كتبت ملاك عقيل في صحيفة “الجمهورية”:
مضت ستة أعوام على اغتيال اللواء وسام الحسن. «تركته» الأمنية «شعبة المعلومات» بخير، لكنها بالتأكيد عايَشت مراحل سياسية تكاد تكون مختلفة جذرياً عن تلك يوم كان «المنتج» الامني «الحريري» يحظى باهتمام سعودي إستثنائي بالمال، وسياسي بحكم الفرز الداخلي الحاد بين محورين.
تحتفل المديرية العامة لقوى الامن الداخلي اليوم بالذكرى السادسة لاستشهاد رئيس «شعبة المعلومات» اللواء وسام الحسن، بحضور وزير الداخلية نهاد المشنوق والمدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء عماد عثمان.
طوال هذه الفترة لم يتوصّل المحققون الى أي خيط، باستثناء ما سبق أن أدلى به اللواء أشرف ريفي من مواقف أكد فيها امتلاك «شعبة المعلومات» لخيوط تمّ اكتشافها خلال وجوده في المديرية، كما قال، و»انشَغَل» عليها خلال تولّي عثمان رئاسة «الشعبة»، وتدلّ على وقوف «حزب الله» وراء الاغتيال، والوزير المشنوق يرفض الكشف عنها، على حدّ تعبيره.
رواية نفتها يومها «شعبة المعلومات»، مؤكدة أن لا صحّة إطلاقاً لما أدلى به ريفي، مع العلم انّ التحقيقات، وفق المعطيات، أحيطت بسرية تامة ولا تزال، على الرغم من عدم وجود أية دلائل حتى الآن تؤكّد تورّط أي جهة بالجريمة.
«رجل الظل»
بُعَيد تعيين عثمان مديراً عاماً لقوى الامن الداخلي في آذار 2017 صدرت تشكيلات عيّن بموجبها العقيد خالد حمود رئيساً لـ»الشعبة».
وعلى رغم طَبع اللواء الحسن «الشعبة» بشخصيته وشبكة علاقاته، إلا أنّ القريبين من الحسن كانوا يجزمون دوماً بأنه جَهد كي تستمر «المعلومات» كمؤسسة بغضّ النظر عن الاشخاص، ودليلهم على ذلك «الإنجازات المستمرة في كشف الشبكات الإرهابية ومكافحة التجسّس، وصولاً الى تسجيل تقدم نوعي في مجال العمل الجنائي ومكافحة الفساد داخل المديرية عبر ذراع الأمن العسكري».
والعقيد حمود ليس غريباً أبداً عن عمل «الشعبة». في مسيرة المؤسسة الامنية، كان ثمة «رجل ظل» رافق العميد الحسن خلال رئاسته لـ»المعلومات»، من موقعه كرئيس فرع «الأمن القومي» هو خالد حمود الذي شغل هذا المنصب لسنوات طويلة، وكان على اطلاع وثيق بكافة الملفات الامنية، كما عمل الى جانب عثمان خلال تولّيه مهام رئاسة «الشعبة».
عُرِف عن المقدّم حمود آنذاك، أنه كان مدمن عمل، ووفق ضباط «الفرع» كان حمود والرائد وسام عيد يشكّلان السند الأساسي في منظومة الحسن الأمنية. أمّا اليوم فهو «منغمس» بشكل كامل بعمل «الشعبة» الامني، وبعكس بعض قادة الأجهزة الأمنية يؤثِر البقاء في الظل.
منظومة أمنية متكاملة
يشكّل اللواء عثمان مع رئيس «الشعبة» وفروعها نواة المنظومة الأمنية التي باتت تراكم إنجازات تشهد لها أجهزة أمنية أخرى، بفعل نوعية الكادر البشري والتقنيات الحديثة والمتطورة، وكسبها ثقة قضاة كبار بسبب حرفية تقاريرها وتحقيقاتها الجدّية.
حتى اليوم لا تزال تسمية «المعلومات» غير ثابتة بسبب عدم صدور مرسوم بتحويل «الفرع» الى «شعبة»، لكن ما لا يعرفه كثر ان ليس فقط «شعبة المعلومات» تفتقد الى التغطية القانونية، التي تبدو لزوم ما لا يلزم في ظل الانجازات النوعية المتراكمة، فبقرار من مجلس القيادة في قوى الامن الداخلي عام 2006 تمّ استحداث قسم «مكافحة الارهاب» ومكتب «مكافحة الجرائم المعلوماتية» التابعين لـ»الشرطة القضائية»، و»شعبة المرور» (الأركان) «شعبة المعلومات» (الأركان) وقسم حقوق الانسان، وجميع هذه القطعات مارست مهامها من دون مراسيم صادرة عن مجلس الوزراء، لكنّ «المعايرة» لم تطل سوى «المعلومات».
ممنوع «تسهيل المرور»
اليوم، يقرّ خصوم الأمس، قبل الحلفاء الثابتين، بنجاح «الشعبة» في تجاوز الأزمات السياسية التي عصفت بالداخل، بعد استشهاد اللواء الحسن، بما في ذلك أزمة الفريق السياسي «المحسوبة» عليه.
