كتب نقولا ناصيف في صحيفة “الأخبار”:
من دون افراط في التفاؤل، يصح القول في الاتصالات المهمة الدائرة بعيداً من الاضواء بين الافرقاء المعنيين مباشرة بتأليف الحكومة، انها لم تكن ـ منذ اليوم الاول للتكليف ـ جدية كالآن ومستعجلة
لم تتوقف في عطلة نهاية الاسبوع المشاورات في اكثر من اتجاه، بعدما كُشف عن دخول رئيس الجمهورية ميشال عون على خطها، وتوليه في الساعات القليلة المنصرمة شطراً رئيسياً منها.
افضت المعطيات الاولية عن المشاورات تلك الى الآتي:
1 – قطع تذليل العقدة الدرزية شوطاً بعيداً، ويكاد يقترب من خواتيمه بموافقة النائب السابق وليد جنبلاط على الاكتفاء بمقعدين طلب لهما حقيبتي التربية والزراعة. في المقابل تخلى النائب طلال ارسلان عن توزيره، على ان يصير الى ترشيح درزي ثالث مستقل عنه وعن جنبلاط، على ان يتوافقا على تسميته، ولا ينضم الى اي كتلة، ولا يُعد في حصة اي فريق.
2 – تتجه حصة حزب القوات اللبنانية الى الاكتفاء بثلاثة وزراء بدلاً من اربعة، بعدما بدا ان معيار احتساب وزير لكل خمسة نواب اضحى مرجعية تحديد التمثيل في الحكومة الجديدة، وبات الرئيس المكلف سعد الحريري في عداد متبني هذا المعيار. بذلك يُعهد الى حزب القوات اللبنانية في ثلاث حقائب هي نيابة رئاسة الحكومة والشؤون الاجتماعية – يُنظر الى تصنيفها على انها مماثلة للحقائب الرئيسية – والثقافة. تخلى رئيس الجمهورية لها، للمرة الثانية على التوالي، عن نيابة رئاسة الحكومة، وبات من غير الوارد بالنسبة اليه العودة، حتى الآن على الاقل، الى المقاعد الاربعة، الا في حال رضيت القوات اللبنانية بحقيبة دولة.
عندما وافق رئيس الجمهورية على التخلي عن نيابة رئاسة الحكومة، إعتبرت هذه رئيسية، ما يحرم حزب سمير جعجع من اي من الحقائب الست المصنفة رئيسية كالصحة (حزب الله) والطاقة (التيار الوطني الحر) والاتصالات (تيار المستقبل) والتربية (الحزب التقدمي الاشتراكي) والاشغال العامة والنقل (تيار المردة التي يجبه تنافساً تفاوضياً عليها اكثر منه جدّياً) والعدل (رئيس الجمهورية).
3 – بُذلت في الساعات القليلة المنصرمة جهود لاعادة وصل ما بدا منقطعاً بين رئيس الجمهورية وجنبلاط. مع ان لا قطيعة بينهما، ولا خلافاً مباشراً حتى، ولم يسبق للزعيم الدرزي ان شنّ حملات على عون او انتقده بعنف شأنه مع افرقاء آخرين، الا ان التباعد ساد علاقتهما من دون ان يكون الرئيس بالذات طرفاً فيه. وهو نجم عن تداعيات الانتخابات النيابية في دائرة الشوف ـ عاليه، وتنافس الحزب التقدّمي الاشتراكي والتيار الوطني الحر، ناهيك بتحالفاتهما وصولاً الى غليان الارض في بضع محطات لاحقة جراء اخطاء غير مبرّرة.
