كتب أسعد بشارة:
بالدخول الى مكتبه في الطابق العاشر المطل على اتوستراد ضبيه تشعر انك في مؤسسة عابرة للحدود. إنه النائب نعمة طعمة الذي تلتقيه رابطة خريجي الاعلام برئاسة عامر مشموشي. فهل يعرف اللبنانيون الكثير عن هذا النائب السياسي الذي لا يمارس السياسة اللبنانية؟
صوت خفيض متواضع واصرار على عدم الجلوس على رأس الطاولة، معللاً ذلك بأنه في كل اجتماعات مجالس الادارة في مؤسساته لا يحب الجلوس على رأس الطاولة، هكذا هو أيضاً في السياسة، لا مقابلات اعلامية لا تصاريح بل حملة انتخابية شبه صامتة كل اربع سنوات تجدد له المقعد النيابي على لائحة رئيس الاشتراكي وليد جنبلاط، وتجدد جيرة الانتماء الى قرية المختارة.
لا يتكلم في السياسة فماذا اتينا نفعل اذا؟ ولماذا نزوره وليس لديه اي جديد عن تشكيل الحكومة والعقدة الدرزية والمعايير والحصص والوزارات وتصنيفاتها من سيادية الى اساسية الى وازنة الى عادية الى خدماتية؟ لا يجيب عن سؤال سياسي الا مقروناً بعبارة قرأت ذلك في الصحف، فهل هو نائب في البرلمان طامح للتوزير، أم هو رجل أعمال لا يتقن حرفة السياسة الا من باب حجز مقعد في هذا البرلمان المؤلف من مجموعة بوسطات طائفية.
قد يعتريك الذهول بأن من يجلس امامك ويتكلم بصوت هادئ، ويمر كل يوم في الطرقات المختنقة بالسيارات، هو على رأس شركة كبيرة تنفذ مشاريع عملاقة خارج وطنه. تكفي نظرة على اتوستراد ضبيه والسيارات المحتجزة لكيلومترات في زحمة العصر، فيما هو يشرح كيف تنفذ شركته مشروع مترو انفاق الرياض مع شركة سيمنز الالمانية، لتشعر بالعبثية وبعض الغثيان ولتسأل: كم من هؤلاء يعيشون داخل وطنهم كشهود عاجزين، فيما اعمالهم تساهم بنمو اوطان اخرى وخبراتهم تمتد في الشرق والغرب، واستثماراتهم يضعونها في المكان المناسب لهم، فيما لا تعطى لهم الفرصة كي يساهموا بتطوير بلدهم،مع امكانية ان يجنوا الارباح الشرعية وان يجني بلدهم الفوائد المستدامة.
من يطور مترو الرياض بكلفة عشرة مليارات دولار، يراقب كل يوم من مكتبه مئات آلاف اللبنانيين السجناء في سياراتهم ولا يسمح له او لمثله أن ينفذ مشروع انقاذ، ومثله كثيرون.
وهو نفسه أي النائب طعمة ومثله الكثيرون من المطورين يسافرون عبر مطار بيروت الذي تراجع اداؤه الى حد الفضيحة، فيما هو ينشئ في الخليج عشرات المطارات العسكرية والمدنية.
يروي طعمة كيف كانت شركته تعتزم التزام مشروع لينور لساحل المتن الشمالي، حيث التزم المشروع كمطور للمنطقة، ودفع مبلغ عشرة ملايين دولار، ما زالت عالقة في متاهة القضاء، بعد ان قال له “ابو بهاء” أن المشروع سيعرض للمناقصة. كان الاتفاق على ان تنال الشركة المطورة ثلث الاراضي، بعد ان تنجز اتوستراد باتساع ثماني سيارات يصل نهر بيروت بضبيه، على ان يلي ذلك استكمال اتوستراد جونية باوتوستراد فوقي يصل الى كازينو لبنان. يقول نالت احدى الشركات المناقصة لكن شيئاً لم ينفذ.
يقول ايضاً: عرضنا مشروعاً لحل مشكلة السير على مداخل العاصمة، نفق من خلدة الى الحازمية وآخر من الحازمية الى المرفأ، وآخر لمدخل بيروت الشمالي، لكن لا جواب لدى الدولة.
يشرح ان انشاء الانفاق لا يكلف الدولة فلساً واحداً فالشركة المستثمرة تجبي من السيارات التي تعبر الانفاق، فتخف تكلفة المواطن من جيبه وأعصابه، وتستلم الدولة فيما بعد المرفق سليماً وتستثمره.
يتطرق الى شبكة القطار شبه الجاهزة للعمل في لبنان ويقول: قدمنا عرضاً لشبكة القطار، التي تنطلق مركزياً من مرفأ بيروت فتصل الى الشمال والبقاع. الاعتداءات على هذه الشبكة يمكن تسويتها بسرعة، فيتم تفعيل الشبكة لنقل الركاب والبضائع ولتحميل الشاحنات، لكن ايضاً لا جواب.
في الكهرباء حدث ولا حرج. يقول طمعة: انجزنا في الخليج عدداً من المشاريع كل واحد منها يفوق ال 2000 ميغاوات، فيما لبنان لا يحتاج لأكثر من ذلك. عرضنا على الدولة ان ننشئ المعمل وننتج الكهرباء ونبيعها للدولة كي توزعها على اللبنانيين، والنتيجة نفسها.
ويبقى السؤال: هل النائب نعمة طعمة الذي لم يحترف السياسة بمعناها اللبناني، هو النموذج الناجح لدى الرأي العام؟ قد لا يكون الجواب نعم، فموقعه في الظل يحجب عن المشهد ما يمكن ان يقدمه لو أفسح المجال له ولغيره أن يعملوا في بيروت كما يعملون في الرياض ودبي واوروبا واميركا ومعظم دول العالم.
ولكن كيف لهؤلاء وغيرهم أن يستثمروا في وطنهم، ودونهم حواجز كثيفة من الفساد والاهمال والأنانية والجشع، وكيف لهم ان يكونوا في الموقع المناسب طالما أن كل المواقع محتجزة من طبقة سياسية تنصب الحواجز فلا يمر من طاقة من لا يدفع خوة، ألم يحصل ذلك امام اعين اللبنانيين منذ عشرات السنين في الادارة والكهرباء والتوظيفات وفي كل القطاعات؟