كتب نذير رضا في صحيفة “الشرق الأوسط”:
عكست المباحثات الأخيرة للتوصل إلى تفاهم حول توزيع الحقائب الوزارية صراعا بين القوى السياسية على 6 حقائب، توصف بأنها «وازنة»، بالنظر إلى أهميتها السياسية، وحجم موازناتها الكبيرة أو أهميتها من ناحية رفد الدولة اللبنانية بالإيرادات، إضافة إلى طابعها الخدماتي، رغم أن بعضها، مثل وزارة الطاقة، يضع الفريق الذي يتولاها في موقع الاتهامات بالفشل على ضوء الاستمرار في أزمة انقطاع الكهرباء، التي تكلف لبنان إنفاقاً ضخماً.
وفيما بات محسوما أن وزارة الطاقة من حصة «التيار الوطني الحر»، ووزارة الصحة من حصة «حزب الله»، والاتصالات من حصة «المستقبل»، انحصرت النقاشات في المربع الأخير حول 3 حقائب، هي التربية والتعليم العالي والعدل والأشغال العامة والنقل، وعقّدت مهمة الرئيس المكلف سعد الحريري لتوزيعها بين 4 فرقاء يطالبون بها، هم «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» و«الحزب التقدمي الاشتراكي» و«تيار المردة».
وفي حكومة تتألف من 30 وزيراً، يرأسها رئيس من الطائفة السنية، يبلغ عدد الحقائب السيادية 4، هي حقائب ذات وظيفة سياسية، تتمثل في الداخلية والخارجية والدفاع والمالية، وتتقاسمها عرفا منذ العام 2005 الطوائف الأربع الكبرى، وهي الموارنة والسنة والشيعة والأرثوذكس. كما يبلغ عدد الحقائب الوازنة 6. أما الحقائب الخدماتية فيبلغ عددها 11 حقيبة، تتنوع من حيث الأهمية وفق ميزانيتها السنوية، فيما يبلغ وزراء الدولة من دون حقائب 8، وهو التقسيم الذي انطبق على الحكومة الأخيرة.
وتتألف الحقائب الوازنة من 6 حقائب، وتتضمن الأشغال العامة والنقل، والطاقة والمياه، والاتصالات، والصحة، والعدل والتربية والتعليم العالي. وتقسم تلك الحقائب مناصفة بين المسلمين والمسيحيين، بحيث تكون في الغالب حقيبة للسنة وأخرى للشيعة وأخرى للدروز، بينما تكون هناك حقيبة للموارنة، وأخرى للأرثوذكس، وأخرى للكاثوليك أو الأرمن. ويُخرق العرف في بعض الأحيان بحيث يمكن أن تحصل طائفة من تلك الطوائف السبع على حقيبتين موزعتين لتكتلين برلمانيين مختلفين، وتلعب الاتفاقات بين القوى السياسية دورا في إحداث خرق.
وينطلق الصراع على الحقائب الوازنة من كونها وزارات خدماتية، تسهم إلى حد كبير في تجيير مقدم الخدمات للأصوات الانتخابية لصالحه، كما يقول خبراء. ومع أن بعضها، مثل وزارة الاتصالات، لا تستحوذ على كمية كبيرة من إنفاق الموازنة، فإنها تعد وزارة أساسية؛ لأنها تدر أموالا طائلة على الخزينة، وهي مسؤولة عن إدارة الشركات التي تستثمر في القطاعات من الدولة، في حين تعد وزارات أخرى مهمة بالنظر إلى أن حجم الإنفاق فيها مرتفع جداً، مثل وزارة التربية التي تحتل الموقع الثاني من الوزارات الأكثر إنفاقا بعد وزارة الدفاع في الموازنة العامة. وتليها وزارة الصحة، ثم الأشغال، والعدل والطاقة، علما بأن الأخيرة، وعبر مؤسسة كهرباء لبنان، تعد من أكثر القطاعات إنفاقا وعبئا على الخزينة.
