كتب طوني عيسى في صحيفة “الجمهورية”:
في بيئة “حزب الله” تبدّلت اللهجة إزاء الرئيس سعد الحريري، للمرة الأولى منذ التكليف. فعلى مدى 5 أشهر، حرص “الحزب” على خطاب هادئ جداً مع الرئيس المكلّف، حتى إنّ الطرفين “ضُبِطا” يتبادلان كلام “الغزل” في بيروت ولاهاي. أمّا اليوم، فلا تُخفي أوساط “حزب الله” استياءها من إصرار الحريري على مقاربة ملف التأليف بطريقة تعتبرها غير متوازنة. ويُسمَع في هذه الأوساط مَن يقول: إنتهى وقت الدلع. توقّفوا عن المراهنات، وتعالوا إلى الواقعية والجدّية!
3 مؤشّرات ظهرت في الأسبوعين الأخيرين، وعبّرت عن دخول “حزب الله” وحلفائه نهجاً جديداً في ملف تأليف الحكومة:
1 – إنتهاء “شهر العسل” بين “الحزب” والحريري، الذي دام نحو 5 أشهر. صحيح أن لا إشكالات كبيرة تظهر اليوم في العلاقة بين الطرفين، ولكن يمكن الحديث عن رسائل ساخنة يوجّهها “الحزب” إلى الرئيس المكلّف، وآخرها اعتراضه على زيارة الحريري للرياض في هذا الظرف.
فقد تلقّفَ “الحزب” وحلفاؤه هذه الزيارة على مَضض. وتقول أوساطه: “نحن نعرف أنّ هناك خصوصيات في العلاقة ما بين لبنان والمملكة، وأنّ هناك مصالح حيوية لا يمكن لأحد أن يتنكّر لها، لكننا نفضّل اليوم أن يستفيد الحريري من كل لحظة لينجز عملية التأليف بدل الذهاب إلى العواصم الحليفة له. ونحن نخشى أن تؤدي الزيارة إلى ترسيخ وضعية المماطلة بدلاً من التسهيل.
2 – قرار “الحزب” دعم مطالب سُنّة 8 آذار بأن يتمثّلوا في الحكومة، بعدما كان يهمل تماماً هذه المطالب طوال الفترة السابقة من مفاوضات التأليف. وكان الحريري مرتاحاً تماماً إلى أنه يحظى بالتغطية ليمثّل الطائفة وحده. واليوم، يصرّ “الحزب” وسائر مكونات 8 آذار على عدم إصدار التشكيلة الحكومية إلّا بعد تمثيل الحلفاء السنّة.
وثمة مَن يعتقد انّ موقف “حزب الله” المُستجدّ، في دعم تمثيل حلفائه السنّة، ليس سوى ورقة ضغط على الحريري ليتخلّى عن دعم مطالب “القوات اللبنانية”. ولكن، قد يصبح تمثيل الحلفاء السنّة مطلباً حقيقياً لـ”الحزب” إذا وجد الفرصة سانحة لمنع “المستقبل” من احتكار التمثيل السنّي في الحكومة، أو لزيادة حصة فريق 8 آذار في القرار داخل الحكومة العتيدة.
3 – التَشدّد تجاه “القوات اللبنانية” ورفض تَسَلّمها وزارة العدل. وهناك مَن يعتقد أنّ رفض الرئيس ميشال عون و”التيار الوطني الحرّ” طلب “القوات” منسَّقٌ مع الحليف الشيعي الذي لا مصلحة له إطلاقاً في إمرار عدد من الاستحقاقات القضائية الأساسية تحت وصاية “القوات”.
المتابعون يقولون: عندما ظهرت موجة التفاؤل الأخيرة بولادة الحكومة، كان العامل الإقليمي هو الأساس. فخصوم إيران الإقليميون أعطوا الضوء الأخضر للتأليف، سريعاً، لأنهم أرادوا الانصراف إلى بعض المسائل الطارئة، الأكثر أهمية.
ولكن، في المقابل، أرادت إيران أن تستثمر انشغالات خصومها بقضاياهم لمحاولة تحقيق انتصار أكبر على الساحة اللبنانية. ولذلك، طلبت من حلفائها أن يتصلّبوا في عملية التأليف ويُحصِّلوا الحدّ الأقصى في الحكومة المقبلة، ولو استغرق الأمر بعض الوقت، يضاف إلى الأشهر الخمسة الفائتة.
