كتبت صحيفة “اللواء”:
لا تتوقف المتابعة كثيراً عند المهلة التي حدّدها سعد الحريري بوصفه رئيساً مكلفاً تأليف الحكومة الجديدة والتي انقضت، وسط أسئلة بالغة الصعوبة، في خضم صراع، غير مسبوق بين نجم «المجتمع المسيحي فوق كل اعتبار»، و«احمل صليبك واتبعني»، والذي صار «مجرم سلم»، بعدما كان مجرم حرب، والمقصود سمير جعجع، الذي، على منوال ما فعله بشير الجميل، الذي صار رئيساً للجمهورية، غادر كلية الطب في الجامعة الأميركية، قبل ان ينال شهادة الدكتوراه، والتحق بصفوف «القوات اللبنانية» مقاتلاً.. ليصبح الآن، المنافس الحقيقي لميشال عون، الذي صار رئيساً للجمهورية، وتياره على زعامة «المجتمع المسيحي».
وصف الجرمية، يُمكن ان يكون أحد ابداعات الشاب الصاعد، أو المقتحم للجّة السياسة اللبنانية، والآتي، من الجامعة الأميركية، ولكن مهندساً، ومن الشمال الماروني، ولكن من ثقافة «الفينيقي القديم»، الذي ركب البحر، ليعمّر قرطاجة، ويمدّ حضاراته في افريقيا، وثمّة مَنْ يعتقد انه اهدى للبشرية جمعاء الأبجدية، واكتشف العالم الجديد، أميركا، القارة التي تقود العالم اليوم، قبل البحارة، المجازف كريستوف كولومبوس، وأنا لا اذهب في الاتجاه نفسه، سواء في ما خصَّ اكتشاف الأبجدية (ثمّة اكثر من 6000 لغة اليوم في العالم)، ولا في ما خصَّ اكتشاف أميركا، القارة ذات مساحة 42 مليون كلم2..
يُمكن ان تكون إبداعات جبران باسيل، الطامح، ليس إلى الوصول إلى رئاسة الجمهورية، بل إلى وضع التيار الذي اسسه العماد ميشال عون، في مسيرته القاسية من قيادة الجيش إلى الحكومة العسكرية، وحربي التحرير والإلغاء، في مرتبة نصف قرن أو جيل كامل، بوصفه القائد «للمجتمع المسيحي» الذي صار مشرقياً، معتبراً نفسه، هو المخلص، تحت شعارات الشراكة والميثاقية، وإعادة المسيحيين إلى الدولة وإنهاء زمن الإحباط، والوصاية السورية، والمنفى، ووضع اليد على جملة من الوزارات والمؤسسات العامة والخاصة، من زاوية لنا القرار، ليس بالتقسيم، أو الانفصال، أو اللامركزية السياسية، ولا بالإنكفاء، بل بطريقة واحدة، استخدام «العقل الفينيقي» ليس لغزو العالم، عبر البحار، وعبر السفن التجارية، وليس الحربية، وجملة الأساطير عن عشتار وأدونيس، وكل معزوفات المجد والعظمة، التي لم تحوّل سعيد عقل من شاعر كبير إلى شاعر قومي لبناني، فينيقي، يستوي مع «هومير» أو فرجيل، أو دانتي، وغيرهم من فرسان الشعر التاريخي.
هنا، في مربع الصراع على الزعامة المسيحية من المدفون إلى نهر الكلب، تكمن أزمة تأليف الحكومة، وهناك في مربع الصراع على القرار اللبناني، في ظل رئاسة الرئيس «القوي» تكمن أزمة الشراكة بين المتقدم إلى الساحة، ويحتل نقاط استراتيجية في معادلة السلطة (التيار الوطني الحر) ومؤسسه، وزعيمه الطموح، وبين المتوثب إلى البقاء في «السراي الكبير»، حيث أعاد والده الشهيد بناء مركز السلطة أو القرار في بيروت، ايذاناً بطي صفحة المارونية السياسية، وميثاق الثنائية الذي صيغ عام 1943، والمقصود سعد الحريري، رئيس الحكومة التي تصرّف الأعمال، و«صانع» أو شريك التسوية الرئاسية، التي أنهت الفراغ الرئاسي، الذي اعقب انتهاء ولاية الرئيس العماد ميشال سليمان عام 2014.
يجاهر «الزعيم المسيحي» الصاعد بأن التسوية مع تيّار «المستقبل»، الذي يرأسه الحريري، ويرأس كتلته النيابية ويكاد يحصر القرار بشخصه، وثلة قليلة من معاونيه أو مستشاريه الخلَّص، (من أمثال غطاس خوري وباسم السبع)، بعد تجربة مريرة، قادته إلى مجاهل في التجربة، لم تكن تخطر على باله، في يوم من الأيام، ولا حتى في خيالات شهريار أو شهرزاد.
يضرب الحريري، الإبن، يده على الطاولة بمناسبة، وبغير مناسبة، ليقول أنا الرئيس المكلّف، وصلاحياتي الدستورية تقضي بأن أشكل الحكومة، وأوقع مراسيمها بالاتفاق مع رئيس الجمهورية..
في الاشتباك الحاصل، يحيّد الحريري الرئيس المكلّف «فخامة الرئيس» عن الصراع مع فريقه، ولبّ الصراع هذا، حدود الشراكة، وحدود الصلاحية.
لم يُدرك جبران باسيل، ان الحريري بعد الانتخابات والتجربة التي عصفت به في خريف عام 2016، قد انقضت واستخلصت دروسها، وان الحريري المكلف تشكيل الحكومة، ليس في الموقع الضعيف.. فهو استعاد المبادرة، داخل مشروعاته، وتياره، وعلى ساحته، وأعيد الاعتبار له في بيئته، وعاد «الزعيم السنّي» الأوّل بلا منافس، في ظل انتظارات دولية، جعلت بقاءه على رأس السلطة الاجرائية مطلباً استقرارياً، في السياسة، والأمن، والاستثمار والاقتصاد.
بعد عودته من يريفان، خطب باسيل في ذكرى 13 ت1، وهو التاريخ، الذي خرج فيه عون من قصر بعبدا إلى السفارة، فإلى إحدى ضواحي باريس، منفاه الاجباري، بعد انتهاء التمرد، وانتخاب النائب الياس الهراوي رئيساً لأول جمهورية، يحكم بعد الطائف (خلفاً للرئيس الشهيد رينيه معوض)، قال باسيل ان حكومة الوحدة الوطنية، تبقى هدفاً، سنسعى إليه بشق النفس.
وعاد الرجل، يتراجع، بانتظار فرصة جديدة للإنقضاض..
المشكلة، ليست اعداد الحقائب لأولئك الذين يمثلون الطوائف (وليس بالضرورة خير تمثيل)، بل في خيارات السلطة.
نعم، من المؤكِّد ان أية «حكومة تسوية» ستحكم لوقت قصير.. وستصطدم بمسار «القرار لمَنْ»، القوانين، التعيينات، الخيارات.
لا رؤية موحدة، المسألة، مَن يهيمن، مَن يحكم.. والأبعد كيف الخروج من المأزق.. بعد قمّة يريفان، استبعد لحين خيار إسقاط التكليف في المجلس (وهي خطة صاغها النائب ايلي الفرزلي). وبقي الاتجاه لحكومة يرأسها الحريري، ولكن، متى، وكيف، لا أحد بإمكانه، لا التوقع، ولا التنبؤ.؟!