كتبت ملاك عقيل في “الجمهورية”:
«الألغام» المحيطة بالرئيس المكلّف تشكيل الحكومة سعد الحريري وصلت الى داخل «بيته». مشهدُ الخروج «الهوليوودي» لرئيس «التيار العربي» شاكر البرجاوي من بين قضبان العدالة أثار استياءً كبيراً لدى جمهور تيار «المستقبل». وفي المناسبة، «فُتحت السيرة» داخل «البيت الأزرق» عن المقارنة بين «تدليل» «حزب الله» لحلفائه وبين «ما فعل الحريري» بأقرب حلفائه!
وفق المعلومات، الضغوط لمنع وصول ملفّ شاكر البرجاوي الى خاتمته غير المتوقعة لم تحقّق مبتغاها. وعلى رغم تورّطه المباشر، وفق أوساط «المستقبل»، في الأحداث الدموية في محلتي «الطريق الجديدة» و»المدينة الرياضية» عامي 2012 و2014، لكنّ «الفيلم البرجاوي» انتهى بقرار بحبسه مدة 9 أشهر استُبدل بغرامة «ما في الجيب»، بلغت 6 ملايين و800 ألف ليرة، وإلزامه تقديم بندقية أو دفع مبلغ مليون ونصف مليون ليرة. أما أبناء «الطريق الجديدة» فغاضبون ومستاؤون «شاكر البرجاوي ممنوع من دخول طريق الجديدة»!.
رئيس «التيار العربي» الصادر في حقه مذكرة توقيف غيابية وحكم غيابي بالحبس سنة والمتهم بـ «توليع» بيروت، شكّل مدخلاً لبعض «المستقبليّين» لإجراء قراءة، وإن «على الحامي»، لمسار يكبّل الحريري أكثر فأكثر ويدفع في إتّجاه إجراء مقارنة تلقائية مع نهج «الوفاء» الذي يعتمده «حزب الله» حيال حلفائه وبين «ما يفعله سعد الحريري بنا»!
أسماءٌ عدّة تحضر لدى «الناقمين» في تيار «المستقبل» لدى إجراء المقارنة مع أسلوب تصرّف الحريري مع أهل بيته ومع بعض الملفات الحسّاسة في بيئته، كموقفه من المحكمة الدولية في لاهاي قبل وقت طويل جداً من صدور القرار الإتّهامي.
نادر الحريري، حالة خاصة جداً يُفترض وضعُها جانباً، لكن ماذا مثلاً عن الرئيس فؤاد السنيورة ووزير الداخلية نهاد المشنوق؟ يسأل هؤلاء.
الأول، برأيهم، صحيح أنه كان سيخسر أمام أسامة سعد لو خاض الانتخابات النيابية، «لكنّ السؤال الأهم لماذا قَبِل أصلاً الحريري بقانون إنتخاب أبعد عدداً من شخصيات «عصبه» السياسي التاريخي، ثمّ تكفّل بنفسه «بالبقية»، وصولاً الى القبول بتحجيم حصته النيابية!
الثاني، يضيف هؤلاء، صحيح أنّ الحريري عيّنه مرتين وزيراً للداخلية، لكن ما الحِكمة من التخلّي عن «صقر» كالمشنوق في مرحلة يحتاج فيها رئيس الحكومة الى فريق عمل من «الخبراء» في «الحساسيات» السنّية وصولاً الى الملفات الكبرى، يسانده بوجه الاستحقاقات المقبلة وتحت سقف عهد «لا يَشبع» مكتسباتٍ وحقوقاً وإدّعاء إنجازات، ودخل شريكاً مضارباً بقوة على الصلاحيات والنفوذ. واستطراداً، هل من حكمة بالعمل «سولو» وحصر «الإدارة» بشخص واحد من دون فريق عمل حديدي الى جانبه إستبدله بشحطة قلم بـ «هواة» في السياسة؟
قلّة قليلة رصدت «الرسائل» التي وجّهها المشنوق في خطابه خلال إحياء الذكرى السنوية السادسة لاغتيال اللواء الشهيد وسام الحسن في حضور الحريري شخصياً وعلى مسمعه. لا يمكن فصل المشهد عمّا أعلنه المشنوق أمس مؤكّداً «في القريب العاجل سأكون بين أهلي في بيروت، وسأفتح لهم أبواب منزلي للتواصل معهم مباشرة والبحث في مشكلاتهم وحلّها، لا أبواب أيّ وزارة».
الخطاب استحوذ إهتمامَ متابعين سياسيّين، وشخصيات داخل «المستقبل» ناقشت سطوره بعقل بارد. بتأكيد هؤلاء، تقصّد وزير الداخلية توجيه رسائل عدة الى الحريري. يتقاطع هذا الاستنتاج مع إشارة قريبين من المشنوق الى أنه «بشكل أدقّ، حاول حضّ الحريري على الصمود».
