كتب وليد شقير في صحيفة “الحياة”:
أعرب أحد رؤساء الحكومة السابقين عن خشيته من «غلبة ذهنية التسلط وفائض القوة التي ظهرت خلال الأشهر الخمسة الماضية من أزمة تأليف الحكومة» على المرحلة اللاحقة بعد تشكيلها، إذا صدقت الأخبار المتفائلة بأن هناك توجهاً جدياً للخروج من الفراغ الحكومي.
ولم يخفِ رئيس الحكومة السابق لـ «الحياة»، أن القلق من هذه الذهنية ساهم في دفع رؤساء الحكومة السابقين نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة وتمام سلام، إلى عقد اجتماعات متلاحقة خلال أزمة التأليف مع الرئيس المكلف سعد الحريري، وكان آخرها لقاءهم إلى مائدة العشاء في منزل الرئيس ميقاتي يوم الأحد الماضي من أجل عرض الأوضاع في البلاد وطبيعة العراقيل التي تواجه ولادة الحكومة.
وأوضح أن الحريري عرض في هذه اللقاءات للجهود التي يبذلها للخروج من مأزق الفراغ الحكومي الذي طال، والواقع أن الحريري يسعى بلا كلل من أجل إنهاء هذا الفراغ حيث جعله هذا التأزم في موقع فرض عليه أن يكون صبوراً ومتحفزاً نحو قيام معادلة تسمح بالنهوض بالبلد من أزمته الاقتصادية، ما يتطلب قيام حكومة في أسرع وقت.
ويضيف رئيس الحكومة السابق لـ «الحياة»، أن سعي الحريري إلى معالجة مسألة الحصص الوزارية بهدوء وروية أظهر في الوقت ذاته موقعه المتقدم في الحرص على البلد في مواجهة نزعات التسلط وممارسة فائض القوة والتعطيل التي تتحكم بسلوك غيره من الفرقاء.
ويقول رئيس الحكومة السابق: «صحيح أن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وفريقه باتا محشورَين لجهة ضرورة قيام حكومة قبل 31 الجاري، أي الأربعاء المقبل، الذكرى السنوية الثانية لانتخابه، في وقت لم يعد الرأي العام مقتنعاً، بسبب تعطيل الحكومة والتناحر على الوزارات، بما يقال عن إنجازات العهد، وبالتالي فإن للعهد مصلحة في ولادة الحكومة قبل هذا التاريخ، لكن المرء لا بد من أن يأخذ حذره من المراهنة على ذلك وحده، لأن فلسفة التعطيل التي يعتمدها «التيار الوطني الحر» والتي أوصلت زعيمه إلى رئاسة الجمهورية، لا يبدو أنه مستعد للتراجع عنها أو تغييرها».
دور إقليمي في التأخير؟
ويشير إلى أن «حزب الله» الحليف الرئيسي لـ «التيار الحر» يلاقيه في «ممارسة هذه الفلسفة، من طريق اعتماد ما يسمى فائض القوة، بدليل أن الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله طلب الأسبوع الماضي من الجميع عدم وضع مهل زمنية للتأليف، مصراً على تمثيل حلفائه من النواب السنة غير المنتمين إلى تيار «المستقبل»، حيث انتظر حصول حلحلة في ما يخص توزير حزب «القوات اللبنانية» لطرح هذا المطلب، ثم عاد رئيس كتلة الحزب النيابية محمد رعد فعدل اللهجة بدعوته إلى البناء على الإيجابيات التي تحققت.
ويسأل رئيس الحكومة السابق لماذا وضع الشروط على التأليف عند حصول حلحلة، إلا إذا كانت هناك عوامل إقليمية لها دور في تأخير الحكومة في لبنان على وقع تطورات ما في المحيط اللبناني؟ ويرى أن تجارب تشكيل الحكومات السابقة التي طالت ولادتها، أظهر أن هناك ضوءاً أخضر جاء من الخارج شجع على ذلك.
ويعتقد رئيس الحكومة السابق أن الخلاف الداخلي على حصص التأليف ما زال على حاله، والحديث عن الحقائب ما زال يتناول التفاصيل ذاتها منذ 5 أشهر، وبالتالي لم يطرأ جديد محلياً حتى يحصل التفاؤل بقرب التأليف إذا كانت العقدة محلية صرفاً. ولم يلجأ المعنيون إلى تعديل جذري في مقاربة الشأن الحكومي، مثل الحديث عن حكومة مصغرة أو متوسطة الحجم بدلاً من الحكومة الثلاثينية، حتى نعتبر أن تطوراً في موقف الفرقاء سمح بهذا التفاؤل. وعليه، فإن للتساؤل عن عوامل إقليمية وراء تأخير الحكومة ما يبرره، حيث يفتح استمرار التأزم أكثر من 5 أشهر الباب على الكثير من التأويلات والتقديرات حول الحسابات الإقليمية التي ترتبط بإطالة الفراغ الحكومي، فالصراع الكبير الدائر في المنطقة يدفعنا إلى التساؤل عمن يسعى إلى الإفادة من التشدد في لبنان في سياق هذا الصراع.
