تعاني الإدارة العامة في لبنان حالاً متفاقمة من الفساد، إذ لم تشهد البلاد اية محاولة جديّة للإصلاح والارتقاء بالإدارة منذ اكثر من اربعين عاماً! اما اليوم، ومع اعتراف اهل السلطة بانتشار هذا المرض من خلال “مأسسة” معالجته من طريق استحداث وزارة لمكافحة الفساد، يأمل اللبنانيون ان تُشكّل بداية مشوار الالف الميل من اجل اعادة قطار الدولة الى السكّة الصحيحة.
وطرحت معظم القوى السياسية موضوع مكافحة الفساد عنواناً لمعاركها الانتخابية والسياسية وشكّلت لجاناً لمتابعته بعدما استشعرت بتفاقم اثاره السلبية التي ستُطيح هيكل الدولة اذا ما تمت محاصرتها.
ولم تعد المطالبة بمكافحة الفساد محصورة بالمطالبات الداخلية، بل باتت عابرة للحدود تحت عنوان “الاصلاحات” التي يُطالب بها المجتمع الدولي كشرط لإمداد لبنان بجرعة مساعدات مالية، كان آخرها مؤتمر “سيدر”، حيث التزم لبنان بتنفيذ برامج اصلاحية متنوّعة تماشياً مع قضية مكافحة الفساد.
ولا يمرّ يوم الا ويُكشف النقاب عن مؤسسات وادارات تابعة للدولة ينخرها الفساد انّ من حيث “سوء” الخدمات التي تُقدّمها او لناحية “تُخمة” الموظفين التابعين لها، ما جعل اجهزة الرقابة من ديوان محاسبة والتفتيش المركزي تتحرّك في اكثر من اتّجاه لمعالجة ما يُمكن معالجته بعد اعدادها التقارير الخاصة.
اخر صيحات الفساد ما كشفته دراسة اعدتها جهات سياسية عن ان هناك 48 مؤسسة في لبنان لها موازنتها الخاصة تتقاضى اموالاً من الخزينة، منها ما هو وهمي ومنها من لا يعمل ومنها انتهت مدة صلاحية عملها، الا انها لا تزال قائمة وتحصل على حصّتها من المال العام كمؤسسة سكك الحديد مثلاً التي لا تزال ضمن الخدمة الفعلية ويتقاضى موظفوها رواتبهم (حتى انهم حصلوا على سلسلة الرتب والرواتب) في حين ان القطارات غادرت لبنان منذ سنوات ولم تعد والسكك يتآكلها الصدأ والعشب.
ويطالب بعض السياسيين بعدما اطّلعوا على الارقام “المُرعبة” التي تضمّنتها الدراسة بان تتحوّل إخباراً للنيابة العامة لاسيما المالية منها من اجل فتح تحقيق بذلك قبل اجراء مسح شامل على هذه المؤسسات تمهيداً لإلغاء موازناتها، معوّلين على عنوان الشعار الذي رفعه العهد “الاصلاح ومكافحة الفساد” وحمله رئيس الجمهورية ميشال عون منذ يوم انتخابه. ويطالب هؤلاء بتحويل هذه المؤسسات الى مؤسسات مُنتجة والافادة منها بدلاً من ان تذهب الاموال المرصودة لها الى جيوب المواطنين المحسوبين على جهات سياسية معيّنة.
وفي السياق، اشار رئيس “حركة التغيير” ايلي محفوض، عبر “المركزية”، الى نوعين من المؤسسات، واحدة متوقفة كليا عن العمل وأخرى بحاجة إما للدمج او لإعادة النظر في هيكليتها.
-القسم الأول: المتوقف عن العمل
*المجلس الأعلى السوري-اللبناني ومهمته متابعة تنفيذ احكام “معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق” بين لبنان وسوريا وتبلغ موازنته السنوية نحو 885 مليون ليرة.
*معرض رشيد كرامي الدولي في طرابلس حيث يتمحور نشاطه حول التعريف بثروات لبنان والبلاد العربية والأجنبية وإطلاع التجار والصناعيين على التقدم الحاصل في مختلف فروع الانتاج، إضافة إلى عقد المؤتمرات واستضافة المنظمات المتخصصة. تبلغ موازنته السنوية نحو 400 مليون ليرة.
* مصلحة سكك الحديد والنقل المشترك. تبلغ موازنتها السنوية ما يقارب 13 مليار ليرة، علماً ان سكك الحديد معطلة والقطار متوقف منذ العام 1979 على خط طرابلس بيروت، ومن العام 1983 على خط الجنوب بيروت قبل ان يتوقف نهائياً عام 1988.
*البرق إدارة البريد. تبلغ موازنتها السنوية 6.8 مليار ليرة (6.828.700.000 ليرة)، متوقفة عن النشاط منذ العام 1998، والقطاع تمّ تخصيصه برمته.
*المؤسسة العامة لترتيب الضاحية الجنوبية الغربية لبيروت “إليسار”. تبلغ موازنتها السنوية نحو 3.4 مليار ليرة (3.410.000.000) متوقفة عن العمل منذ العام 1997.
*مجلس الاعتماد اللبناني (COLIBAC)
*المشروع الأخضر. تابع لوزارة الزراعة وموازنته السنوية نحو 2.4 مليار ليرة (2.404.000.000 ليرة)، يتولى مهمات إعداد الخطط والمشاريع الإنمائية الزراعية في المناطق اللبنانية.
