كتبت جنى جبّور في “الجمهورية”:
من منّا لا يعاني من التوتر ومن آلام الظهر والعنق جرّاء نشاطات حياتنا اليومية غير الصحية؟ وقد يكون من النادر جدّاً في عصرنا عدم المعاناة من هذه المشكلات، التي تدفع الأشخاص الى استشارة الاختصاصيين أو المعالجين الفيزيائين دون أيّ تحسّن فعّال. فهل العلاج البديل أو الطبّ الصيني هو الحلّ؟
ما زال العلاج البديل او الطب الصيني غريباً عن ثقافتنا، لاسيما أنّ غالبية اللبنانيين لا يؤمنون بالشفاء أو التحسّن بأيّ وسيلة غير دوائية أو جراحية. ولكن اثبتت الدراسات العلمية فعالية الطبّ الصيني في كثير من الحالات. في هذا الصدد، وللتعرّف على هذا الطب بطريقة علمية، حاورت «الجمهورية» الاختصاصية في العلاج الفيزيائي وديبلوم في الطب الصيني والوخز بالحقن الدكتور لورانس بعيني الذي استهلت حديثها قائلةً إنّ «الجميع تقريباً في لبنان يعانون من التوتر الذي يؤثر على جهاز المناعة لدينا، بالاضافة الى الحركات الخاطئة التي نقوم بها في أعمالنا سواءٌ أكانت تتطلّب الجلوس أو الوقوف لفترات طويلة، الأمر الذي يؤذي فقرات الظهر والعضلات ويسبّب أوجاع الظهر والعنق والديسك والمفاصل والتهاب العصب».
الدواء والجراحة
على أثر المعاناة من آلام الظهر، يتوجّه المريض الى اختصاصي العظم للكشف عنه ولعرض العلاجات اللازمة لتحسن حاله، وتوضح د. بعيني «يبدأ العلاج الفيزيائي بعد أن يرسل طبيب العظم المريض الى الاختصاصي الفيزيائي. وتكمن المشكلة في لبنان أنّ الطبيب يصف الادوية للمريض قبل تحويله الى المعالج الفيزيائي وذلك بعد أن يتوقف تجاوب المريض على الأدوية، وقبل توجيهه الى الجراحة، وهذه الخطوة خاطئة جدّاً، فلماذا ندخل الدواء الى جسم المريض في وقت يمكن للعلاج الفيزيائي تحسين او حلّ المشكلة؟ وفي هذا الاطار يستفيد البعض من العلاج الفيزيائي دون أن يحتاجوا لاحقاً الى الجراحة، بينما بعضهم الآخر يكون قد تأخّر الوقت بالنسبة لهم بسبب ضعف العصب والفقرات فنضطر الى العملية. وكما يعلم الجميع أنّ من المهم الخضوع للعلاج الفيزيائي في حال التعرض للكسور او التمزق في الأربطة».
في المقابل، يختلف مبدأ الطب الصيني عن الطب الذي نعرفه وقد سجّل نتائج فعالة بالنسبة لبعض المشكلات الطبية التي لم تتجاوب على الادوية، وتشير د. بعيني الى انّه «يتوجّه العالم ككل الى العلاجات بواسطة الطب الصيني في كثير من الامراض التي لا تملك نتائج مُرضية في علاجاتها الطبية كالصداع النصفي (Migraine). امّا في لبنان، فالكثير من اطباء الجهاز العصبي يحوّلون مريض الامراض العصبية الى الطب الصيني للحدّ من العوارض الجانبية للأدوية. كذلك، برهن الطب الصيني نتائج رائعة في بعض الحالات الطبية مقارنةً بالأدوية، لاسيما أنه يقتضي على الوخز بالابر فقط».
الوخز بالابر
في لبنان، يُعرف الطب الصيني بالطب البديل، بينما في الصين تتعدد المستسفيات التي ترتكز على الطب الصيني فقط في جميع الاختصاصات وحتّى لمعالجة الشلل. في المقابل، كانت منظمة الصحة العالمية قد حدّثت مرجعيّتها للأمراض لتشمل للمرة الاولى مرجعيات الطب الصيني، وبالتالي أصبح التصنيف الدولي المعدل للأمراض، يشمل الآن الحالات الطبية التي يحددها الأطباء الشعبيون الصينيون، واليابانيون، والكوريون.
