كتب ناصر زيدان في صحيفة “الأنباء” الكويتية:
كان صيف لبنان ساخنا سياسيا، وغلب على معظم ايامه التراشق الاعلامي، او تبادل الاتهامات بين القوى والأحزاب، وبين مناصريهم على مواقع التواصل الاجتماعي، وكادت حفلات الشتائم ان تخلق أجواء توتر أمني، أو تتسبب في مشكلات ميدانية في الجبل وفي غير الجبل، وترافقت هذه الأجواء المشدودة مع اخفاق وطني في الوصول الى تشكيل حكومة جامعة تمثل التيارات والاحزاب التي فازت في الانتخابات النيابية.
فيما يشبه المفاجأة، انقلبت صفحة التشاؤم التي كانت تسيطر على الساحة الى صفحة من التفاؤل، خصوصا في مجال اعادة التواصل بين الأحزاب والتيارات التي تخاصمت، وانقطع التعاون فيما بينها طيلة فترة ما بعد الانتخابات، بما في ذلك الأحزاب التي خاضت هذه الانتخابات سويا. ويمكن اعطاء أمثلة على هذه الوقائع: في الحالة التي كانت سائدة بين الحزب التقدمي الاشتراكي والتيار الوطني الحر، حيث كادت الخصومة ان تسبب اشكالات على الارض في الجبل. لكن الطرفين اتفقا على التنسيق والتواصل بشكل دائم. كذلك بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، بحيث وصلت الاتهامات المتبادلة بينهما الى حد اعلان موت تفاهم معراب الموقع بينهما نهائيا.
وفجأة ايضا عاد التواصل بينهما على مستوى القيادات العليا، وعقد اجتماع بين رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل وبين الوزير القواتي ملحم رياشي بحضور النائب ابراهيم كنعان في مقر التيار الوطني في ميرنا الشالوحي.
لكن المفاجآت قاعدة ثابتة في السياسية اللبنانية، فقد تلبدت الأجواء على حين غرة، وتعقدت عملية تشكيل الحكومة التي كانت على قاب قوسين او ادنى من التأليف، ذلك بسبب مستجدات طرأت على العلاقة بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر الذي ابلغ الرئيس المكلف سعد الحريري: ان رئيس الجمهورية متمسك بالحصول على وزارة العدل، بعد ان كانت القوات اللبنانية وعدت بان تكون من حصتها. وقد كهربت هذه المسألة الأجواء على خلفية الصراع القائم حول ملكية فضائية اللبنانية للارسال، والتي تنتظر الحكم النهائي في الربيع القادم.
اوساط سياسية متابعة تقول: ان موجة التفاؤل لم تتبدد نهائيا، وقد تكون التعقيدات المستجدة بمنزلة غيمة تشرينية لن تدوم طويلا، بل ان كل المؤشرات توحي بأنها ستنجلي، وستعود موجة التفاؤل الى الظهور من جديد، ذلك ان غالبية القوى الفاعلة، بما في ذلك الرؤساء الثلاثة، ملتزمون بأجواء التهدئة التي فرضتها معطيات دولية واقليمية، وضغوطات مالية واقتصادية موضوعية، لا يمكن القفز فوقها، او التقليل من شأنها. واهم هذه المعطيات حسب هذه الاوساط:
اولا: الضغط الخارجي على المسؤولين اللبنانيين، وخاصة الموقف الحاسم للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي عبر عنه مباشرة في لقائه مع الرئيس ميشال عون في ياريفان، وبواسطة مبعوثه بيار دوكان الذي زار بيروت مطلع الشهر.
ثانيا: توضح صورة الوضع في ادلب السورية، بحيث تلاشت نهائيا فرضية المعركة الحاسمة هناك، لصالح تفاهم روسي – تركي حظي بتأييد دولي شامل، وبالتالي لم يعد هناك مبرر لتأخير تأليف الحكومة بانتظار جلاء المعركة.
ثالثا: تهيب المسؤولين اللبنانيين – بمن فيهم الفريق الذي يدور في فلك الرئيس – الى خطورة الأوضاع الاقتصادية والمالية، بحيث بلغ الانكماش حدا لا يمكن تحمل استمراره، كما ان المؤشرات المالية بدت مقلقة للغاية، برغم تطمينات حاكم مصرف لبنان، لأن سندات اليورو بوند كانت تتراجع، بينما عادت للارتفاع مع موجة التفاؤل الجديدة.