أبدت مصادر سياسية لبنانية قلقها من التقارير الصادرة في الولايات المتحدة حول نقل إيران أسلحة ومعدات متطورة إلى حزب الله عن طريق مطار بيروت مرورا بالدوحة ودمشق.
وقالت هذه المصادر لصحيفة “العرب” اللندنية إن واشنطن تكرر اتهامات سابقة في هذا الشأن تتعلق بالاستخدامات المشبوهة لمطار العاصمة اللبنانية، بالتزامن مع تحذيرات من دول عدة للمسؤولين اللبنانيين من تدفق السلاح الإيراني على حزب الله.
وضاعفت إيران من شحنات الأسلحة لميليشياتها، خصوصا حزب الله في لبنان، في محاولة لرفع السقف في مواجهات عقوبات غير مسبوقة فرضتها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعد إعلانه انسحاب بلاده من الاتفاق النووي الإيراني في مايو الماضي.
وتسعى إيران، عبر إيصال أسلحة متطورة وأنظمة صواريخ دقيقة وأجهزة استشعار عن بعد إلى حزب الله، بإظهار أنها تأخذ إسرائيل “رهينة” في حال ما تطورت المواجهة بين إيران والولايات المتحدة.
وذكر تقرير لمحطة فوكس نيوز الأميركية أن إيران قامت بزيادة شحناتها من الأسلحة المتطورة إلى ميليشيا حزب الله اللبناني، بما في ذلك شحنات تحتوي على مكونات تستخدم تقنية “GPS” التي تستخدمها الميليشيا لتحويل الصواريخ غير الموجهة إلى صواريخ موجهة بدقة، وذلك نقلا عن مصادر استخباراتية أميركية وغربية.
وتخوفت المصادر اللبنانية من أن تكون هذه التقارير مقدمة لإجراءات وتدابير أميركية قد تتخذ ضد لبنان، خصوصا أن أصواتا قد ارتفعت داخل الكونغرس الأميركي في الأشهر الأخيرة تضغط باتجاه إقرار عقوبات ضد لبنان وتتهم بيروت بالتواطؤ مع إيران للالتفاف على عقوبات واشنطن.
وكشف التقرير الأميركي الرحلات الجوية التي قامت بها إيران لتقديم الأسلحة لحزب الله بما في ذلك رحلة وصلت إلى لبنان الأسبوع الماضي تابعة لشركة طيران “فارس قشم” الإيرانية من مطار طهران الدولي، الثلاثاء الساعة 9:33 صباحا، بالتوقيت المحلي، ووصلت إلى جهة مجهولة، وذلك وفقا لبيانات الرحلة التي وفرها التقرير.
وأضاف أنه وفي وقت لاحق من نفس اليوم، هبطت طائرة “البوينغ 747″ في دمشق، قبل أن تواصل رحلتها إلى بيروت لتصل قبل الساعة الثانية بعد الظهر، وفقا لبرنامج تعقب الطيران.
وبحسب التقرير، فقد غادرت طائرة الشحن الإيرانية بيروت مساء الأربعاء، متجهة إلى العاصمة القطرية الدوحة بعد منتصف الليل بالتوقيت المحلي، ومن ثم توجهت في رحلتها الأخيرة إلى العاصمة الإيرانية طهران حيث وصلت الخميس الماضي الساعة 6:31 مساء.
ولفت المراقبون إلى أن التقارير الأميركية تسلط الضوء على الدور القطري الجديد في حركة الأسلحة بين طهران وبيروت.
وعلى الرغم من عدم توضيح المعلومات لطبيعة الدور الذي تلعبه قطر وتفاصيله، إلا أن استخدام مطار الدوحة من قبل طائرات إيرانية مدنية مشبوهة الحمولات والأغراض بات تحت مراقبة وكالات الاستخبارات الدولية.
ويتسق ذلك مع نقل الكثير من البنوك الإيرانية لعمليات تحويل الأموال إلى الدوحة، بعد تشديد الولايات المتحدة مراقبتها لحركة الأموال من وإلى إيران. ويخشى خبراء أميركيون أن ينتقل التعاون القطري مع إيران إلى مجال الصادرات النفطية، إذ تحاول إيران إخفاء حمولاتها، وتنظر إلى قطر باعتبارها منصة محتملة لإعادة تصدير شحناتها بعد تغيير هويتها هناك.