ومع أن مشكلة الكهرباء التي كلفت الحكومة اللبنانية أكثر من 30 مليار دولار منذ تصاعدها في التسعينات، ويتعرض أي فريق يتولاها لاتهامات بالفشل بسبب استمرار مشكلة انقطاع الكهرباء، فإن «التيار الوطني الحر» يتمسك بها. واعتبر عضو تكتل «لبنان القوي» النائب ماريو عون أن وزارة الطاقة «باتت مرغوبة الآن بالنسبة للبعض، منذ أن تسلمها التيار الوطني الحر وحقق فيها إنجازات وإنتاجية على صعيد الوطن، حتى باتت بمصاف الحقائب السيادية»، لافتا إلى أن الإنجازات التي تحققت «كان يمكن أن تكون أكثر أهمية لو كان هناك تعاون على الصعيد الحكومي لإنجاز جميع المشاريع المقدمة».
ذلك، على الرغم من أن أطرافا أخرى تعد بتحقيق إنجازات أكبر في الوزارة لو تسلمتها. قال النائب عون لـ«الشرق الأوسط»: «بالنسبة لنا، الإنجازات مستمرة، وستتضاعف الإنجازات أكثر لتحقيق مشاريع على مستوى الكهرباء وبناء السدود»، لافتا إلى «أنه من هنا تأتي المطالب بأن تبقى من حصتنا، ونصرّ على أن تبقى كذلك»، من غير أن ينفي حق الآخرين بالمطالبة بها.
من جهة أخرى، باتت وزارة العدل الآن محل تجاذب بين الأطراف، وتمثل محور صراع بين «التيار» و«القوات»، رغم أن هذه الوزارة غير خدماتية، وهي تعد من الوزارات التي تثقل كاهل الدولة بالإنفاق عليها، لكن أهميتها تنطلق من كونها سياسية، ومن دورها ورمزيتها. ويشرح وزير العدل الأسبق إدمون رزق ذلك بالتأكيد على أن هذه الوزارة «هي من أهم الوزارات، لأنها المرجعية الإدارية للسلطة القضائية، ولا تمتلك إمرة على القضاء».
وقال رزق لـ«الشرق الأوسط» إن وزير العدل ليست له أي سلطة على القضاء الذي يعد سلطة مستقلة، خلافا لوزير الداخلية الذي يأمر الأجهزة الأمنية مثلا والإدارات الرسمية الأخرى التابعة له، موضحا أن دور وزير العدل «سياسي وإداري، ويمثل الإدارة المسؤولة عن سلامة السلطة القضائية وعن استقلاليتها وحريتها». وقال: «أعمال السلطة القضائية غير خاضعة لإمرة وزير العدل، فالتفتيش القضائي هو من ضمن جسم القضاء، لكن وزير العدل يعطي أوامر للنيابات العامة للتحرك، علما بأن النيابة العامة هي ليست قضاء حكم بل قضاء طلب، بمعنى أنها لا تحكم، بل تتخذ التدابير». ويضيف شارحاً: «وزير العدل له صلاحيات إعطاء توجيهات للنيابة العامة، لكن لا صلاحية له للكلام مع أي قاض بأي دعوة».
وعلى غرار وزارة الطاقة، تعد وزارة الأشغال من أكثر الوزارات جدلية، بالنظر إلى أن حجم إنفاقها كبير نسبياً، وترتسم علامات استفهام كبيرة حول وظيفتها، فالطرف السياسي الذي يتولى هذه الحقيبة يستفيد منها بتقديم خدمات تنعكس إيجابيا على شعبيته في مواسم الانتخابات. وبسبب تلك الاتهامات، سيكون الطرف السياسي الذي يتولى هذه الحقيبة عرضة للمساءلة والاتهامات، ما يجعل توليها مغامرة، إلا إذا كانت المشاريع التي تنفذها تتسم بشفافية كبيرة.
ورغم مطالبة «التيار الوطني الحر» بأن تكون من حصته، ينظر النائب ماريو عون إلى هذه الحقيبة من زاوية مختلفة، رافضا حصرها بالأشغال العامة و«تعبيد الطرقات». وقال إن المطالبة بها أيضا تنطلق من أنها مرتبطة بقطاع النقل والطيران، والخطط لحل أزمة المرور. واعتبر أنه «كان هناك نوع من التعاطي غير الكافي مع اللبنانيين»، موضحا أنه «كانت هناك فئوية في التعاطي مع أفرقاء دون سواهم لجهة تعبيد الطرقات أو سواها من مهام الوزارة».