كتبت بولا أسطيح في صحيفة “الشرق الأوسط”:
أظهرت الاشتباكات الدامية التي شهدها مخيم «المية ومية» للاجئين الفلسطينيين الواقع في جنوب لبنان، مطلع الأسبوع، أن مخيم «عين الحلوة» الواقع في المنطقة نفسها ليس وحده الذي يشكل بؤرة أمنية قد تنفجر في أي لحظة مهددة البلدات والمدن اللبنانية المحاذية؛ فالصراع بين الفصائل الفلسطينية؛ سواء على قيادة هذه المخيمات أو استكمالاً للصراع المحتدم في الأراضي الفلسطينية، وإن كان في معظم المخيمات لا يزال غير ظاهر، يغذيه السلاح المتفلت وقرار الدولة اللبنانية تسليم أمن المخيمات للفلسطينيين وعدم اتخاذ أي مبادرة باتجاه فرض سيطرتها على أكثر من 12 تجمعاً رسمياً للاجئين.
وعلى الرغم من القرار الوطني اللبناني الذي اتخذ عام 2006 بعيد انعقاد أول طاولة للحوار بين القيادات اللبنانية، والذي قضى بسحب السلاح من المجموعات الفلسطينية المتمركزة خارج المخيمات، ومن ثم تأكيد الرئيس الفلسطيني محمود عباس خلال زيارته الأخيرة إلى لبنان العام الماضي رفضه وجود السلاح بيد الفلسطينيين في المخيمات وخارجها، عادّاً أن من حق الحكومة اللبنانية أن تسحب كل السلاح الفلسطيني على أراضيها من منطلق أن الفلسطينيين في لبنان في حماية الجيش اللبناني والحكومة، فإن الدولة اللبنانية لم تحرك ساكنا؛ بل ظلت في موقع المتفرج في معظم الأحيان على تحول إشكالات فردية داخل المخيمات إلى صراعات دموية، وهي إن بادرت للقيام بذلك فهي تفعله من موقع الوسيط.
ولعل الخطوة الوحيدة التي قامت بها الحكومة اللبنانية في إطار سعيها لتنظيم الوجود الفلسطيني في لبنان، كانت العام الماضي حين قامت بتعداد عام للسكان والمساكن في المخيمات والتجمعات الفلسطينية في لبنان، أشرفت عليه لجنة الحوار اللبناني – الفلسطيني وأنجزته إدارة الإحصاء المركزي اللبناني والجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني. وخلص إلى وجود 174 ألف لاجئ فلسطيني في لبنان يعيشون في 12 مخيماً و156 تجمعاً فلسطينياً في المحافظات الخمس في لبنان، علما بأن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) وفي إحصاء أجرته قبل نحو 9 سنوات، أكدت وجود أكثر من 483 ألف لاجئ فلسطيني في لبنان؛ 449 ألفاً منهم مسجلون لديها. وهي لا تزال تؤكد على ذلك من خلال موقعها الرسمي على شبكة الإنترنت.
ويربط ممثل حركة «حماس» في لبنان علي بركة بين تسلم الدولة اللبنانية أمن المخيمات وتسلمها كل الملفات المرتبطة باللاجئين سواء الاقتصادية أو الاجتماعية التي تتسلمها منذ عام 1948 وكالة «أونروا»، عادّاً أن «ذلك ليس بالأمر السهل على الإطلاق، ويتطلب دراسة سياسية – قانونية – اجتماعية – أمنية معمقة»، لافتا إلى أن الخطوة الأولى والأبرز المطلوبة اليوم هي رفع مستوى التنسيق اللبناني – الفلسطيني، وإعادة النظر بالسياسات الأمنية المتبعة، ووضع ضوابط جديدة للمحافظة على أمن المخيمات، على أن يقترن ذلك بمحاسبة كل المتسببين بأحداث أمنية». ويقول بركة لـ«الشرق الأوسط»: «قضية اللاجئين هدف للإدارة الأميركية والكيان الصهيوني، لذلك هناك دائما من يسعى لتضخيم أي إشكال أمني تشهده المخيمات خدمة لأجندات خارجية تسعى لتصفية هذه القضية، مما يستدعي منا كثيراً من اليقظة والحذر في التعامل مع كل الملفات المرتبطة بالمخيمات».
وتبدو مصادر في حركة «فتح» أكثر تقبلاً لإجراءات أمنية جديدة تطال المخيمات تكون الدولة اللبنانية والجيش اللبناني شريكا أساسيا فيها، لافتة إلى أن «كل ما يعني سكان المخيمات الذين يرزح معظمهم تحت خط الفقر هو الأمن والأمان، خصوصا أنهم محرومون من معظم حقوقهم، خصوصا الحق في العمل في معظم المهن، لذلك إذا ارتأت الدولة اللبنانية أن يدخل الجيش إلى المخيمات لبسط الأمن، فهم سيكونون مرحبين بذلك ما دام سيؤمن لهم ذلك الاستقرار الأمني». وتضيف المصادر في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «للأسف، تجربة اللجان الأمنية المشتركة أثبتت أنها ليس حلا جذريا، كما أنها فشلت في منع حدث أمني ما من الوقوع، كما أنها عجزت عن التصدي لعمليات الاغتيال»، ورأت أن السبب الرئيسي وراء ذلك هو أن «القوى الأمنية الفلسطينية محكومة بضوابط سياسية عليا تمنعها نتيجة صراع الفصائل على تعزيز مواقعها، من الإمساك بالأمن بيد من حديد».
وتتولى لجان أمنية مشتركة تضم ممثلين عن أبرز الفصائل الفلسطينية، الأمن في مخيم عين الحلوة والبداوي وبرج البراجنة، التي تعدّ أكبر تجمعات للاجئين الفلسطينيين في لبنان. ولا وجود للجيش والقوى الأمنية اللبنانية داخل 12 مخيما فلسطينيا منتشرة في معظم المناطق اللبنانية، مما أدى لهرب عدد كبير من المطلوبين إلى داخل هذه المخيمات التي تشهد انتشارا ظاهرا للسلاح من دون أي ضوابط.
ويعدّ رئيس «لجنة الحوار اللبناني – الفلسطيني»، الوزير السابق حسن منيمنة، أنه «لا حل للأحداث الأمنية المتكررة في المخيمات إلا من خلال سحب السلاح الفلسطيني؛ سواء من داخل أو خارج المخيمات، بعدما بات دوره يقتصر على تغذية الصراع بين الفصائل وخدمة أجندات خارجية»، مذكرا بأن «الرئيس الفلسطيني نفسه أقر بوجوب سحب هذا السلاح ودخول الجيش اللبناني إلى المخيمات، إلا إن الدولة اللبنانية لم تبادر إلى اتخاذ أي خطوات عملية في هذا المجال». ويرفض منيمنة في حديث لـ«الشرق الأوسط» ربط البعض بين الدعوة لسحب السلاح من اللاجئين الفلسطينيين وبسط الدولة اللبنانية سلطتها على كامل أراضيها، وبين ما يُعرف بـ«صفقة القرن»، لافتا إلى أن «الاتفاق اللبناني على سحب السلاح الفلسطيني من خارج المخيمات تم في عام 2006 على أساس أن يليه تفاهم على سحب هذا السلاح من داخل المخيمات، لكن شيئا لم يطبق من هذه التفاهمات».