لذلك، سارع الأمين العام لـ”الحزب” السيد حسن نصرالله إلى إعادة الأمور إلى نصابها. فقد ردّ على استعجال الحريري بالدعوة إلى عدم إعطاء المواعيد لولادة الحكومة. وكذلك، شارَكه الرئيس نبيه بري بالتأكيد أنّ “الفول لم يصبح بعد بالمكيول”!
ويقول متابعون إنّ “حزب الله”، من حيث المبدأ، يفَضّل أن تكون “له” حكومة قبل 4 تشرين الثاني، موعد الموجة الجديدة من العقوبات الأميركية عليه. ولكن، في أي حال، إنّ المحور الإيراني باتَ أقل خشية من هذه العقوبات لأنها لن تنجح في وضع طهران في حال عزلة دولية. كذلك يراهن الإيرانيون على أن تؤدي نتائج الانتخابات النصفية الأميركية في 6 تشرين الثاني إلى إضعاف الرئيس دونالد ترامب.
ولذلك يريد “حزب الله” أن يصل بالتصعيد السياسي الذي يمارسه اليوم إلى الحدّ الأقصى. وتقول أوساطه إنه لن يقبل إلّا بأن تأتي التوازنات في الحكومة انعكاساً للتوازنات التي أفرزتها الانتخابات النيابية الأخيرة، أي بتحصيل الغالبية له ولحلفائه. وتضيف: لن نسمح للمحور المهزوم في الانتخابات بأن يعطّل مفاعيل انتصارنا. وفي عبارة أوضح، لن نتيح لهذا المحور أن يحصل على الثلث المعطّل لتعطيل قرار الغالبية.
وبين المتابعين مَن يرى أنّ “حزب الله” يسعى إلى تقليص حجم الكتلة التي يمكن أن يشكّلها خصومه السياسيون، أي 14 آذار، في الحكومة العتيدة، وهم: الحريري (6 وزراء) و”القوات اللبنانية” ( 4 وزراء)، وجزئيّاً جنبلاط (وزيران أو 3، يكون بينهم مروان حمادة المصنّف سياسياً في خط 14 آذار).
فمع حمادة، يمكن أن يحظى الـ14 آذاريون بالثلث زائداً واحداً (11 وزيراً). وهذا ما يحاول “حزب الله” تجنّبه منعاً لمفاجآت و”متاعب محتملة” في الحكومة التي ستعيش مبدئياً حتى نهاية العهد في خريف 2022، وهي ستشرف على أي تعديل لقانون الانتخاب وعلى الانتخابات النيابية التي ستأتي بالرئيس المقبل للجمهورية، في ربيع 2022.
ومن هنا، ينظر هؤلاء إلى رغبة “الحزب” وحلفائه في خرق “البلوك” السنّي “المستقبلي” بوزير من 8 آذار (وربما أكثر)، يؤدي إلى حرمان الكتلة الـ14 آذارية في الحكومة من قدرتها على توفير الثلث المعطّل.
وفي اعتقاد البعض أنّ “الحزب” وحلفاءه يرون أنّ المحور الإقليمي الخصم يعاني ضغوطاً تؤدي إلى إضعاف نفوذه على الساحة اللبنانية. ولذلك، هم لن يفوِّتوا الفرصة التي باتت سانحة لتحقيق انتصار كبير في عملية تأليف الحكومة، مثلما سنحت الفرصة لهم لكي يحققوا انتصاراً نيابياً كبيراً في الربيع الفائت.
وفي اعتقاد هؤلاء أنّ رغبة “حزب الله” وحلفائه في تحقيق “الانتصار الكبير” في الحكومة لا تصل – مبدئياً – إلى حدّ الاستغناء عن الحريري في رئاسة الحكومة. فالرجل، بما يمثّله، محلياً وعربياً ودولياً، يبقى حاجة ماسّة وغطاء مُناسِباً. وهو أيضاً يجد مصلحته في أن يكون في السراي لـ4 سنوات مقبلة، على الأقل. ولذلك، يلتقي الطرفان على البقاء داخل التسوية المعقودة في 2016، حتى نهاية العهد.
والأرجح أنّ كلّاً من الحريري و”حزب الله” يعرف حدود السقف المُتاح للعيش تحته، وهو يتأقلم على إدارة الأزمات وتنظيم الخلافات في ظلّه. ولكن، هل تتيح نزاعات المحاور الإقليمية لهذا السقف بأن يصمد، فلا يسقط على رؤوس القاطنين تحته؟