في خطابه الملتبس و»حمّال الأوجه» والمعاني، في ذكرى الحسن، كان المشنوق صريحاً بالقول: «طوال وجودي في الوزارة التزمتُ بما عاهدتُ نفسي عليه أن أكون وزيراً لجميع اللبنانيين. وكنتُ أعرف أنه خيار سيترتّب عليه كثير من الأثمان عند الحلفاء، وكثير من النكران عند الخصوم، وفعلاً ما خاب ظني»!
تحدّث المشنوق عن «أسباب كثيرة تمنع المسؤول أحياناً أو الوزير من النجاح في ملف ما». قال: «ربما أخطأنا أو قصّرنا وربما هي ظروف… وربما لم نمتلك الشجاعة، وربما كانت مصلحة البلاد العليا أولى من الحقيقة». مَن يعرف المشنوق جيداً ينقل عنه أنّ هناك ملفات عدة كان يتّخذ قراراً بعدم فتحها أو إستكمالها بسبب الحريري.
لن يكون مجرد تفصيل هامشي، وعلى مسمع الحريري، أن يشير المشنوق الى «بلاد تغتال الكفاية، وتُحاكمُ الذكاء، وتعتدي على أصحاب النجاح…».
القريبون من وزير الداخلية يجزمون أنه وجّه رسالة مباشرة للحريري على خلفية إصداره قرار فصل النيابة عن الوزارة «الذي لم يستهدف إلّا المشنوق»، في رأيهم. ويسرد هؤلاء بعضاً من «الإنجازات» أوّلها إنجاز الانتخابات النيابية وقبلها البلدية خلال عامين فقط، إضافة إلى تنفيذ وعده يوم تسلّمه الوزارة بوقف نزاع الأجهزة وتحويله «تنسيقاً دائماً»، وغيرها من النقاط التي تُحسَب له، لا تبدأ في تنظيم السجون و»تطهيرها» من سيطرة الإرهابيين، وصولاً إلى تحقيق الأمن، وكذلك رعاية قوى الأمن الداخلي وإطلاق خطة خمسية لجعلها الممسك الأوّل بأمن الداخل اللبناني.
وعَرَّج المشنوق خلال الخطاب في ذكرى الحسن على «التسويات» التي يجب أن لا تكون، في رأيه، «مدخلاً للتراجع، وأن لا تكون الحكمة مرادفاً للجُبن، وأنّ التسويات لا تنجح إذا كان عنوانها الاعتداء والانتقاص»، وما لم يقله المشنوق: «على حساب الطائفة».
في محيط «المستقبل» مَن يلوم الحريري أيضاً على كلمته «غير الموفّقة» أمام المحكمة الدولية في 11 أيلول الماضي في لاهاي في ختام جلسات المرافعات للدفاع والادّعاء، ملمِّحاً إلى تخلّيه عن حقّه الشخصي، من دون مقابل على الأرجح!
وقول المشنوق «لا ضمان في لبنان غير المؤسسات» لم يكن، بتأكيد عارفي المشنوق، سوى رسالة مباشرة الى الرئيس المكلّف بأنّ الضمانات «لا تكون بالأشخاص»، في إشارة الى رئيس الجمهورية.
رجل «التسويق» للتسوية الرئاسية، كما ينقل عنه عارفوه، دعا في خطابه الأخير إلى حكومة «تكون بوابة للإنصاف». وهنا لبّ الموضوع. يسأل القريبون من المشنوق «أين الإنصاف في الإستغناء عمن دافعوا عن الحريري في أقسى لحظات حياته السياسية والشخصية؟ أين الإنصاف حين صَعد المشنوق على منبر دار الفتوى، مستعدّاً للتضحية بمستقبله السياسي، قائلاً لقيادة المملكة العربية السعودية: «نحن لسنا قطيع غنم لنوَرَّث من سعد إلى بهاء الحريري… ونريد رئيس الحكومة في بيروت ثم نناقش التفاصيل»!
يعترف المشنوق، كما ينقل القريبون منه: «كنتُ شريكاً أساسياً في التسوية الرئاسية، لكن بهدف وضع حدّ للفراغ في موقع رئاسة الجمهورية من منطلق إقتناعي بأنّ الفراغ أخطر بكثير من رئيس يصعب الاتفاق معه. لكن للأسف عون تحوّل طرفاً ولم يعد ضماناً. في مرحلة ما بعد تأليف الحكومة، كلّ ما تقرّر في جانبنا السياسي خَلقَ موجة إحباط كبيرة في الشارع السنّي وشارع تيار «المستقبل».