وفي مرحلة عماد عثمان، أي منذ نحو عام وسبعة أشهر، يمكن الحديث عن تطوّر نوعي في أداء «الشعبة» برئاسة العقيد حمود، حيث أعطيت الاهمية لـ4 ملفات بالتوازي: مكافحة الفساد، مكافحة الارهاب، العمل الجنائي عبر مكافحة الجريمة، ومكافحة التجسّس.
ما يسجّل لحمود أنه ألغى، منذ تعيينه، العمل ببطاقات «تسهيل المرور»، مع العلم أنها لم تكن تعطى لأيّ شخص إلا بعد سحب «النشرة» الخاصة به والتأكّد من نظافة سجلّه.
القرار دخل مرحلة التنفيذ في 1-1-2018 (آخر دفعة من هذه البطاقات صدرت في آذار 2017)، وقد أوقفت «شعبة المعلومات» مطلوبين عدّة يحملون هذه البطاقات، أحدهم إستحصل عليها من جهاز أمني!
ضباط فاسدون… بالأرقام
على مستوى مكافحة الفساد ثمّة قرار حاسم داخل «المديرية» بالبدء بـ حملة «التنظيف». ويشكّل «اجتماع عرمون»، برئاسة عثمان قبل أشهر، دليلاً على المدى الذي يمكن أن تذهب اليه المديرية، وذراعها الامنية في المحاسبة. يمكن الجزم أنّ الفعالية الأكبر، وغير المسبوقة، للأمن العسكري برزت بوضوح مع تسلّم حمود رئاسة «الشعبة».
بالأرقام، يبلغ عدد الضباط من مختلف الرتب الذين أوقفوا «عدلياً» وأحيلوا الى المجلس التأديبي 15 ضابطاً، بينهم المقدّم سوزان الحاج في قضية الممثل المسرحي زياد عيتاني الذي أدى نسف «المعلومات» لتحقيق «أمن الدولة» في القضية الى خروجه بريئاً من السجن.
أمّا من اتخذ بحقهم إجراءات مسلكية فينقسمون الى فئتين:
– إجراءات مسلكية قاسية (يتجاوز عددهم 70 ضابطاً). في ملف الغبي على سبيل المثال اتخذت عقوبات بحق 14 ضابطاً.
– إجراءات مسلكية وأحيلوا الى المجلس التأديبي: لا يقلّ عددهم عن 35 ضابطاً من الرتب كافة، إضافة الى مئات العسكريين الذين عوقبوا مسلكياً أو عدلياً.
كما تمّ حرمان نحو 1200 عسكري من الترقية. فالقانون 17 ينصّ على أنّ كل عسكري يرتكب المخالفة نفسها 20 مرة يُحال الى المجلس التأديبي. وقد استأنف اللواء عثمان تطبيقه بعد فترة طويلة من عدم التزامه، فتمّ الحرمان من الترقية للمخالفين، مع تجديد عقد التطوع لمدة سنة كإنذار.
لكنّ حملة المحاسبة غير المسبوقة داخل المديرية تعرّضت لانتكاسة جدية في ظل عدم اتخاذ الاجراءات القانونية حتى الآن بحق العقيد و.م الذي أثبت تورطه بملفات فساد، ما يطرح علامات استفهام جدية حول احتمال عدم الإبقاء على الوتيرة نفسها في محاسبة الضباط الفاسدين، طالما أنّ «مرجعياتهم» السياسية قادرة، باتصال واحد، أن تُبعد عنهم سيف المحاسبة.
مكافحة الارهاب
على مستوى مكافحة الارهاب، ساهمت خسارة «داعش» الارض ومناطق نفوذها في المنطقة ولبنان، في التخفيف من فعالية «القسم الخارجي» لعملياتها، حيث ترتكز الاستراتيجية الجديدة للتنظيم في دفع عناصرها الى تنفيذ عمليات فردية وفق المُتاح من «أسلحة» وعدّة شغل.
هذا بالتحديد ما دفع «الشعبة» الى التركيز على العمليات الاستباقية والوقائية، وهو التعبير الذي يطبع معظم البيانات الصادرة عنها، مع تركيز على تعبير «العمليات الجدية» التي تكون موثّقة بالوقائع والاعترافات والتواريخ.
وتتصدر اللائحة عملية الطائرة الاسترالية في آب العام الماضي، حيث تمكنت «الشعبة» من توقيف الارهابي عامر الذي كان ينوي تفجير نفسه في الطائرة بعدما مدّها جهاز الأمن الأسترالي بالمعلومات ومراقبة الإخوة الثلاثة، عامر وخالد ومحمود، الذين كانت ترصدهم «الشعبة» منذ أكثر من عام، بعد ثبوت تواصلهم مع شقيقهم طارق، الذي انتقل إلى الرقة في سوريا ودرّب ليصبح قيادياً في «داعش».
