كتبت صحيفة “الراي” الكويتية: على وقع العدّ العكسي لولادة الحكومة الجديدة في بيروت، دخلتْ «العين» الدولية وعن قُرب على هذا الملف الذي يحظى بعنايةٍ كبيرة نظراً إلى ارتباطه باستقرار لبنان وما سيعكسه من توازناتٍ سياسية ولما يترتّب عليه من التزامات تجاه المجتمع الدولي وتوجهاته.
وكان بارزاً في غمرة الانهماك الداخلي في وضْع آخر «الروتشات» على التشكيلة الحكومية التي يريدها الرئيس المكلف سعد الحريري بين اليوم والغد، تكثيف مجموعة الدعم الدولية للبنان (تضم الصين وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وروسيا وبريطانيا والولايات المتحدة والأمم المتحدة الاتحاد الأوروبي والجامعة العربية)، معاينتها اللصيقة لمسار التأليف مع بلوغه «المربّع الأخير» وما سيستتبع الولادة الحكومية على صعيد تحديد سياسات الحكومة الجديدة في بيانها الوزاري.
وبعدما كان الحريري التقى مساء الخميس سفراء وممثلين لمجموعة الدعم الدولية وضعهم في أجواء التطورات المتصلة بالواقع اللبناني عموماً و«آخر المطاف» الحكومي، برز امس استقباله الثاني في أقل من 24 ساعة للمنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان بيرنيل كارديل التي شددا على التزام المجتمع الدولي الشراكة مع لبنان ودعم استقراره وازدهاره.
وتوقّفت أوساط سياسية مطلعة عند الحِراك الدولي المواكِب لعملية استيلاد الحكومة، مستحضرةً ما سَبَقَ لمجموعة الدعم للبنان أن أكدت عليه في مذكرة كانت سلّمتْها الى الرئيسين العماد ميشال عون والحريري وشجّعتْ فيها على ان يأخذ البيان الوزاري للحكومة الجديدة في الاعتبار الالتزامات الدولية للبنان تماشياً مع قرارات الشرعية الدولية ومؤتمرات الدعم، وتأكيد المضي في سياسة النأي بالنفس والإيفاء بتعهّد رئيس الجمهورية استئناف الحوار في اتجاه بلوغ استراتيجية وطنية للدفاع بما يعني إيجاد حلّ لسلاح «حزب الله».
وفي رأي هذه الأوساط أن الحضور الدولي المُرافِق لـ «الأمتار الأخيرة» من مفاوضات التأليف يعكس الحساسية التي اكتسبها عنصر التوازنات في الحكومة الجديدة والذي حرص عليه بشكل كبير الحريري تفادياً لأي تشكيلةٍ تثير «نقزة» المجتمعيْن العربي والدولي حيال «التموْضع» الاستراتيجي للبنان.
وعاشت بيروت أمس ساعاتٍ من مفاوضات «حافة الوقت» الذي سابَق مهلةً حدّدها الحريري لتأليف حكومته «خلال هذا الأسبوع» اي قبل الاثنين، وسط تَركُّز الاتصالات على معالجة تمثيل «القوات اللبنانية» من ضمن الحصة الرباعية التي تشمل منصب نائب رئيس الحكومة.
وكانت النقطة العالقة حتى مساء أمس، تتمثّل في كيفية تعويض «القوات» عن حقيبة العدل التي بقي عون على تَمسُّكه بها بعدما كان الحريري عرض ان تكون من ضمن الحصة القواتية بناء على رغبتها، في أعقاب فشل محاولة فريق رئيس الجمهورية «المبادَلة» بين«العدل» (ومنْحها لـ «القوات») وحقيبة الأشغال، اذ تكرّستْ الأخيرة لتيار «المردة» بناء على وعدٍ من«حزب الله» للنائب السابق سليمان فرنجية.
وبإزاء هذا الواقع وتقديم مصادر قريبة من القصر الرئاسي «أسباباً موجبة» للاحتفاظ بوزارة العدل «لأننا مقبلون على ورشة إصلاحات ومكافحة فساد»، انصبّ العمل على فكّ عقدة توفير حقيبة بديلة وازنة لـ «القوات» في ظل «ضيق الخيارات» بعدما «حجز» الأفرقاء الآخرون حقائبهم.
ومن هنا اتّجهت الأنظار الى لقاءٍ ليلي يفترض ان يكون عُقد بين الحريري و«القوات»، وسط محاولاتٍ لإقناع «القوات» بحقيبة العمل كبديل من العدل ومعها الشؤون الاجتماعية والثقافة او الصناعة.
وكان الحريري التقى بعد ظهر أمس رئيس «التيار الوطني الحر» وزير الخارجية جبران باسيل الذي أعلن ان «الأمور إيجابية جداً ونحن على الطريق الصحيح لتأليف حكومة بمعايير العدالة والتمثيل الصحيح». وأكد «اننا قدمنا كل التنازلات والتسهيلات، وبما يخصنا اتفقنا بشكل كامل (على حصتنا) من دون المس بحق أحد لا بل أعطينا منّا لمصلحة تشكيل الحكومة».
وترافق هذا الكلام مع نقْل قناة «او تي في» عن مصادر مطلعة على كواليس المفاوضات «ان الجو ايجابي والتيار قام بكل ما عليه من تضحيات وما يبقى ليس عنده بل عند مَن يخترع الحجج للعرقلة»، ما أوحى بأن عملية «عض الأصابع» ستستمرّ حتى «اللحظة الأخيرة» في محاولة لتحصيل أفضل الشروط قبل الولادة الوشيكة.
وجاء كلامُ الأمين العام لـ «حزب الله» السيّد حسن نصرالله عصر أمس، ليؤكد هذا الأمر، اذ رغم إقراره بوجود «تفاؤل كبير وإيجابيات مهمّة وتَقدُّم مهمّ حصل»، إلا انه نصح «بألّا يتم وضْع مهل زمنية، لأن هناك أموراً مازالت عالقة» في إشارةٍ ضمنية الى جدية مطلبه بتمثيل النواب السنّة الموالين للحزب.