قوة الرئاسة وقوة لبنان
وفي السياق الداخلي لأزمة التأليف، يشير رئيس الحكومة السابق نفسه إلى أنه «على صحة الاستنتاج بأن الانتخابات النيابية أحدثت تعديلاً في الأكثرية النيابية، لكن الحريري حين كان على رأس كتلة نيابية من 34 نائباً لم يستخدم منطق الأكثرية والقوة، بل على العكس، ساير جميع الفرقاء وسعى إلى التعاون لتشكيل حكومة توافق وطني حين ترأسها، ثم عمل بهذا التوجه بعدها، فلماذا حين صار الآخرون يعتبرون أنهم حازوا الأكثرية يتشبثون بسياسة تقزيم الآخرين إلى درجة الدخول في صراع على كل حقيبة»؟ ويسأل: «يطرح البعض شعار الرئيس القوي، فإذا كان هذا هو الواقع لماذا لا يجيرون هذه القوة إلى لبنان بدلاً من رفع الشعار في وجه الفرقاء المحليين؟». ويلفت إلى أنه إذا استمر البلد غارقاً في تنافس على من هو الأقوى ومن هو الضعيف، فإن هذا لا بد من أن يمس التوازنات بين القوى الرئيسية في البلد. هل يريدون إضعافَ الرئيس المكلف من وراء هذا الشعار والصراع على الحقائب؟ وهل يناسب ذلك تركيبة لبنان في وقت برهنت التجارب أنه كلما كان هناك شريك ضعيف وآخر قوي اختل الميزان الدقيق الذي يتصف به البلد، لأن هذا النهج ينبع من منطق تسلطي».
ويذهب رئيس الحكومة السابق في انتقاد تصريحات نواب «التيار الوطني الحر» وبعض المواقف الأخيرة، إلى حد القول إن الحديث عن «بيّ الكل» يعني استيعاب الكل. ويعتبر أنه حين كان الرئيس ميشال سليمان رئيساً كان هناك احتجاج على أن تكون له حصة وزارية، وعندما صار «التيار» في السلطة ولديه كتلة نيابية وازنة ووزراء، بات المبدأ هو أن الرئيس لا يستطيع أن يعمل من دون وزراء له. وفي وقت كان «التيار» سبّاقاً في فصل النيابة عن الوزارة عاد فكسر هذه القاعدة عندما بدأ «تيار المستقبل» و «حزب الله» يلتحقان بها. وفي وقت تنشأ الأعراف لتحسين الأداء الدستوري ولسد ثغرات قانونية، لأن الهدف إحداث تقدم في ممارسة الحكم، فإن ما يجري حالياً يؤدي إلى إضعاف الدستور. ويُخشى من كل هذا السلوك أن يشجع على التسلط بدلاً من ممارسة السلطة.
ويلفت رئيس الحكومة السابق أيضاً إلى بعض التصريحات التي أدلى بها الرئيس عون، والتي كانت مدار نقاش بين رؤساء الحكومة السابقين، لا سيما قوله إن مجلس الوزراء لا ينعقد إذا لم يحضر هو جلساته، في وقت يتيح الدستور انعقاده إذا لم يحضر الرئيس. ويتساءل: هل هناك نية فعلية، كما قال أحد نواب «التيار الحر» في حملته الانتخابية، لتعديل الطائف بالممارسة من دون تعديل النصوص؟ فما يحصل يدل إلى وجود نية لخلق حالة مصطنعة، لأنها غير موجودة في المرجعيات التي تنظم الحكم في لبنان.
وينتهي رئيس الحكومة السابق إلى القول إن إثارة موضوع الصلاحيات في هذا الظرف ليس مفيداً للبلد، فهناك محاولة لتضخيم الأمور على أن اتفاق الطائف أعطى صلاحيات لرئيس الحكومة على حساب صلاحيات رئيس الجمهورية، في حين أن وثيقة الوفاق الوطني نقلت صلاحيات كان يتمتع بها رئيسا الجمهورية والحكومة، إلى مجلس الوزراء مجتمعاً، وليس صحيحاً أنه نقلها إلى رئيسه، وحتى صلاحية تأليف الحكومة هي منوطة به وبرئيس الجمهورية، لأن تشكيله إياها مرتبط أيضاً بتوقيع الثاني مرسومها بالاتفاق بينهما. وأثبتت التجربة أن بضعة وزراء يمكنهم أن يَحُولوا دون ترجيح كفة خيارات يريدها رئيس الحكومة.