في عز حرب تناتش الحصص المسيحية في الحكومة العتيدة، قرر تيار “المردة” وحزب “القوات اللبنانية” التغريد بعيدا خارج سرب الخلافات والتشنجات التي يبدو المسيحيون في غنى عنها، والانتقال إلى مرحلة جديدة من العلاقات بينهما، بما من شأنه طي صفحة ماض أليم ممهور بالصراع السياسي الذي لم يخل من نكهة دموية، لا تزال ماثلة في الذاكرة المسيحية الجماعية، لاسيما في محافظة لبنان الشمالي، التي تعد عرينا لا يستهان به للنائب السابق سليمان فرنجية، كما لرئيس حزب “القوات” سمير جعجع. وليس أدل إلى ذلك إلا نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة التي لم تخرج عن سياق سابقاتها من حيث تكريس الزعامتين التاريخيتين، بغض النظر عن خلافهما.
وعلى وقع هذا القرار، انطلقت محركات الاعداد للقاء المصالحة المنتظر بين جعجع وفرنجية، للانطلاق إلى مرحلة جديدة من التواصل على خط بنشعي- معراب، وهو مسار بدأ قبل سنوات، ويبلغ خط النهاية السعيدة قريبا، وفق ما أكد فرنجية شخصيا في إطلالته التلفزيونية الأخيرة، حيث ذهب إلى حد تأكيد أنه “تجاوز الجرح الشخصي”، بما يؤشر إلى أن طريق بنشعي باتت معبدة أمام الزعيم القواتي.
قد ينبري البعض إلى القول إن توقيت اللقاء يجعله يتجاوز بعده الوجداني، ليكون أول غيث جبهة مسيحية تواجه رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل – الذي يلتقي الطرفان على معارضة بعض خياراته السياسية – خصوصا في ظل المشهد السياسي الراهن. إلا أن كلا من بنشعي ومعراب تؤكدان أن اللقاء يهدف أولا إلى تضميد جروح الماضي وأخذ العبر من تجاربه المريرة، بعيدا من أي حسابات سياسية ضيقة، قد تتبدل على غفلة، في لحظة سياسية قد تباغت الجميع.
وفي وقت تراجع الحديث عن توقيت حصول هذه “القمة الشمالية المارونية”، على وقع تقلب الرياح الحكومية بين تفاؤل وتشاؤم، أكدت أوساط معراب لـ “المركزية” أن “اللقاء سيحصل في وقته، وكما هو متفق عليه، وله سياقه البعيد عن مسار تشكيل الحكومة”.
وكشفت الأوساط نفسها أن “تم الاتفاق بين جعجع وفرنجية على مكان وزمان اللقاء، كما على شكله وما سيثار خلاله، علما أنه لقاء مصالحة أولا بمعنى أن الهدف المتوخى منه يكمن أولا في طي صفحة الماضي الأليم، والانتقال إلى مرحلة جديدة، والاتعاظ من التجارب السابقة”، مشيرة إلى أن “الاجتماع يهدف أيضا إلى تأكيد حرية العمل السياسي والتعددية السياسية، والتنوع وقبول الآخر، إضافة إلى الحق في الاختلاف”.
وأكدت أن “لا علاقة بين اللقاء والعلاقة مع “التيار الوطني الحر”، لأن الملفين منفصلان تماما علما أن هذه المصالحة كان يجب أن تتم قبل توقيع اتفاق معراب، لأن الأحداث مع “المردة” سبقت الخلاقات مع العونيين (حرب الإلغاء)، لكن كل الأمور ستجري في وقتها”.
أما على ضفة “المردة”، فأكدت أوساط مقربة من بنشعي لـ”المركزية” أن “الأمور تنتظر عودة البطريرك (الذي يشارك في أعمال سينودس الشباب). غير أنها لا تزال في سياقها الطبيعي، خصوصا أن الخطوط العريضة وضعت، ولا اتفاق سياسيا بين الحزبين سينتهي إليه اللقاء. وسيصدر عن الاجتماع بيان مشترك يؤكد أهمية الحفاظ على وحدة الخط المسيحي”.
وأضافت الأوساط أن “المفاوضات جارية على قدم وساق منذ سنوات، وقد توقفت في مرحلة الاستحقاق، ما يعني أن الخطوة لا يمكن أن تصنف في خانة ردة الفعل أو المواجهة مع التيار الوطني الحر”.