كتبت ليا القزي في صحيفة “الأخبار”:
بين ليلةٍ وضحاها، بدا أنّ سمير جعجع يُجرّد ملحم رياشي من الثقة التي منحه إياها، ويُعيّن «وصياً» عليه، بعد أن كان منذ تسلمه مهمة التواصل السياسي مع بقية الأحزاب والشخصيات، «المايسترو» الوحيد. خطوات كثيرة، تُشير إلى أنّ حجم رياشي داخل «القوات» بدأ بالتقلّص. لا ينحصر الأمر بالقيادة، فالأمينة العامة للقوات تعمل جاهدة لإقصاء رياشي تمهيداً لـ«احتلال» موقعه
في 22 أيار 2018، قال نائب زحلة سيزار المعلوف في مقابلة مع «الأخبار»، إنّ الأمينة العامة للقوات اللبنانية شانتال سركيس، تواصلت معه بعد تصريحه بأنّه سينتخب نبيه برّي رئيساً لمجلس النواب بمعزل عن قرار تكتله النيابي، طالبةً التنسيق مع قيادة الحزب قبل إعلان أيّ موقف. كانت محاولة من سركيس للسيطرة على «الوافد الجديد» وتوجيه خياراته، قبل أن «يتمادى» أكثر في استقلاليته. يومها، ردّ المعلوف (كما أبلغ «الأخبار») بأنّه يتحرك وفق ما يراه مُناسباً. ما حصل بين نائب زحلة والأمينة العامة، لم يكن «خارجاً عن المألوف» في طريقة تصرّف سركيس مع نواب ووزراء ومسؤولين في «القوات»، فيقول نواب إنّها «تُحاول أن تضع يدها وتُسيطر على الجميع. هذه المحاولة خلقت توتراً بينها وبين الآخرين».
منذ مدة، تنتشر أخبارٌ داخل حزب القوات وخارجه أنّ سركيس تُحاول أن «تتسلّط» على الوزير ملحم رياشي، طمعاً بلعب الدور السياسي المُكلّف به. تسعى إلى أن تكون «المُتكلمة» باسم الحزب، وصاحبة الحق بإطلاق المواقف السياسية، وخوض المفاوضات (الانتخابية) مع بقية الأحزاب. تقوم بذلك، مُتخطية حدود صلاحياتها والنظام الداخلي، «الذي يعتبر أنّ الأمين العام هو رئيس الحزب الإداري، وأرفع منصب تقع تحت سلطته كلّ القطاعات… إلا تلك السياسية»، بحسب أحد المسؤولين القواتيين. طموح سركيس السياسي كبير جداً، «على العكس من رياشي الذي يُدرك جيّداً حدوده ولا يتمسك بالمناصب».
يقول المسؤول القواتي إنّه «منذ أن تسلّمت شانتال مهمتها، عام 2016، كان واضحاً أنّ لا كيمياء بينها وبين رياشي»، مُضيفاً أنّهما «بالكاد يتبادلان التحية». ابنة القبيات (عكار)، الآتية من عائلةٍ عونية، تُحاول اللعب على وتر أنّ رياشي «ليس واحداً منّا»، كونه لا ينتمي تنظيمياً إلى «القوات» وهو من خلفية «مخيبرية». وهي تستفيد من شعور عددٍ من القواتيين أنّ رياشي «كَبُر كثيراً»، ولم يعودوا يتقبلون وجوده كما في السابق. ولكنّ نواباً في «القوات» يوضحون أنّ «علاقة سركيس سيئة بكلّ وزراء الحزب. هي لا تكنّ الودّ لأيّ منهم»، متوقعين أنّ تبدأ «قريباً مشاكلها معنا (النواب) بالظهور». مشكلتها مع رياشي وبيار بو عاصي وغسان حاصباني، أنّها «تُحاول أن تُدير هي لعبتهم وتُوجّههم، الأمر الذي لن يقبل به أحد». يترافق ذلك مع عدم إخفاء سركيس رغبتها في الحصول على حقيبة وزارية.
قد تكون علاقة الأمينة العامة مُتردية مع كلّ وزراء «القوات»، ولكنّ الأضواء تُسلّط بشكل أساسي على خلافها مع رياشي، لأنّه مُكلّف بمهمة كبيرة وأساسية، ومشكلتها معه أكبر من مُجرّد الرغبة في فرض السيطرة عليه، فهو يُعدّ «المُنافس الأول» لها. الهدف الأكبر لسركيس، شنّ «حرب إلغاء» على رياشي، من خلال التسويق لـ«فشله» في ملف العلاقة بين التيار الوطني الحرّ والقوات اللبنانية، وتشكيل الحكومة، وحتى أداءه في وزارته، لتخلص إلى أنّه يجب استبعاده من مجلس الوزراء المقبل. في المُقابل، يضيف حزبيون، تريد أن تنسب فوز «القوات» خلال الانتخابات النيابية في مختلف الدوائر، إلى نفسها، مُتجاهلةً أنّه كانت للمُصالحة مع العونيين آثار إيجابية كثيرة، انعكست لمصلحة جعجع وزادت من تقبله في صفوف الرأي العام المُحايد.
