كتبت زكية الديراني في “الاخبار”:
الأكيد أنّه سيُطلق على 2018 «عام إقفال المؤسسات الإعلامية» في لبنان، آخرها «دار الصياد» التي أقفلت أبوابها قبل شهر تقريباً. لكن في المقابل، فالعام الحالي كان أيضاً عام المعارك القضائية لحصول المصروفين على حقوقهم المادية.
مع إقفال كل مؤسسة إعلامية، كان الموظفون يقعون في مشكلة تحصيل تعويضاتهم من الإدارة. حتى إنّ أكثريتهم لجأ إلى القضاء بعدما رفض التسوية التي قدّمتها له إدارة المؤسسة، إذ وجدها غير منصفة بحقّه ورحلته الطويلة داخل أروقة المؤسسة. لكن بعض الدعاوى لا تزال تقبع حالياً في أدراج المحاكم، إذ نادراً ما وجدت في لبنان مؤسسة إعلامية تودّع متابعيها وتدفع حقوق الموظفين بشكل منصف، بعيداً عن المشاكل والأخذ والردّ.
سبق لمصروفي صحيفة «النهار» أن رفعوا دعاوى للحصول على مستحقاتهم، وربحوها، وهم في انتظار الإفراج عن التعويضات. كذلك الأمر بالنسبة إلى مصروفي جريدة «البلد» التي غابت عن الصدور منذ أشهر بسبب مشاكلها المادية، ولا يزال المصروفون الذين يبلغ عددهم العشرات، ينتظرون الفرج. هؤلاء زاروا أخيراً وزارة الإعلام ونقابتي الصحافة والمحررين، لكنهم عادوا خاليي الوفاض. أما مصروفو «دار الحياة» السعودية (تضمّ جريدة «الحياة» ومجلة «لها») التي أغلقت أبوابها في بيروت، فلا يزال جزء منهم ينتظر الحصول على تعويضاته. مع العلم أن الدار أبقت على جزء من موظفيها كمستكتبين يعملون من منازلهم.
ويبدو أن غالبية مصروفي «دار الصياد» سيلقون المصير نفسه الذي واجه زملاءهم في باقي الصحف والمجلات التي ودّعت السوق الإعلامي هذا العام. بعد مرور شهر على إغلاق «دار الصياد» التي أسسها الصحافي الراحل سعيد فريحة عام 1954وتضمّ نحو عشر مطبوعات شهرية وأسبوعية («الصياد» و«الشبكة» و«فيروز» و«الفارس» و«الدفاع العربي»، إضافة إلى جريدة «الأنوار»)، لم تتوصل الدار بإدارة إلهام فريحة إلى اتفاق يرضي أكثرية المصروفين. الصراع الحالي في الدار التي تتخذ من الحازمية مركزاً لها، يتمحور حول كيفية دفع التعويضات. فقد وجد بعض المصروفين خصوصاً المتقدّمين في السنّ (بعضهم تخطّى سنّ التقاعد) الذين كانوا من مؤسسي الدار، أنّهم «مخدوعون» في التسوية.
في هذا السياق، يلفت مصدر لـ«الأخبار» إلى أن نحو 15 مصروفاً رفضوا التسوية مع آل فريحة لأنهم وجودها «غير منصفة وظالمة بحقّهم بعد رحلة عمل استمرّت أكثر من 30 عاماً في المؤسسة». ويشير المصدر إلى أن فريحة عرضت عليهم تعويضات متساوية بينهم وبين المصروفين الذين دخلوا الدار قبل أقلّ من 10 سنوات (أقل وأكثر بقليل)، فرفضوا ذلك. وهم يتّجهون لرفع دعوى قضائية ضدّ الدار التي تعتبر من أقدم الدور في لبنان. وقد منعتهم فريحة من دخول «الصياد» نتيجة لذلك، في حين أنّ بعضهم الآخر لا يزال يداوم يومياً بشكل شبه طبيعي ولم يتمّ بعد إبلاغه بالإقفال تهرّباً من الصرف التعسّفي. كما يلفت المصدر إلى أن نقيب المحررين الياس عون لم يضطلع بمهامه الدفاعية عن حقوق الموظفين، بل تركهم في مهبّ هذا التجاذب.
حتى إنه ضغط على بعض المصروفين للقبول بالتسوية التي قدّمتها الإدارة. لكن المفاجئ أنّ الموظفين رفضوا تدخّله وتضامنوا مع بعضهم. من جانبه، يرفض عون في اتصال مع «الأخبار» مسألة وقوفه إلى جانب الإدارة، قائلاً: «لست مع الإدارة ولا مع الموظفين. أنا مع حلّ المشكلة حبّياً. نعم تدخلت في موضوع المصروفين، وبعضهم وافق على التسوية بينما آخرون رفضوها، لكني لم أضغط على المصروفين. مهّدت الطريق لكثيرين والقضية يتابعها المحامون».
على الضفة نفسها، يلفت المحامي ميشال ريشا الذي توكّل قضية مصروفي «دار الصياد» في اتصال مع «الأخبار» إلى أنه سيرفع دعاوى في نهاية الشهر الحالي. ويوضح «بعض المصروفين وافق على التسوية ووقّع على براءة الذمة بعد حصوله على مستحقاته. لكن نحو 15 موظفاً (من أصل 80 موظفاً) وجدوا أنفسهم كأنهم يحصلون على «حسنة» من قبل القائمين على الدار، فرفضوها، لاجئين إلى القضاء ليقول كلمته».
ويضيف: «المشكلة الكبرى في «دار الصياد» تكمن في «الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي» حيث تم تسجيل مجموعة كبيرة من الموظفين قبل أكثر من 20 عاماً، بمعاشات دون الحدّ الأدنى ولم تلحقه أيّ زيادات لرفع المبلغ. في المقابل، كان الموظف يتقاضى بقية راتبه من المحاسبة ومن أقسام أخرى، تهرّباً من الدفع للضمان. تلك الخطوة ولو أن الموظف يقع عليه بعض الحقّ بالقبول بها، لكنها تعتبر بمثابة تحايل على الضمان. هذه الخطوة ليست قانونية، فالضمان له حقوق على أرباب العمل، ولماذا لم نسمع أصواتاً من الصندوق يطالب بدفع حقوق الدولة؟». باختصار، معركة جديدة يتحضر لها مصروفو «الصياد»، على أمل أن تكون خاتمتها منح المصروفين حقوقهم كاملةً بعد إقفال باب رزقهم!