيضاً السلكين الديبلوماسي والقضائي كما بعض المراكز الإدارية.
– في المقابل، لم ينجح العهد بإلغاء المحاصصة والفساد. فبدل من أن يأتـي «التيار الوطني الحرّ» ببقية القوى إلى ملعب التغيير والإصلاح اللذين رفع شعارهما، ذهب هو إلى ملعبهم وشاركهم في لعبتهم التي أتقنوها وبرعوا فيها منذ زمن بعيد، وهي المحاصصة فـي التشكيلات، إلى التخبّط في ملفات الكهرباء والإتصالات والنفايات وغيرها، وما نتج عنها من هدر وفساد. كذلك حامت شبهات كثيرة حول فساد في عدد من المناقصات التي أجرتها بعض الوزارات.
– فشل العهد فـي إلزام «حزب الله» بوضع سلاحه تحت إمرة الدولة وبالإنسحاب من القتال فـي سوريا، وفـي إعادة العلاقات اللبنانية – العربية إلى سابق عهدها، بسبب تدخّل «الحزب» فـي سوريا واليمن. وهكذا، لـم يعد لبنان يتمتع بسياسة خارجية مستقلّة بل إنزلق فـي المحور المعادي للدول العربية والخليجية.
– أمّا الموازنة، فإنها أُقرَّت من دون قطع حساب، كما أنّ معظم الوزارات تجاوزت موازناتها المقرّرة، ما زاد العجز والمديونية.
– وفي قانون الإنتخاب الجديد، فأول مَن طالب بتعديله هو الوزير جبران باسيل، وأول مَن نعاه الرئيس نبيه بري، وأول مَن رفضه الشعب وقاطعه.
ـ في مرسوم التجنيس الذي تضمّن أسماء مشبوهة وأخطاء إدارية فاضحة كشفها المدير العام للأمن العام، طُمس الملفّ وتوقف الحديث عنه.
– فـي ملفّ النازحين، بقيت الأمور على حالها ولا تزال أعداد العائدين رمزية، فـي ظلّ آليات عشوائية متّبعة لإعادتهم لا تختلف كثيراً مع السياسة الفوضوية التي انتهجتها الدولة منذ إنطلاق موجات النزوح.
– وفـي ملفات الكهرباء والماء والطرق والنفايات والإتصالات والتلوّث البيئي والوضع المعيشي، كان الفشل ذريعاً، ولم تعالج أيّ مشكلة يعاني المواطن منها.
– أمّا عن الحريات وعمليات التدجين ضدّ الناشطين والإعلاميين، فلم يتحمّل فريق العهد الصوت المُعارض ولم يوفَّق فـي مقاربة هذه المسألة الحسّاسىة التي تعني كثيراً اللبنانيين، من قضية مارسيل غانم إلى قضية أصغر ناشط سياسي وإعلامي إستدعاه القضاء.
– وكشفت السنتان المنصرمتان مدى عمق الهوّة بين «التيار» وبقية المكوّنات اللبنانية الأخرى، بدءاً بـ»القوات» و»الكتائب» و»الـمردة»، وصولاً إلى «المستقبل» و «أمل» و «الإشتـراكي».
– أمّا الوضع الإقتصادي، فازداد سوءاً ووصل إلى شفيـر الإنهيار في ظلّ غياب الخطّـة الإقتصادية الشاملة، واستمرار العجز والهدر والفساد، بالإضافة إلى تراجع النموّ، وتراجع الإنتاج فـي القطاعات الصناعية والتجارية والزراعية. لقد تخطّت البطالة الـ40 فـي المئة، وبحسب البنك الدولي وصلت إلى 60 في المئة فـي أوساط الشباب، وهناك 30 في المئة من اللبنانيين يعيشون تحت خطّ الفقر.
وبلغ العجز في موازنة 2017 أربع مليارات ومئتي مليون دولار، وهذا العجز سيرتفع في موازنة 2018 إلى نحو 6 مليارات من الدولارات، وهذا يعني أنّ الدين العام سيرتفع إلى نحو 85 مليار دولار، وربـما أكثر.
فـي الكلمة التي ألقاها بعد إنتخابه قال رئيس الجمهورية صراحةً إنه أتى«فـي زمن عسيـر»، مشيراً إلى ضرورة تخطّي الصعاب وليس التآلف والتأقلم معها. وفي «خطاب القَسَم» قال «إنّ الإصلاح الإجتماعي – الإقتصادي، لا يمكن له أن ينجح إلّا بإرساء نظام الشفافية عبر إقرار منظومة القوانين التي تساعد على الوقاية من الفساد وتعيين هيئة لمكافحته، وتفعيل أجهزة الرقابة وتمكينها من القيام بكل أدوارها».
خلال سنتين، لا يجوز أن نحكم على العهد بالفشل، كما فعل النائب السابق وليد جنبلاط، ولكن كوننا حريصين على نجاح العهد وعلى تحقيق ما ورد فـي خطاب القَسَم، لأنه السبيل الوحيد لإنقاذ الوطن، فإننا نناشد فخامة الرئيس العمل على تطبيق شعار «مِن أين لك هذا»، ووضْع حدّ لجميع الذين يُمعنون في تشويه صورة العهد ولو كانوا أقرب المقرّبين إليه.