«شانتال تستخدم مركزها لإقامة جسرٍ من الإدارة إلى السياسة، والحصول على أكبر قطعة من قالب الحلوى، تماماً كما يُحاول كلّ شخص قريب من السلطة أن يفعل»، يقول مسؤول قواتي، نافياً أن تكون إحدى «مميزات» سركيس قربها الجغرافي الدائم من جعجع في معراب: «كم مرّة تلتقيه في اليوم؟ لا أحد قريب من جعجع. هذا الرجل براغماتي إلى درجة أنّه يستطيع أن يُدمّر أو يرفع من شأن أحدهم تبعاً للمصلحة الآنية». حتى «الوزير الملك» ملحم رياشي، «جعجع قادر على إيجاد 50 نسخة منه». يعني ذلك أنّ تصرفات سركيس ونواياها التوسعية تحصل تحت أعين جعجع، وقد يكون أيضاً بمباركته. فبالتأكيد، لن تكون لديه مشكلة في «خلق» أكثر من قناة داخل «القوات»، تتصارع في ما بينها، طالما أنّها في النتيجة تحت سيطرته. وثمة فرضية يجري تداولها بأنّ رئيس القوات قرر «قصّ جناحَي» رياشي. حادثتان تُعززان هذه الفرضية. الأولى هي إيفاد مدير مكتب جعجع، إيلي براغيد، مع رياشي للقاء رئيس الحكومة المُكلّف سعد الحريري قبل أيام، لتسليمه مطالب القوات الوزارية، مكتوبةً. والثانية تعديل جعجع لشروطه الوزارية بطلب 4 حقائب مُقسمة بين الطائفتين المارونية والروم الأرثوذكس، ما يعني عدم توزير رياشي من جديد، كونه ينتمي إلى طائفة الروم الكاثوليك.
الحجّة التي برّرت فيها «القوات» إيفاد براغيد، هي أنّه يحمل رسالة من جعجع، وحضوره دليل على «جدّية» المرحلة التي بلغتها المفاوضات. إلا أنّ التبرير أتى ضعيفاً وغير مُقنع، لأنّه لم يسبق لبراغيد أن لعب دوراً سياسياً، حتى في أحلك الظروف. كما أنّه منذ تسلمه مهامه، كان رياشي الناطق الوحيد باسم رئيس الحزب وحامل كلمة سرّه. لا تفسير لما حصل، سوى أنّ جعجع يسحب الثقة من يدَي وزير الإعلام في حكومة تصريف الإعلام، لأسباب لا تزال مجهولة. نواب في «تكتل الجمهورية القوية»، يُقرّون بدايةً بأن «إرسال براغيد مع رياشي كان غلطة، لأنّ إيلي لم يُفوّض بأمرٍ مماثل قبل ذلك»، ولكنّهم يُصرون على أنّ «السبب بسيط جداً، وهو أن يستشعر الحريري بجدّية موقفنا. لكن الثقة برياشي موجودة».
إذا كان ذلك صحيحاً، فلماذا تخلّى جعجع عن مقعد وزاري للطائفة الكاثوليكية؟ «غير دقيق هذا الكلام، فحين طلب رئيس القوات من رياشي، إبلاغ الحريري طلب الحزب الحصول على الأربع حقائب، «وافق رياشي ولكنّه نبّه الحكيم إلى وجود صعوبة في تمرير الطرح. فقال الأخير إنّه يُمكن إذا رُفض الاقتراح، تبديل حقيبة مارونية بأخرى للأرمن الكاثوليك». هناك تأكيدات أنّ جعجع لا يُناور بهذا الاقتراح، ما يعني عملياً أنّ رياشي أصبح خارج الحكومة، بعد أن كان الرقم الصعب. يُحاول مسؤول قواتي التخفيف من الموضوع، بالقول إنّه «داخل أو خارج الحكومة، سيبقى رياشي مسؤولاً عن ملّف التواصل الذي نجح به. ولكن يجب أن تكون العلاقات السياسية، في المرحلة المقبلة، مُوزعة على أكثر من شخص».
وحاولت «الأخبار» الاتصال برياشي لاستيضاح موقفه، فرفض الخوض في الأمر. أما سركيس، فتعذّر الاتصال بها بسبب انشغالها «في اجتماع».