تحقيق رولان خاطر
لم يخرق اي جديد ملف المخطوفين في سوريا على الرغم من حساسية هذا الملف وإنسانيته. بعض من ينادون بإعادة السخونة إلى طريق بيروت – دمشق، يركزون على أمر واحد، الإعمار، ومع ما يعنيه من استثمار مادي وأرباح مالية ضخمة، فيما المخطوفون اللبنانيون في سوريا، أينما وجدوا، لم يلفتوا إحساس مسؤولي الدولة اللبنانية.
المصوّر سمير كسّاب من بين هؤلاء المخطوفين، الذين غدرتهم ظروف الحرب، والذي مر على اختطافه 5 سنوات. فبينما كان يعمل على تصوير المأساة الانسانية وآلام أطفال سوريا لنقلها إلى العالم، أصبح هو الخبر الذي ينقل للعالم، لكن من دون أن يلتقط له احد أي صورة.
مراحل قضية سمير كسّاب!
في 15 تشرين الأول 2013، خطف سمير كسّاب في حلب ومن ثم تم نقله إلى الرقة مقر تنظيم “داعش” في سوريا.
في العام 2014، تأكيد يصدر عن الصحافي الفرنسي نيكولا هينان، والذي كان مخطوفاً نحو 10 أشهر لدى “داعش”، أن كساب حيّ، ويقول: “سمير كساب كان جاري في الزنزانة”.
في الـ2014 أيضاً، فرنسا وإسبانيا تتمكنّان من تحرير صحافيّيها لدى “داعش” بعد مفاوضات مع الجهة الخاطفة. الصحافيون الفرنسيون هم ديدييه فرنسوا، وإدوار إلياس، ونيكولا أينان وبيار توريس. أما الصحافيون الاسبان، هم خافيير اسبينوزا وهو مراسل صحيفة “إل موندو” الإسبانية والمصور المستقل ريكاردو غارسيا فيلانوفا، والصحافي مارك مارخينيداس.
في العام نفسه، تحركت همّة الدولة اللبنانية، فلجأت العائلة إلى الجهة الأكثر ثقة بين أركان الأمن في لبنان، المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم الذي خرق مرة الصمت، قائلا: “هناك جهد قد نلمس ثماره في قضية اللبناني المخطوف في سوريا سمير كساب”، متوقعا رؤيته قريبا في مقر عمله في “سكاي نيوز”. كان ذلك الكلام خلال حديث تلفزيوني في حزيران 2014. ومذذاك، لا جديد.
وتقول خطيبة سمير رزان حمدان في إحدى مقابلاتها في العام 2017: “إنّ المعلومات متوقّفة منذ سنة ونصف عندما قال لهم اللواء ابراهيم إنّ سمير “قربِت رَجعتو على بيتو وعلى شِغلو” وعندها تفاءَلنا بأنه ما زال على قيد الحياة وبصحّة جيّدة”.
في العامين 2015 و2016 عاشت العائلة على أمل المفاوضات، من دون أن يصلها أي جديد عن مصير سمير.
في كانون الثاني 2017، حمل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ملف سمير كسّاب إلى قطر، حيث تمنى على أمير قطر الشيخ تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني أن تواصل بلاده جهودها للمساعدة في معرفة مصير كساب والمطرانين بولس اليازجي ويوحنا إبرهيم، فكان وعد من الامير بمواصلة الجهود في هذا المجال، على رغم “دقة الموضوع وحساسيته”.
وفي أواخر آب 2017، يعلن الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله أن المصوّر سمير كساب والمطرانين بولس اليازجي ويوحنا إبرهيم ليسا عند “داعش”، ولا نعرف عنهم شيئاً، وذلك بناءً على المفاوضات التي تمّت بين “الحزب” و”داعش”.
أين ضمير المسؤولين؟
معرفة مصير سمير كساب من مسؤولية الدولة اللبنانية. وعلى الرغم من بحث القضية مع الجانب القطري، إلا أنّ مبادرات السلطة اللبنانية والديبلوماسية اللبنانية بقيت خجولة، لا بل تحت خط المسؤولية بكثير، فلم نشهد أي تحرك فعال من قبلهم لاستعادة كساب، فيما رأينا دويلة “حزب الله” تفتح قنوات التفاوض مع “داعش” وتسترد كل أسراها لديه. والسؤال، لماذا هناك مواطن درجة اولى ومواطن درجة ثانية؟ وهل كان ليترك حزب الله كساب أسيرا لو كان ينتمي الى صفوفه؟ طبعا لا.