وفي التفاصيل تقول د. بعيني إنّه «عندما يأتي المريض للخضوع الى العلاج الصيني، نبدأ بفحصه من خلال الكشف عن لسانه ونبضه، لأنه يمكن من خلالهما رؤية كل اعضاء الجسم كالقلب والرئة والكبد. وهذه الخطوة تجعلنا نفهم السبب الرئيس للوجع، ونقوم بعدها بالحسابات وفق النهج الصيني الطبي لنقرّر طريقة العلاج وتحديد نقط الوخز وعدد الجلسات التي تختلف من شخص الى آخر بحسب عوارض كل مريض. ويهمني أن اوضح أنّ الابر الصينية لا تشبه الحقن الطبية التي نعرفها وهي قريبة لإبر الحياكة، فهي رفيعة جدّاً ولا تحتوي على ايّ مادة او دواء وتختلف فعاليتها بحسب نقط الحقن التي نحدّدها، فهناك 381 نقطة محدّدة الأسامي، اضافةً الى نقاط اضافية اخرى غير مسماة.
وبالتالي، يحصل المريض على نتيجة دون دخول ايّ دواء الى جسمه»، مضيفةً «مدّة كل جلسة 20 دقيقة، ولا يشعر المريض بالألم، بل يشعر بالوخز فقط عند ادخال الابرة. ويختلف عدد الجلسات بحسب الحالة، فإذا كان المريض يعاني فقط من وجع في العضل يحتاج حينها الى 7 جلسات، بينما اذا كان مصاباً بالامراض العصبية او بالصداع النصفي فعندها سيحتاج طبعاً الى وقت اطول».
بين الطب الصيني والعلاج الفيزيائي
بين الطب العادي والطب الصيني عدد من الفروقات المختلفة، فكيف يمكن تحديد ايّ وسلية يجب التوجّه عبرها خصوصاً في ما يخصّ اوجاع الظهر مثلاً، فكيف تقرّر د. بعيني أيّ علاج يجب الاعتماد عليه، بما أنها اختصاصية علاج فيزيائي من جهة وطب صيني من جهة اخرى؟ تجيب «أولاً، يعتمد الطب العادي على مبدأ الدواء او الجراحة، بينما الطب الصيني يبتعد عن هذين المبدأين، لأنّ لكل دواء عوارض جانبية، وللجراحة تأثيرات سلبية على نشاطات المريض بعد خضوعه لها. ويمكننا توجيه كل مريض يعاني من امراض عضوية كالمشكلات في العضل الى الطب الصيني لا سيما انه يعتمد على علاج المسار ككل وليس فقط العارض. بينما إذا عانى من كسر في يده او مشكلة في مفصله، عندها طبعاً يكون الحل بالعلاج الفيزيائي لأنّ المشكلة تكون ميكانيكية، ما يحتّم إعادة الحركة الطبيعية للعضو المصاب. بالاضافة الى فعالية الطب الصيني في التوقف عن التدخين وادارة التوتر الذي يسبب الامراض المختلفة».
لبنان والطب الصيني
لا يؤمن الكثير من اللبنانيين بالطب الصيني، فبحسبهم «كيف يمكن الشفاء دون دواء»؟، فكيف تبرر د. بعيني على هذا الموضوع؟ بحسبها «بدأ مجتمعنا بالتوجه الى هذا النوع من الطب خصوصاً أنه لا يحمل العوارض الجانبية، فباتت عياداتنا تشهد الكثير من المرضى الذين حاولوا حلّ مشكلاتهم بالوسائل الدوائية دون نتيجة»، خاتمةً «الطب الصيني ليس مجرد اقاويل كما يعتقد البعض بل لدينا ابحاث ودراسات علمية برهنت علمياً فعاليته. وعلى الجميع أن يعرف أنّ في أجسامنا مسارات محدّدة يرتكز عليها الطب الصيني في علاجاته».