كتب شارل جبور في صحيفة “الجمهورية”:
في ظل المعطيات الجارية، يعتقد البعض أنه بات شبه مؤكد انّ الحكومة العتيدة ستولد قبل 31 من الشهر الجاري، وفي حال لم تولد سيعني ذلك انّ العقدة الأساس خارجية، وكان يُعمل على تغطيتها محلياً.
الإشارة الأبرز التي تؤكد انّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون يريد حكومة قبل حلول الذكرى الثانية لانتخابه، تكمن في تدخّله المباشر وإعطاء تعليماته بضرورة أن يقدِّم الوزير جبران باسيل التسهيلات اللازمة شأنه شأن القوى السياسية الأخرى، بغية الالتقاء في منطقة وسطى، لأنّ العقدة الأساس أمام التأليف كانت في إصراره، أي باسيل، على تأليف حكومة بشروطه.
فقبل إشارة عون كانت كل الصيغ التي تعطي “القوات اللبنانية” 4 وزراء مرفوضة، في ظل إصرار كبير على ان تكون حصتها 3 وزراء وبلا حقيبة سيادية أو نيابة رئاسة الحكومة. ولكن، بعدما رأى هذا الفريق استحالة إمرار حكومة غير متوازنة، ورفض الرئيس المكلف سعد الحريري تقديم صيغة تتناقض مع سَعيه إلى تأليف حكومة وحدة وطنية، ولأنّ عامل الوقت أصبح ضاغطاً، ذهب هذا الفريق في اتجاه تقديم التنازلات المطلوبة، والتي لو أقدمَ عليها منذ اللحظة الأولى لَما كان تأخّر التأليف طوال هذا الوقت، وبالتالي يتحمّل منفرداً مسؤولية تأخير التأليف.
لكنّ المناورات التي بدأها هذا الفريق منذ اللحظة الأولى، والرامية إلى إخراج “القوات” لم تتوقف، وآخرها وَضعها أمام خيارين: إمّا القبول بما هو معروض عليها، وإمّا الخروج من الحكومة، فيما المعروض يجب أن يستوفي شروط التمثيل النيابي والشعبي، وليس أهواء هذا الطرف أو ذاك، وكل ما تطالب به “القوات” هو حقها وبلا مِنّة ولا هدايا من أحد.
ويخطئ من يعتقد أنّ المسألة تتصل بحصة أو حقيبة، وإنما تتعلق بجانب مبدئي، وهو رفض التعامل على أساس صيف وشتاء تحت سقف واحد، خصوصاً انّ هناك إصراراً إمّا على إخراج “القوات” من الحكومة، أو إظهارها أنها دخلت ضعيفة، فيما نظرتها إلى الحكومة ترتكز الى جانبين أساسيين:
ـ الجانب الأول، يتصل بالحكومة مجتمعة ودورها على المستوى الوطني من تحديدها دور لبنان إلى إدارة الدولة، ولم يعد ممكناً استثناء “القوات” من دورها كشريك في تحديد السياسات الوطنية ورسمها انطلاقاً من حجمها النيابي والشعبي، خصوصاً كونها شريكة أيضاً في التسوية الرئاسية.
ـ الجانب الثاني يتصل بالعمل الوزاري وفق كل وزارة، وهو عمل يزاوج بين توفير أفضل خدمة للمواطنين وبين تكريس مفاهيم جديدة لممارسة الشأن العام، قائمة على معايير الدستور والقوانين المرعية والشفافية.
والعمل الوزاري بهذا المعنى هو كلٌ متكامل يجمع البعدين الوطني، المتّصل بسياسات الدولة الكبرى والتي تدخل مكافحة الفساد من ضمنها، والخدماتي المتعلق بشؤون الناس وشجونها. و”القوات” لن تكون في هذه المرحلة خارج الحكومة حرصاً على التوازن الوطني، وتأكيداً على مشروع الدولة، وتمسكاً بالاستقرار، وحفاظاً على سياسة “النأي بالنفس”، وتثبيتاً لمفاهيم جديدة في ممارسة الشأن العام قائمة على الشفافية والنزاهة.
فـ”القوات” لن تخرج من الحكومة العتيدة، وما تسعى إليه هو تمثيلها أسوة بغيرها، وتحسين شروط مشاركتها من أجل مزيد من الفعالية في ممارسة دورها الوطني، والرئيس المكلف لن يؤلّف من دونها ومن دون غيرها تجسيداً لحكومة الوحدة الوطنية.
وإذا كانت المهلة التي حددها الرئيس المكلف لم تأت من فراغ، بل أتت نتيجة ما سمعه من رئيس الجمهورية بضرورة ان تتمثّل “القوات” بـ4 وزراء ونيابة رئاسة الحكومة، فإنّ ما لم يكن في الحسبان هو إعادة العقدة السنية إلى الواجهة بعدما كان الانطباع أنه تم تجاوزها لجهة انّ المصلحة تقتضي عدم استفزاز الرئيس المكلف، وأنّ هذا المكوّن يجب أن يكتفي في هذه المرحلة بدخوله إلى البرلمان في انتظار ظروف وطنية أخرى.
وفيما تتوقع “القوات” ان تنجح في إبرام تفاهم مع رئيسَي الجمهورية والحكومة حول تمثيلها في الحكومة، فإنّ السؤال يبقى حول موقف “حزب الله” من تمثيل سنّة 8 آذار في حال َخلت حصة رئيس الجمهورية من أحدهم ورفض الرئيس المكلف تمثيلهم من خارج حصة عون؟ وهل رئيس الجمهورية يوقِّع تشكيلة لا تتضمن إشراك هذا المكوّن؟ وفي الإجابة يوقِّع بالتأكيد، خصوصاً انّ الجميع يعلم انّ الرئيس المكلف لن يقبل بتمثيلهم من خارج حصة الرئيس، وأيّ إصرار يعني انّ هناك من يريد افتعال إشكالية من أجل تأخير الحكومة.
ولا يستبعد البعض ان يكون السبب وراء بروز العقدة السنية فجأة، انّ العقدة المسيحية كانت قد شارفت على الانتهاء. وبالتالي، أراد البعض، ربما، افتعال عقدة أخرى لتغطية اعتبارات إقليمية معينة.
وفي أي حال لا يخفى على أحد حرص عون على التأليف قبل 31 من الشهر الجاري، وحرص الرئيس المكلف الدائم على تشكيل حكومته، وفي حال أعطيت “القوات” حقها كغيرها بعيداً من المناورات، فإنّ الحكومة يفترض أن تؤلّف قبل 31 الجاري. أمّا في حال لم تؤلّف، فهذا يعني أنها لن تؤلّف، والعقدة إقليمية وترتبط بحسابات خارجية.