حينما صرّح جنبلاط الاسبوع المنصرم بدعوته الى تسوية يشترك فيها الجميع، ويتنازلون جميعاً، كانت اشارة اضافية الى فتح صفحة جديدة في العلاقة بينه والرئيس، وبين الحزبين على الارض. لاقى الزعيم الدرزي بادئ بدء التدخّل المباشر للرئيس الشهر الفائت بدعوته حزبه الى وقف السجالات والاجتماع مع الطرف الآخر وتبريد الارض، بتحية. ثم لاقى عون دعوة جنبلاط الى تنازلات متبادلة بتحية مماثلة. ويبدو ان لقاءً محتملاً للرجلين قد يقع في اي لحظة.
4 – استقرت حصة رئيس الجمهورية على اربعة وزراء مسيحيين (ابرز حقائبهم العدل مجدداً جراء اصراره على ابقائها لديه) وخامس سنّي، في مقابل وزير مسيحي في حصة الحريري طلب ان يكون غطاس خوري مرة اخرى. الى الوزراء المسيحيين الخمسة هؤلاء، للتيار الوطني الحر وحلفائه ستة وزراء زائداً وزيراً مسيحياً لتيار المردة، فيتبقى ثلاثة وزراء مسيحيين لحزب القوات اللبنانية. القسمة نفسها في الـ15 وزيراً مسلماً: 6 لثنائي حزب الله – حركة أمل زائداً ستة للحريري (بينهم مسيحي بفعل المقايضة وعون) زائداً ثلاثة وزراء دروزاً.
5 – خلافاً للاعتقاد الشائع بأن معارضة حزب القوات اللبنانية حصة غير مرضية يُعطى اياها قد تحمله على الامتناع عن المشاركة في الحكومة، يقع في غير محله. في صلب النزاع الناشب بينه والتيار الوطني الحر على المقاعد، سعيه المستمر الى الحيلولة دون حصول رئيس الجمهورية وحزبه على الثلث+1 اكثر منه مطالبته باربعة او خمسة مقاعد او اربع حقائب حتى. مجرد حصول عون وحزبه على 11 مقعداً يجعل حصة الحزب الندّ سلفاً ثلاثة مقاعد، وهو ما يعانده اذ يمسي المقعد الـ15 لتيار المردة. في ذلك مغزى تلميح القوات اللبنانية الى حصر حصة الرئيس وتياره بـ10 مقاعد (4-6 او 7-3)، فيما يجزم عون بطلب خمسة وزراء له.
فحوى الذريعة ان لا يمتلك طرف واحد الثلث+1 في الحكومة، ما يجعله يتحكم بنصاب انعقادها وقراراتها المنصوص عليها في المادة 65 من الدستور. واقع الامر، تبعاً لما يجهر به التيار الوطني الحر، انه وحلفاؤه يقتربون من النصاب الاكبر والاكثر فاعلية، الاكثرية المطلقة، داخل الحكومة التي يحوي ضمناً الثلث+1.
يتصرّف حزب القوات اللبنانية بمقدار عال من التعقل، يجعله لا يغامر بخروجه من السلطة – وقد خبر ذروة دوره فيها في حكومة تصريف الاعمال – كي يستعيد التجربة المكلفة لجعجع، عندما قاطع المشاركة في حكومتي 1990 و1992، ثم في حكومة الرئيس رفيق الحريري بعد مقاطعته انتخابات 1992، كي يتكبّد الكلفة الاغلى بعد سنتين حتى عام 2005. لم تكن كذلك قليلة التأثير امتناعه عن المشاركة في حكومة الرئيس تمام سلام عام 2014.
6 – اكثر من اي وقت مضى، يتمسك الرئيس المكلف بتعاونه مع رئيس الجمهورية ويثق به، وينظر اليه على انه «حبل نجاة» حقيقي لدوره وموقعه في المعادلة الداخلية، المقبلة على تحوّلات اقليمية غامضة. جرّب الحريري عون في محنته في 4 تشرين الثاني 2017 في الرياض، وخروجه منها بفضل وقوف الرئيس الى جانبه. الآن يبدو اكثر التصاقاً به، واكثر استعداداً للتفاهم معه على الحكومة الجديدة والمرحلة المقبلة من الحكم.