ثم في كانون الثاني 2018، حيث بادرت «المعلومات» بهجوم مضاد من خلال اختراق «داعش» بجاسوس تمّ تجنيده وإخضاعه لدورات شرعية وصلت الى حدّ سفره مرتين الى تركيا. بعدها، تواصَل مع «أبو جعفر العراقي»، فشكّل طعماً أدى الى استدراج القيادي العراقي الى لبنان الذي كشف بوضوح عن رغبة «داعش» بالقيام بعمليات في لبنان وتكليفه ببناء هيكلية لعمل خلايا «داعش» فيه.
تمّ توقيف «ابو جعفر» بسرية تامة، وجنّد بدوره لاستدراج آخرين من «التنظيم». ففي مؤتمر صحافي عقد لهذه الغاية، عرضت «الشعبة»، للمرة الاولى، مقاطع فيديو صوّرت من خلال كاميرا سرية أظهرت «ابو جعفر العراقي» متحدثاً بوضوح عن مخطط لضرب لبنان وتنفيذ عمليات انتحارية منها خلال ليلة رأس السنة.
أضف الى ذلك العشرات من العمليات الامنية الاستباقية، وآخرها توقيف ه.س المرتبط بـ «داعش»، والذي كان ينوي تنفيذ عمليات إرهابية ضد عناصر وحواجز للجيش في الشمال، واستهداف كنيسة. وتوقيف «داعشي» قاصر في عكار من مواليد 2002 كان ينوي تنفيذ عملية إرهابية لدى مرور دورية للجيش، عبر تصنيع عبوة ناسفة بواسطة قارورة غاز…
يذكر أنّ «المعلومات» هي الجهاز الأمني الوحيد الذي يتقدّم في مجال العمليات الامنية المشتركة، منها عملية «كوستا» مع مخابرات الجيش، وعملية «مجمّع الربيع» مع «الأمن العام» حيث تكفّلت «الشعبة» بالشق الميداني كاملاً في العملية، ونال ضباطها وعناصرها تهنئة من اللواء عباس ابراهيم.
مكافحة التجسس
وفي مجال مكافحة التجسس، تبرز عملية نوعية غير مسبوقة لـ»المعلومات» من خلال كشف الهوية الكاملة للمتورطين الأربعة مع تحرّكاتهم بالصور والوقائع، في محاولة اغتيال القيادي في «حماس» محمد حمدان في صيدا، مع العلم أنه تمّ استرداد اللبناني محمد حجار المرتبط بالموساد من تركيا في عملية أمنية دقيقة بعد توقيفه هناك بناء على معلومات «الشعبة».
توقيفات في مهلة قياسية
على مستوى العمل الجنائي لن يكون تفصيلاً أن تتمكن «الشعبة»، على مدى عام ونصف، من تنفيذ عشرات عمليات التوقيف الجنائية في قلب الضاحية، الأمر الذي لم يكن متاحاً في السابق، إضافة الى تنفيذ عمليات أمنية نوعية في مناطق حسّاسة في بعلبك (بريتال).
وبَدا واضحاً، لمتابعي عمل «الشعبة»، خَتم بعض التحقيقات وكشف المتورطين في مدة قياسية وصلت في إحدى الحالات الى 5 ساعات، كما حين تمكنت «الشعبة» من تحديد مكان سارقين سلبا أموال مصرفين، فتمّت مداهمتهما في مزرعة سويدان-قضاء بعلبك واسترداد المبلغ المسروق (مليار و240 مليون ليرة) خلال ساعات قليلة.
وقد سجّلت تقارير «الشعبة» على مدى الأشهر الماضية توقيفات بالمئات في مجال السرقة (نحو 10 عمليات مرتبطة بسرقة مصارف تمّ خلالها توقيف المتورطين واستعادة الاموال المسروقة)، والنشل، والسلب بقوة السلاح، وترويج مخدرات والعملة المزورة والقتل….
وفي مجال مكافحة تجارة المخدرات تمّ كشف 5 عمليات كبيرة كانت نتيجتها وضع اليد على نحو 20 طناً من الحشيشة، وكميات كبيرة من الكوكايين السائل بإشراف شبكة عالمية أجنبية، وكشف شبكة كبيرة تتاجر بالمخدرات بعد تزويد الجانب المصري «الشعبة» بمعلومات أدّت الى مصادرة مستوعبات فيها أكثر من 8 أطنان حشيشة كانت قد وصلت من مصر، وتوقيف المتورطين اللبنانيين فيها.
ونفّذت «الشعبة» أكثر من 15 عملية مرتبطة بخطف اشخاص مقابل فدية، تمكنت خلالها من استعادة المخطوفين وعدم دفع المبالغ، وأحيانا التمويه بدفع المبالغ ثم استردادها فوراً…
ويسجّل لـ»الشعبة» كشف قاتل الدبلوماسية البريطانية خلال 12 ساعة، وتوقيف المطلوب الخَطِر طارق شمس، قاتل أحد المواطنين بسلاح حربي في الاوزاعي، والذي يوجد بحقه 13 ملاحقة عدلية وقضائية بجرائم مخدرات، كما تمّ توقيف قاتل الشاب روي حاموش بطريقة وحشية في وقت قياسي.
يذكر أنّ جزءاً كبيراً من هذا العمل الجنائي يفترض أن يكون قانوناً من مهام «الشرطة القضائية».