يقول جورج كساب شقيق سمير لـIMLebanon، إن لا شيء جديداً بشأن مصير سمير، فمنذ فترة طويلة لم يتحرك الملف. حاولنا ان يكون سمير من ضمن صفقة التبادل التي تمت أخيرا في عرسال، لكن من دون أن ننجح، مشيرا إلى ان لا علم لديه عن المعطيات التي يملكها السيد حسن نصرالله بشأن كلامه بأن سمير ليس موجودا لدى “داعش”.
يؤكد كسّاب أن التواصل مع اللواء عباس ابراهيم مستمر ولو بطريقة متقطعة، فابراهيم محط ثقة وهو استلم الملف منذ البداية. وعن سبب تفاؤل اللواء ابراهيم في فترة من الفترات وقوله بأن سمير سيعود قريباً، نفى كساب علمه بكيفية المعلومات التي كانت تصل الى اللواء أو حتى الجهة او الوسيط الذي كان يتم التفاوض معه، إلا أنه اكد أن اللواء ابراهيم وعدهم في ذلك الوقت، اي منذ الـ2014، بأن المسألة باتت مسألة أسبوع أو أسبوعين وتُحلً، إلا أن شيئاً لم يطرأ، ولم نعرف الأسباب، خصوصا ان اللواء ابراهيم متكتم ولا يكشف لنا تفاصيل المفاوضات التي يقوم بها.
أما في ما خص التدخل القطري في هذا الملف، خصوصا أنه اودع من قبل رئيس الجمهورية ميشال عون في زيارته الأخيرة للدوحة لدى الأمير القطري، يقول كساب: “لا جديدا على هذا الصعيد، لا من قبل قطر ولا من قبل الدولة اللبنانية”، مشيرا الى انهم تلقوا معلومات غير رسمية مفادها بان دول قطر لا تريد التدخل في هذا الملف.
وذكّر بأن العائلة تحركت اكثر من مرة على الخط القطري وحتى على الخط التركي، فقابلنا السفيرين القطري والتركي في لبنان، ولكن من دون جدوى.
يلقي كساب عتبا كبيرا على الدولة اللبنانية التي اعتبرها انها لا تقوم بواجبها بشكل مسؤول وجدي، فهناك العديد من الأبواب يمكن متابعتها ربما من خلالها يتم معرفة مصير شقيقي، إلا أن كل الكلام الذي يقوله المسؤولون يبقى كلاما اعلامياً من دون رصد اي نتائج عمليه له. فمنذ فترة ليست بطويلة، سلّم الأميركيون مديرية مخابرات الجيش اللبناني ثمانية لبنانيين كانوا يقاتلون في صفوف تنظيم “داعش”، بالتزامن مع تسليمهم القيادي اللبناني في تنظيم “الدولة الإسلامية” طارق الخياط للعراقيين، والذي صدر حكم بإعدامه، وبالتالي، ألا يمكن للدولة اللبنانية ان تستوجب من هؤلاء عن مكان وجود سمير؟ لربما عرفوا مكانه او مصيره.
من يسأل عن خطيبة سمير، رزان حمدان، هي موجودة ومستمرة بالنضال. فالقضية انسانية محض بالنسبة اليها، والأمل موجود بأن يعود ابن حردين اليها وإلى اهله، وتقول لـIMLebanon: “ناطرين سمير يرجع”. لكنها تعرب عن خيبتها من “كسل” المسؤولين اللبنانيين الذين لم يكونوا على قدر طموحات أبنائهمن فهل يجوز ان تترك قضية سمير من دون معالجة جدية في حين أن دول العالم كفرنسا واسبانيا وغيرهم أعادوا ابناءهم من الخطف. وتضيف: “لا متابعة للقضية من قبل الدولة. والجواب يكون دائماً: “متلكن ناطرين”.
وفيما لا نتائج ايجابية عكسها وضع الملف في أجندة القطريين من قبل قصر بعبدا، زارت العائلة الرئيس المكلف سعد الحريري، الذي وعدهم خيرا بحسب رزان، داعية اللبنانيين جميعاً إلى الوقوف والتحرك من اجل سمير، والكل مسؤولون، من الدولة إلى الأحزاب إلى المجتمع المدني إلى كل المنظمات المدنية والانسانية والجمعيات الحقوقية.
الاحد المقبل كل لبنان سيرفع صلواته من أجل سمير كساب. سيكون كل لبنان مع وقفة تضامنية مع المصور الشاب تنظمها بلدية حردين، وبحضور شعبي وسياسي وديني كبير. على أمل ان يصل صوت وجع ومعاناة سمير وأهل سمير الى ضمير المسؤولين اللبنانيين، فيعتبرون سمير ابنا من ابنائهم، فيتحركون لكشف مصيره. فإن كان حيا، كل لبنان سيحيا، وكل لبنان سيفرح، وأمه “القديسة” التي لا تترك مسبحتها، ستكون بالتأكيد بانتظاره راكعة امام عتبة البيت “وبتضوي سراج الزيت”.