وبحسب مصادر في الاستخبارات الغربية، فإن طائرة الشحن الإيرانية حملت مكونات أسلحة بما في ذلك أجهزة تحديد المواقع، لتصنيع أسلحة موجهة بدقة في المصانع الإيرانية داخل لبنان.
وكانت كل من الولايات المتحدة وإسرائيل، بالإضافة إلى وكالات استخبارات غربية أخرى، قد قدمت أدلة تثبت قيام إيران بتشغيل مصانع مشابهة للأسلحة في سوريا واليمن، بالإضافة إلى لبنان.
وتحاول الولايات المتحدة إدخال استراتيجيتها ضد إيران حيز التنفيذ تدريجيا، ولن تثبت هذه الاستراتيجية فاعليتها إلاّ إذا تمكنت من إنهاء عمليات نقل الأسلحة من إيران إلى حزب الله وميليشيات أخرى تابعة لها، أو تقليلها إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق.
وكانت تل أبيب أشارت على لسان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى وجود أنشطة من هذا النوع بالقرب من مطار بيروت. وردت وزارة الخارجية اللبنانية بتنظيم جولة لسفراء الدول الأجنبية في بيروت على المواقع التي أشار إليها نتنياهو لإثبات خلوها من أي تواجد عسكري أو تصنيعي لوجيستي لحزب الله.
ونقلت فوكس نيوز عن مصادر استخباراتية “أن إيران قامت بنقل مكونات الأسلحة هذه على متن الطائرة، حيث تم نقل محتوياتها إلى مواقع سرية تابعة لحزب الله بالقرب من مطار بيروت لاستهداف إسرائيل في المستقبل”.
وعلى الرغم من نفي مصادر مطار بيروت لتقرير فوكس نيوز، إلا أن أوساطا لبنانية مطلعة شككت في النفي اللبناني، مؤكدة أن المطار يخضع لهيمنة حزب الله، وأنه لطالما استخدمت مدرجات خاصة به في خدمة حزب الله دون أي مراقبة من سلطات الأمن الرسمية.
وكانت المديرية العامة للطيران المدني ردت ببيان قالت فيه إن شركة الطيران الإيرانية هذه قد سبق أن تقدمت وحسب الأصول المتبعة بطلب إلى المديرية العامة للطيران المدني في لبنان لتسيير رحلة شحن جوي ما بين مطارات دمشق – بيروت – الدوحة على الشكل التالي: دمشق – بيروت بتاريخ 16 أكتوبر، حيث حطت الطائرة وهي من طراز بوينغ 747 في مطار رفيق الحريري الدولي عند الساعة الثالثة بعد الظهر بالتوقيت المحلي فارغة من أي حمولة. بيروت – الدوحة بتاريخ 17 أكتوبر، حيث أقلعت الطائرة عند الساعة السابعة والنصف مساء بالتوقيت المحلي محملة بـ74 طنا من المواشي، وذلك بعد موافقة مسبقة من سلطات الطيران المدني القطري على الحمولة.
ويأتي بيان المديرية العامة للطيران المدني مكررا لبيان نفي سابق صدر في سبتمبر الماضي عن شحنات ماشية تنقلها طائرة إيرانية من بيروت إلى الدوحة. ويتساءل المراقبون بتهكم عن سرّ هذه التجارة التي تنقل المواشي إلى لبنان عبر طائرات قادمة من طهران. واصفين الأمر بـ”القصة الهزلية”.
وتخوفت أوساط لبنانية من أن تكون التقارير الأميركية مقدمة تعطي تبريرا لاحقا لقيام إسرائيل باستهداف المطار ومواقع قريبة منه كما تفعل من خلال قصفها لمنشآت تابعة لمطار دمشق.
وكان رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية السابق عاموس يادلين قد أعلن أن إسرائيل لن تسمح بمرور شحنات الأسلحة الإيرانية عبر سوريا باتجاه لبنان دون ضوابط. وقال في حديث خاص مع فوكس نيوز إن “إسرائيل مصممة على عدم السماح بذلك” وشدد على أن عمليات نقل الأسلحة هذه تشكل مصدر قلق لإسرائيل، لأنه “إذا كان الإيرانيون عازمون على بناء مشروع الصواريخ الباليستية الدقيقة من جهة، وكان الإسرائيليون مصممون على عدم السماح بذلك” من جهة ثانية، فهذا سيؤدي إلى حدوث تصادم بين الطرفين.