كتبت جويل رياشي في صحيفة “الأنباء” الكويتية:
في مثل هذا اليوم 17 أكتوبر 1889 ولد «ناسك الشخروب» الأديب والمفكر اللبناني ميخائيل نعيمة. وفي مثل هذا اليوم من كل سنة، يفتح منزله الشتوي في الزلقا للزوار والمحبين. يدخلون الى البيت ويشعرون كأنه لايزال هنا، رغم مرور 31 سنة على غيابه في 28 فبراير 1987عن 99 سنة و4 أشهر.
في هذه الشقة أمضى الـ 19 سنة الأخيرة من حياته، وقد حولتها سهى ابنة بنت شقيقه (نجيب) الراحلة مي، متحفا سيلفظ أنفاسه الأخيرة في بداية السنة الجديدة، إذ ستنتقل أغراض نعيمة الى منزل جديد في المطيلب بالمتن الشمالي لأسباب تتعلق بقانون الإيجارات القديم، وتحول المبنى غير القابل لفرز وحداته السكنية الى مكان لسكن الطلاب بتقسيم شققه الفسيحة الى وحدات صغيرة تمهيدا للاستيعاب.
تعبت سهى مدرسة اللغة الانجليزية في جامعة هايغازان من ظروف الإقامة الجديدة. «بدأت أفقد روح المكان.. هذا المبنى لم يعد كما كان» هي التي تعيش مع بقايا الدهان الذي يعود الى أيام عم والدتها الذي تناديه بـ «جدو ميشا»، وتحتفظ بمقتنياته الشخصية وآخر ما تيسر له كتابته على علب السجائر وعلى كل قصاصة صغيرة توافرت أمامه. لقاء سنوي يتكرر ويكثر الزوار الذين يتوافدون عبر دعوات على وسائل التواصل الاجتماعي. جواب سهى يكاد يسبق السؤال عن اقتصار الأمر على المبادرة الفردية، ذلك ان العائلة فضلت عدم إقامة مؤسسة تحمل اسم الأديب الكبير، ورفضت دعوة أحد الوزراء بقيام الدولة بتملك المنزل الشتوي.
عاش نعيمة في الشخروب ببسكنتا حيث تمثال صخري كبير لوجهه في جرد المتن الشمالي حتى بلوغه الثمانين، ثم نزل الى الساحل وأقام سنة ونيف في الجديدة بالمتن الشمالي، ومنها انتقل الى المنزل الحالي في الزلقا بساحل المتن ايضا. فيه عاش الحرب اللبنانية وقصد ملجأ المبنى مرات عدة، ونال البيت نصيبه من شظايا القذائف. أغراضه الشخصية موضبة تمهيدا لنقلها الى المطليب، وسريره لا ينام فيه إلا ابن شقيقه نديم فيما خصص السرير الآخر لابن شقيقه نجيب. تضع سينتيا، إحدى الزائرات للبيت – المتحف والمولعات بأدب النعيمة، يدها على صدرها من شدة تأثرها بعظمة المكان كلما اكتشفت زاوية من زوايا البيت وتردد كلمة «نيالك» على مسامع سهى المقيمة مع هذه الذكريات الثمينة.
لم يذع صيت نعيمة في الغرب بقوة لأنه كتب كتابا واحدا فقط بالإنجليزية (مرداد) وتولى بنفسه ترجمته الى اللغة العربية، خلافا لزميله في الرابطة القلمية ابن بلدة بشري جبران خليل جبران الذي كتب بالإنجليزية «لعالم نهم على القراءة»، بحسب سهى. تحسم المقارنة بين الكبيرين لمصلحة مؤلف «النبي»، أكثر الكتب مبيعا وقراءة، والنتيجة ان عالمنا العربي لا يقرأ!
امتدت هجرة نعيمة من فلسطين مرورا بروسيا (له نصب ورسائل خطية في متحف الفيلسوف تاراس تشفتشينكو في أوكرانيا) فالولايات المتحدة. نال السل من جبران في ريعان الشباب فيما عاش نعيمة عمرا مديدا.
كل زاوية في البيت لها حكايتها تحكيها سهى بشغف متغلبة على دموع عالقة بين جفونها: هنا كان يكتب، هذا سريره، هنا كان يجلس في السهرة، هنا كانت امي تحلق له ذقنه. الصور العائلية تملأ الجدران وكذلك المخطوطات والرسائل.. لا يستطيع الزائر أن يتخيل أن هذا البيت لن يستمر بيت ميخائيل نعيمة بعد أقل من شهرين! كانت الذكرى الـ 127 لولادة نعيمة في ١٧ أكتوبر هي الأخيرة في الزلقا، مع موعد جديد في المطيلب ابتداء من يناير المقبل، دائما في المتن الشمالي موطن نعيمة.