كتب محمد بالوظه في صحيفة “اللواء”:
يشكّل مؤتمر «سيدر» اليوم خشبة الخلاص، التي تتمسّك بها الحكومة اللبنانية لانتشال لبنان من أزمته الاقتصادية التي تعصف به، والتي تهدد كيانه برمته، وبالرغم من تضمّن مؤتمر «سيدر» رزمة من التوصيات الاقتصادية، والتي تتساوى كلها من حيث الأهمية، إلا أنّ قطاع الكهرباء لا يزال يمثل الركن الأساسي لأي إصلاح تنشده أي حكومة جدية، وذلك لما لهذا القطاع منذ انتهاء الحرب الأهلية لغاية يومنا هذا من أثر بالغ في تنامي المديونية العامة، حيث بلغ إجمالي عجز الكهرباء حوالى 36 مليار دولار اميركي، ما يمثّل حوالى 45% من إجمالي الدين العام الذي تجاوز 80 مليار دولار.
وباستعراض سريع لقطاع الكهرباء في لبنان، نلاحظ أنّ مؤسسة كهرباء لبنان تمتلك حصرية الإنتاج في سبعة معامل حرارية، تعمل على الفيول والديزل والغاز، في الذوق والجية وصور وبعلبك والزهراني ودير عمار والحريشة، حيث تبلغ الطاقة الإنتاجية المُفترضة لهذه المعامل هي 2038 ميغاوات، ولكن فعلياً تنتج 1685 ميغاوات كحدٍ اقصى، كما تملك المؤسّسة ثلاثة معامل إنتاج على الطاقة المائية، وهي معامل الليطاني، ومعامل شركة نهر البارد، ومعامل نبع الصفا، والقدرة الانتاجية لهذه المعامل 2206 ميغاوات، ولكن فعلياً لا تُنتِج هذه المعامل مثل هذه الكمية.
إضافةً للحصرية في قطاع الإنتاج، تُدير مؤسّسة كهرباء لبنان شبكة واسعة من خطوط النقل الرئيسية، يبلغ طولها 1615 كلم، منها 1336 كلم هوائي و279 كلم تحت الارض، ولكنها في الوقت ذاته تحتاج الى وصلات إضافية، خصوصاً وصلة المنصورية الهامة، علماً بأنّ مؤسّسة كهرباء لبنان تخسر 45% من هذه الطاقة المُنتجة عن طريق الهدر، ويعتبر لبنان الاول بين الدول العربية من ناحية الهدر، لكن لبنان لا يعاني من الهدر الفنيّ للطاقة التي تقدر بـ 15% فقط، بل من الهدر الناتج عن سرقة 25% من الطاقة المُنتجة، وعدم تحصيل 5% من الفواتير الصادرة، رغم تلزيم (او خصخصة) الصيانة والجباية التي قامت بها مؤسسة كهرباء لبنان لشركات خاصة ابتداءً من العام 2010.
أما اليوم، فيُقدّر إنتاج لبنان من الطاقة الكهربائية حوالى 2300 ميغاواط، بينما تقدّر حاجة لبنان من الطاقة بـ3500 ميغاوات. هذا وقد لحظت موازنة العام 2018، عجزاً بقيمة 4.1 مليارات دولار لتأمين الجزء الاكبر من النقص الحالي. وتشير الدراسات الى ازدياد حاجة السوق تدريجياً خلال الاعوام المقبلة بمعدل حوالى 3% سنوياً، حيث ستصل كمية الطلب على الطاقة خلال ساعات الذروة في العام 2023 الى 4153 ميغاوات وفقاً لخطة Master Plan التي تم إعدادها مع مؤسسة كهرباء فرنسا، ومن المفترض اضافة قدرات انتاجية لمواكبة هذه الزيادة من خلال الطاقة المتجددة.
إزاء هذا الواقع المرير، وجدت الحكومة اللبنانية نفسها أسيرة حلول محدودة، وذلك سعياً منها لوضع حد لهذا النزيف المالي، ولعل أبرز العلاجات الفورية، والتي تسعى الحكومة اللبنانية لتنفيذها، هو فتح بعض أقسام سلسلة انتاج الكهرباء للمنافسة عبر السماح للشركات الخاصة بإنتاج الكهرباء وتوزيعها للمستهلك النهائي مباشرة مع ابقاء الاحتكار لقطاع نقل الكهرباء على اعتبار أنه يتطلب بناء وصيانة شبكة من خطوط التوتر العالي. إضافة إلى ذلك يجب على الحكومة اللبنانية أن تعمد إلى إعادة وضع تسعيرات جديدة حتى يكون الزبائن والمنتجون على بيّنة من أين يستثمرون ومتى يرشدون من استهلاكهم، اضافة الى تحفيز المواطنين لاستخدام الطاقات المتجددة والسعي الى توليد الطاقة الكهربائية من معامل النفايات التي تقف الدولة عاجزة حتى اليوم عن ايجاد أي حل مستدام لها، ناهيك عن ضرورة محاربة الفساد وتحسين الادارة وكف يد السياسين وصراعاتهم عن مؤسّسة كهرباء لبنان.
ولعل المثال الواقعي الذي يمكن أنْ يُحتذى به هو مثال دولة جورجيا التي كانت في العام 2004 تعاني من 19 ساعة من التقنين يومياً، ونسبة 30% من الجباية الفعلية وتستورد الكهرباء من الدول المجاورة، بالإضافة إلى دين وفساد كبيرين. وفي العام 2006، استطاعت جورجيا عبر تحسين الشفافية وتحرير القطاع، الحصول على 24 ساعة من الكهرباء ونسبة 96% من الجباية الفعلية، وأصبحت اليوم تصدر الكهرباء.
هذا المثال يجب أن يدفع الحكومة اللبنانية والتي تبحث اليوم عن ايرادات جديدة وتخفيض الانفاق الى تبنيه والعمل فوراً الى استنساخه لعله يكون الملف الأول الذي يكون مناقضا لتوقعات البنك الدولي الذي عبّر في تقرير سابق له عن صعوبة تغيير الواقع الحالي في لبنان، معتبراً أن إصلاح قطاع الكهرباء في لبنان لا أمل فيه.