*المؤسسة الوطنية للاستخدام. موازنتها السنوية 2.7 مليار ليرة وتتولى مهمات التوجيه والرعاية المهنية ووضع الدراسات والبرامج واحصاء اليد العاملة وتأمين فرص العمل.
-القسم الثاني: مؤسسات بحاجة للدمج او اعادة النظر في هيكليتها
في هذا القسم يعتبر محفوض “ان الواقع الأخطر يكمن في انها مؤسسات ذات موازنات ضخمة وصلاحياتها في حضن مؤسسات او وزارات، وهي اشبه بتقاسم مذهبي وطائفي”.
*مؤسسة كهرباء لبنان. موازنتها منفصلة عن موازنة وزارة الطاقة، وتُدار من قبل الوزير، ولا تخضع لرقابة مؤسسات عامة (ديوان المحاسبة او هيئة التفتيش المركزي)، اما مجلس إدارتها فشبه معطل وتقوم الوزارة بإنجاز كل الصفقات المتعلقة بالكهرباء. اما موازنتها فتقدّر بنحو 2.100.000.000.000.
*المجلس الاقتصادي الاجتماعي. موازنته السنوية 2 مليار ليرة في حين ان مهمته يُمكن ان تُنجزها وبسهولة وزارة الاقتصاد والتجارة.
*مجلس الإنماء والإعمار. موازنته السنوية تلامس الـ656 مليار ليرة، وصلاحياته شبه مطلقة في حين ان مهماته يُمكن ان تقوم بها وزارات عدة، كما انه لا يخضع لرقابة ديوان المحاسبة.
*الهيئة العليا للإغاثة. موازنتها السنوية نحو 66 مليار ليرة (66.087.781.000 ليرة). وهنا يستغرب محفوض كيف ان هذه الهيئة تُسدد من موازنتها جزءاً من متوجبات المحكمة الدولية في حين ان موازنة وزارة العدل هي المعنية مباشرة.
*هيئة ادارة السير. موازنتها السنوية نحو 44 مليار ليرة (43.852.681.000 ليرة) وهيئة مؤقتة ومهمتها تشغيلية بكل ما له علاقة بإدارة السير.
واوضح محفوض “ان هذه المؤسسات تابعة جميعها لمجلس الوزراء وتعمل من دون رقابة ديوان المحاسبة”. اما الحلول لهذا الواقع المُزري الذي يُكبّد موازنة الدولة المليارات، اقترح محفوض “إعادة هندسة الإدارة وإجراء مسح شامل ليُصار الى تحديد الأولويات ومن ثم البحث عن الشغور الحاصل في بعض الإدارات والإستعانة بالكادر البشري الموجود في هذا الفائض عبر نقله من ادارة الى اخرى على ان يترافق ذلك مع اجراءات صارمة تبدأ بوقف التوظيف في القطاع العام حتى إشعار آخر”.
ورداً على سؤال عن المؤسسة العامة للأسواق الاستهلاكية التي اصدرت بيانا توضيحيا بعد إثارة ملف هذه المؤسسات، اوضح رئيس “حركة التغيير” ان هذه المؤسسة التي اُنشئت بموجب المرسوم الرقم 5735 تاريخ 29-9-1994، تابعة لرئاسة مجلس الوزراء، ووظيفتها إقامة الأسواق الشعبية وإداراتها واستثمارها وإرشاد المستهلك وإعداد وتنفيذ خطة شاملة بالتعاون مع الإدارات المختصة من اجل حماية المستهلك من الاستغلال ومحاربة الاحتكار ومنعه وتشجيع المنافسة، ووضع الدراسات اللازمة، لكن عمل المؤسسة اقتصر على إقامة منشآت غير ثابتة لبيع الخضار والسمك”.
ولفت الى “ان المؤسسة اليوم شبه متوقفة عن العمل على رغم تعيين مدير عام جديد لها (تم التوافق ان يكون درزياً) اما النفقات فتقّدر بنحو 670 مليون ليرة سنوياً، علماً انه تم تخصيص هذه المؤسسة منذ إنشائها باعتمادات وصلت إلى 16 مليار ليرة لتمكينها من القيام بمهامها المفترضة”.
اضاف “اما بالنسبة للمجلس الأعلى للخصخصة الذي نص عليه القانون الرقم 228 تاريخ 31-5-2000، مهمته تخطيط وتنفيذ برامج وعمليات الخصخصة واقتراح السياسة العامة للخصخصة واعداد البرنامج الزمني بالمشاريع العامة التي يزمع خصخصتها. ورغم مرور اكثر من 15 عاماً على إصدار القانون، فإن عمليات الخصخصة متوقفة نتيجة عدم التفاهم على حل الأزمات اضافةً الى الخلافات السياسية. وتقدّر ميزانيتها السنوية بنحو 4 مليار ليرة”.
ولم يغفل محفوض الاشارة الى “مزاريب” هدر اخرى موجودة في موازنات بعض المستشفيات الحكومية والمكتبات الوطنية، اضافةً الى مجلس الجنوب”، مستشهداً بتقرير للبنك الدولي صدر منذ عام اشار فيه الى “ان كلفة الهدر والفساد في لبنان تُقدّر بنحو 10 مليارات دولار”.
واكد محفوض “متابعة هذا الملف الذي وان نجحنا فيه سنخفّض الدين العام بنسبة كبيرة وسيحقق وفراً على الخزينة العامة. وسنعمل على تكوين ملف شامل نسلّمه الى بعض المرجعيات الممثلة في البرلمان والحكومة”.