في كل مخاض تأليف حكومي، تطفو إلى السطح السياسي مصطلحات كـ”حكومة الوحدة الوطنية”، وضرورة “إشراك الجميع في عملية صناعة القرار السياسي في البلد”. عبارات يحاول من خلالها كثير من القوى السياسية تبرير الركون إلى صيغ حكومية من ثلاثين وزيرا، بدلا من اعتماد عدد محدد من الوزراء، كما هي الحال في مختلف دول العالم. ولم يجد الرؤساء المكلفون المتعاقبون أفضل من وزراء الدولة مخرجا مشرفا لضم ممثلين عن كل القوى السياسية إلى توليفاتهم الحكومية.
وإذا كان حاملو لقب وزير دولة لا يشغلون حقيبة وزارية محددة، فإن هذا لا ينفي أن تأثيرهم السياسي في مجلس الوزراء لا يختلف في شيء عن ذاك الذي يتمتع به زملاؤهم من أصحاب الحقائب الوزارية المعتبرة “سيادية” وخدماتية وأساسية، خصوصا إذا كان وزراء الدولة المعنيون ممثلين لأحزاب معينة.
وكما في حكومته السابقة كذلك في التشكيلة الجاري طبخها في المقار الرسمية، يعمل الرئيس المكلف سعد الحريري على تطعيم توليفته بوزراء الدولة، بما يضمن توسيع رقعة التمثيل، لتأليف حكومة وحدة وطنية كما أراد ورئيس الجمهورية منذ انطلاق قطار المفاوضات.
وقد سجل الحريري مع حكومة تصريف الأعمال سابقة لافتة بتكليف وزراء الدولة مهمات شاقة كمكافحة الفساد، والتخطيط، وايلاء الاهتمام لشؤون المرأة والعمل على تحسين وضع حقوق الانسان في لبنان. حتى أن الأمر بلغ به حد تخصيص وزارة لشؤون النازحين، على وقع تفاقم هذه المشكلة.
وفي وقت، بدت خطوة الحريري هذه محاولة جدية لتأكيد تصميم الدولة على بذل مزيد من الجهود في معالجة مشكلات مزمنة تعاني منها البلاد، افتقرت الوزارات المستحدثة إلى ما يمكن اعتبارها “الأدوات” اللازمة لوضع المشاريع الطموحة الكثيرة التي علق اللبنانيون آمالا عليها على سكة التنفيذ. ذلك أن أغلب هذه الوزارات الجديدة افتقر إلى الموازنات والهيكلية الادارية، وهما مدماكا أي عمل رسمي فاعل. حتى ان هذه الادارات الرسمية الجديدة لم تجد لها مقار رسمية، فكان أن جمع أحد المباني القريبة من السراي الحكومي “وزراء الدولة الجدد”.
وفي وقت لم تسجل أي انجازات تذكر في سجلات الوزارات المستجدة، أقدمت الدولة على خطوات مهمة مرتبطة بميادين عمل هذه الوزارات، في ظل صمت مطبق من جانب الوزراء المعنيين، حيث عينت الحكومة أعضاء الهيئة الوطنية لحقوق الانسان في جلسة غاب عنها وزير الدولة لحقوق الانسان أيمن شقير، وأقر مجلس النواب قانون حماية كاشفي الفساد، في غياب الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد. إلى كل هذا تضاف بطبيعة الحال خطة الكهرباء الشهيرة التي علت الأصوات المعترضة عليها بوصفها مشوبة بالفساد، في ظل صمت الوزير المعني.
هذه الصورة تدفع إلى التساؤل عن مصير هذه الوزارات في الحكومة الجديدة. وفي رد على هذا التساؤل، أوضح الوزير نقولا تويني لـ”المركزية” أن “وزارة شؤون المرأة هي وزارة الدولة الوحيدة التي تتمتع بهيكلية إدارية، فيما هي غائبة عن وزارة الدولة لشؤون مكافحة الفساد، التي لا موازنة لها أيضا”.
وعن واحتمال تحقيق الانجازات المرجوة من دون موازنة أو هيكلية إدارية فاعلة وواضحة، أكد “أننا نعمل باللحم الحي، ومن خلال الشباب المتطوعين”.
وردا على الانتقادات إزاء غياب الوزارة عن المشهد السياسي الحافل بالكلام عن الفساد في مختلف أروقة الدولة، اعتبر أن “الطلب على مكافحة الفساد كبير، والناس ينتظرون منا الكثير، لكنه أمر لا يحل في فترة قصيرة، بل يتطلب نصوصا قانونية محددة ونظام عمل معينا”.