كتب عيسى يحيى في “الجمهورية”:
بين النعمة والنقمة يحار المواطنُ البعلبكي جراء القرارات التي تُتخذ في بلدية بعلبك، حيث لم يعد بمقدوره التمييزُ بين الصالح منها للنفع العام وبين المصالح الخاصة، وقد بات السؤال الحاضر هنا: مَن يتحمّل أوزار تلك القرارات التي قسَّمت الناس بين مؤيّد ومعارض؟ وهل من طائل لمعارضتها طالما أنّ الأمور سلكت طريقها إلى التنفيذ وفق الإجراءات الروتينية.
عبثاً يحاول البعض تمرير القرارات والمشاريع دون الرجوع إلى حاجات الناس ومطالبهم، حتى ظنّ البعض أنّ تأجيل البتّ ببعضها كان بهدف للبحث عن الأفضل منها، فيما رأى البعض الآخر أنّ تأجيلها كان لتمرير الإنتخابات وامتصاص نقمة الناس، وكأنّ قدر أهالي بعلبك العيش وسط معاناة تبدأ بأبسط مقوّمات الحياة كالماء، ولا تنتهي بمركز المحافظة المزمع إنشاؤه على بعد كيلومترات عدة من المدينة حيث المخطط المستقبلي لـ»نيو بعلبك» وفق بعض المنظّرين، تلك المحافظة التي لطالما حلم بها أبناء البقاع من الهرمل حتى قرى غرب بعلبك لترفع كاهل المعاناة عنهم وعناء الانتقال الى زحلة لإتمام معاملاتهم.
في الخامس عشر من أيّار الفائت اتّخذ مجلسُ بلدية بعلبك قراراً بالموافقة على شراء قطعة أرض في تلال منطقة راس العين تعود ملكيّتُها للنائب عن منطقة جبيل مصطفى الحسيني تقع بين عقارَين تملكهما البلدية، حيث يتاح لها إنشاء مبنى المحافظة الجديد كونه الأنسب من بين أماكن عدة كانت مطروحة كمحلة دار المعلمين وسط المدينة، وثكنة غورو التي يقطنها مهجّرون، أضف إليهما محلة التل الأبيض وغيرها. هذا القرار شكَّل نقطة خلاف بين أعضاء بلدية بعلبك المنتمين إلى حركة «أمل» و»حزب الله» وجمعية المشاريع الخيرية حيث الغلبة فيها لأعضاء الحزب، ما دفع إلى تأجيله الى مرحلة لاحقة.
وفي التفاصيل أنه منذ فترة، عُقد لقاء بين «حزب الله» و»أمل» عند رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي أعطى الموافقة على البدء بتنفيذ المبنى في تلال رأس العين. وفي خلال اللقاء اعترض عدد من قيادات حركة «أمل» على المشروع ما دفع الرئيس بري إلى الطلب من المجتمعين الاتّفاق فيما بينهم.
هذا الطلب تُرجم اتفاقاً بين «أمل» و»حزب الله» على تكليف بلدية بعلبك بالموضوع حيث عمدت الأخيرة إلى تشريع قرارها بغطاء من مخاتير ورؤساء إتّحادات بلديات من الهرمل حتى بدنايل عبر التوقيع على عريضة تدعم الإنشاء في الموقع الذي اعترض عليه كثيرون، حيث اعتبر بعض المعترضين أنّ المكان لا يعود بالفائدة على سوق بعلبك التجاري. فالقادم إلى محافظة بعلبك والدوائر الرسمية فيها لن يدخل السوق وبالتالي فإنّ الإقتصاد والحركة التجارية سيزدادان سوءاً، فيما رأى البعض الآخر أنّ اختيار المكان يعود إلى منافع شخصية وعقارات سترتفع أسعارها وسيستفيد من فورة سعرها هناك، أشخاصٌ محدّدون، كذلك يرى آخرون أنّ اختيار المكان بعيداً من المدينة وبعد نقل المحافظة بدايةً من السراي إلى المدرسة الرسمية ومنها إلى الجرود ما هو إلّا لتعزيز سلطات محلية على حساب لامركزية الدولة ودوائرها.
هذه الأراء تدحضها بلدية بعلبك التي تعتبر أنّ المكان الذي اختير هو الأفضل من بين ما هو مطروح، كما يتناسب مع بعلبك الجديدة التي تمتدّ إلى الأطراف، أضف إلى ذلك المساحة الشاسعة التي يمكن الإفادة منها، ناهيك عن ملكية الأراضي في المنطقة التي تعود بكاملها لأهالي المدينة بجميع طوائفهم وإنتماءاتهم.
وعلى المقلب الآخر تُستباح مشاعات مدينة بعلبك وعقاراتها تحت مسميات مختلفة، كما هو الحال في كل المدن والقرى اللبنانية، وهو الأمر الذي يتطلّب من الدولة تحرّكاً لمعالجة مشكلات الضمّ والفرز وتحديد أملاك الدولة ليصار إلى الإفادة منها بعيداً عن المنافع الشخصية لبعض النافذين.
وفي آخر فصول قضايا المشاعات والعقارات في بعلبك بعد العقار 109 الذي تبلغ مساحته حوالى خمسين ألف متر مربع حيث قسّم إلى حصص جرى توزيعها، تشخص عيون البعض اليوم الى العقار 101 البالغة مساحته أكثر من مليون وثلاثمئة ألف متر مربع والذي كان من المفترض أن يتحوّل إلى محميّة طبيعية، حيث قدّمت الجمعية اللبنانية للسياحة والتراث وجمعية العمل البلدي في «حزب الله» طلباً لبلدية بعلبك لاستثمار العقار 101 لإقامة معلم سياحي على نسق معلم مليتا في الجنوب، وقدّمت الجهة المستدعية هبة مالية غير مشروطة قيمتها 300 ألف دولار لتقديم الدراسات والتراخيص والبدء بالمرحلة الأولى من البنى التحتية على أن تستكملَ البلدية الأعمال اللاحقة لحين إنجاز المشروع.